“حزب الله” بين التخبط والحكمة و”وحدة الساحات”.. وأمريكا من “كوكب آخر”: لم يحدث اجتياح بري

“حزب الله” بين التخبط والحكمة و”وحدة الساحات”.. وأمريكا من “كوكب آخر”: لم يحدث اجتياح بري
بدون إعلانات رسمية، انتقلت إسرائيل وحزب الله فعلياً إلى مرحلة الحرب الشاملة. تبدو هذه الأقوال صحيحة حتى لو لم يظهر حتى الآن جنود إسرائيليون يجتازون الحدود نحو لبنان، وإن لم يطبق حزب الله حتى الآن تهديداته بإطلاق صواريخ نحو تل أبيب الكبرى.
التغير الرئيسي في الوضع تبشر به موجة هجمات أوسع لسلاح الجو. أفاد لبنان بـقتل 350 تقريباً ومئات المصابين، مع تدمير عدد كبير من مخازن القذائف والصواريخ لحزب الله.
هي ليست أرقاماً يستوعبها حزب الله، لكن الكثير من القتلى هم من المواطنين أيضاً، وفي المساء هاجم سلاح الجو بيروت في محاولة لتصفية قائد كبير في حزب الله، قائد الجبهة الجنوبية عليّ كركي. رد حزب الله بإطلاق النار على محيط حيفا، ثم على المدينة نفسها ووادي عارة ومستوطنات في الضفة الغربية. ولكن من المرجح الافتراض بأنه سينجر إلى إطلاق صليات أشد في عمق أراضي الدولة. كثيرون في الجانب الإسرائيلي يأملون ذلك، ويرونها فرصة لهزيمة حزب الله. في الملخص، صعدنا على مسار سريع للحرب حتى لو يبلغونا عن ذلك رسمياً.
في وقت قريب من بداية الهجمات، أعلن المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، بأن سلاح الجو يقصف أهدافاً عسكرية نشرها حزب الله في القرى في جنوب لبنان، وطلب من السكان الذين يعيشون قربها الإخلاء. في الظهيرة، وجه هاغاري تحذيراً مشابهاً لسكان البقاع اللبناني. في مرمى الهدف مشروع بدأه حزب الله قبل حرب لبنان الثانية في 2006 (تعرض لضربة أولى في حينه في عملية “وزن نوعي”) – نشر منهجي لصواريخ المدى المتوسط والبعيد، بعضها دقيق ويعود إلى المخزون الاستراتيجي الأهم لحزب الله في قرى في أرجاء الدولة. تم وضع منصات إطلاق هذه الصواريخ على الشرفات وفي أقبية البيوت استعداداً لتشغيلها. الاستخبارات الإسرائيلية جمعت معلومات عنها، ويبدو أنها ضرب هذه الأهداف. قال وزير الدفاع غالنت مساء أمس، إنه تم تدمير عشرات آلاف الصواريخ والصواريخ الدقيقة.
الانفجارات وتحذيرات هاغاري فعلت فعلها؛ بدأت في الظهيرة حركة جماعية للسكان من جنوب لبنان ومن البقاع نحو منطقة بيروت. الشارع الرئيسي بين صور وبيروت احتلته السيارات نحو الشمال حتى على حساب المسارات المتجهة نحو الجنوب. موجة الهجمات الكثيفة التي لم يشاهد مثلها في لبنان منذ الحرب السابقة قبل 18 سنة جاءت استمراراً لأحداث الأسبوع الماضي، هجوم “البيجرات” المتفجرة وأجهزة الاتصال، ثم تصفية إبراهيم عقيل و15 من قوة النخبة في بيروت.
إن زيادة الضغط العسكري الإسرائيلي تزيد من تخبط رئيس حزب الله، حسن نصر الله. تعلن إسرائيل أنها تريد فصل جبهة لبنان عما يحدث في غزة، وإجبار حسن نصر الله على وقف النار دون صلة بما يحدث في المواجهة مع حماس. وهي معنية أيضاً بإبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني والمس بقدرات حزب الله العسكرية التي راكمها عشرين سنة، وعلى رأسها قدرات الإطلاق.
حسن نصر الله في خطابه الأسبوع الماضي، أعلن عدم نيته التوقف عن الهجمات على طول الحدود، لكن الوضع مختلف الآن، وعليه التقرير إذا كان سيستخدم كل ترسانة السلاح التي بحوزته وإطلاق صليات نحو مركز البلاد أيضاً. مايكل يانغ، محلل في مركز “كارنيغي” في بيروت، كتب أمس بأن إسرائيل تريد التسبب بمغادرة جماعية للسكان من جنوب لبنان والبقاع. وحسب قوله، أن حزب الله قدر خطأ بأن الإطلاق نحو “الكريوت” كان خطوة تهديدية لردع إسرائيل عن مواصلة التصعيد. ولكن تبين أنه تقدير خاطئ.
“في كل عملية تصعيد، تصعد إسرائيل أكثر وتخلق معضلة أمام حزب الله. وإذا استخدم حزب الله الصواريخ الدقيقة، فسيقود إلى حرب شاملة وتدمير لبنان، وسيعتبر نصر الله هو المسؤول عن ذلك. على حزب الله ومحور المقاومة إعادة فحص استراتيجية وحدة الساحات المتبعة، والتي سيتم تحييدها إذا تمكنت إسرائيل من التصعيد إلى مستوى أعلى”، كتب يانغ. تظهر إسرائيل في هذه الأثناء وكأنها غير مستعجلة للقيام بعملية برية جنوبي لبنان. وحتى الآن، لم يُعلن عن تجنيد واسع للاحتياط. اقتصرت الجهود الهجومية على سلاح الجو. والقوات البرية تعمل على الدفاع إلى جانب منظومة الدفاع الجوي. قد يتغير هذا لاحقاً بالطبع.
المفاجئ الآن هو الصمت الأمريكي إلى مستوى اللامبالاة. مساء أمس، أعلن البنتاغون عن إرسال قوات أخرى إلى الشرق الأوسط إزاء التصعيد في لبنان. ولكن ليس مفهوماً لماذا لا تحاول الإدارة الأمريكية إطلاق مبادرة سياسية مستعجلة وملحة في الوقت الذي كل المنطقة على شفا الاشتعال. ربما تقول واشنطن لنفسها بأنه ما لم تكن هناك عملية برية إسرائيلية، فالأمور تحت السيطرة. هذا خاطئ. فحصاد الدماء مرتفع جداً إلى درجة أنه من الصعب السيطرة على ارتفاع اللهب حتى بدون دخول الجيش الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية.
غطرسة في القيادة العليا
بصورة استثنائية، ثمة مقاربة موحدة في القيادة السياسية – الأمنية في إسرائيل الآن. قبل أسبوعين، أجرى نتنياهو نقاشاً حاداً مع غالنت وقيادة الجيش حول سلم الأولويات بين لبنان وقطاع غزة. في الوقت الذي توسل فيه غالانت والجيش لإنهاء القتال في قطاع غزة والسعي إلى صفقة تبادل ووقف إطلاق النار، رفض نتنياهو ذلك، بل وعارض اقتراحهم بالتركيز على القتال في لبنان. وعندما غير نتنياهو موقفه، انعطف بحدة (تساوقت أبواقه وفق ذلك). محور فيلادلفيا، أساس وجودنا، نسيه (حتى لو لم تنسحب القوات منه)، والآن يريد نتنياهو تصعيداً مع حزب الله. تحفظ غالانت ورئيس الأركان، لكنهما اقتنعا بالتساوق معه في نهاية المطاف. هؤلاء الثلاثة مستعدون الآن للمخاطرة بحرب شاملة استمراراً للخطوات الهجومية التي تتبعها إسرائيل.
وحدة الآراء في القيادة العليا أمر مشروع. والمقطع الأخطر هو الغطرسة، إلى درجة نشوة تسيطر منذ أمس على المستوى السياسي الأعلى. بصورة مقلقة، ثمة أصداء مشابهة تسمع في الجيش الإسرائيلي وكأن مذبحة 7 أكتوبر والمفاجأة التي انطوت عليها لم تحدث قط. يستمع نتنياهو إلى دائرة صغيرة من المستشارين، الذين هم ضباط كبار سابقون في الجيش ولديهم مواقف صقورية. تعتقد هذه المجموعة أنه لا شيء يفرض اتفاقاً على حزب الله إلا القوة الزائدة. وهذا أيضاً من حقها. الأمر الذي يفضل تجنبه هو التفكير بأن النجاحات غير المسبوقة التي راكمها الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات الإسرائيلية في الهجوم ستؤدي بالضرورة إلى وضع مشابه في حالة الدفاع.
الحرب ليست مباراة كرة قدم؛ فليست هناك انتصارات يحقق فيها العدو صفر أهداف. حزب الله الآن في وضع متدن، لكن من الأفضل عدم الاستخفاف بقدرته على ضرب الجبهة الداخلية في إسرائيل، وحتى في نقاط مؤلمة وفي أماكن لم نستعد لها من البداية. ونفس الأمر يجب أن يقال حول القرار أيضاً، إذا تم اتخاذه، بشأن حملة برية للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.
عاموس هرئيل
هآرتس 24/9/2024ش