تحقيقات وتقارير

الانتخابات الرئاسية في تونس: جدل قانوني واسع واتهامات متبادلة قبيل موعد الاقتراع

الانتخابات الرئاسية في تونس: جدل قانوني واسع واتهامات متبادلة قبيل موعد الاقتراع

روعة قاسم

تونس ـ يزداد الاهتمام الوطني والدولي بالانتخابات الرئاسية التونسية مع اقتراب موعدها المقرر يوم 6 تشرين الأول/اكتوبر، ومع الجدل المحتدم بشأنها فيما يتعلق بالاتهامات التي تطالها وتطال المنظومة الحاكمة الحالية بعدم الرغبة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. ولعل السبب في هذه الاتهامات هو وجود عدد لا بأس به من الوجوه السياسية البارزة وممن رغبوا في الترشح أو ترشحوا إلى هذه الانتخابات في السجن، وإلى عدم التزام هيئة الانتخابات بقرار المحكمة الإدارية بإرجاع مرشحين رفضت الهيئة ترشحهم إلى السباق الانتخابي.

كما أن من أسباب الجدل الدائر التنقيحات الجديدة التي طالت القانون الانتخابي التي رأى البعض أنها تحد من دور المحكمة الإدارية، والتي تأتي في فترة الحملة الانتخابية وأياما قبل موعد الاقتراع. ويعتبر هؤلاء أن تعديل القانون الانتخابي في سنة الانتخابات يمس من مصداقيتها فما بالك أن يحصل التنقيح أياما قليلة قبل موعد الاقتراع والتصويت على اختيار الساكن الجديد لقصر قرطاج؟

تحركات احتجاجية

وكانت العاصمة التونسية قد شهدت خلال الأيام الماضية مظاهرة احتجاجية على تنقيح القانون الانتخابي وذلك بدعوة من الشبكة التونسية للحقوق والحريات، حيث تمّ اتهام النظام بتشديد القبضة الاستبدادية على الحكم قبل موعد الانتخابات الرئاسية. ويأتي الاحتجاج بعد يومين من تقديم نواب بالبرلمان مشروع قانون لتجريد المحكمة الإدارية من سلطة الفصل في النزاعات الانتخابية، وهي الخطوة التي ترى المعارضة أنها تمس من مشروعية ومصداقية الانتخابات الرئاسية.
وترى أطياف من المعارضة أن المحكمة الإدارية هي آخر الهيئات المستقلة في البلاد منذ أن حل الرئيس قيس سعيد المجلس الأعلى للقضاء وعزل العشرات من القضاة في 2022. وبالتالي تم اعتبار مشروع القانون الذي يجردها من حقها في البت في النزاعات الانتخابية قانونا جائرا يهدف إلى القضاء على آخر مؤسسة مستقلة في البلاد كان بإمكانها إلغاء نتائج الانتخابات إذا وجدت طعونا كافية من بعض المرشحين.
وكانت احتجاجات أخرى سابقة للمعارضة قد شهدتها العاصمة تونس بعد أن استبعدت الهيئة المستقلة للانتخابات ثلاثة مرشحين هم منذر الزنايدي الوزير السابق في عهد بن علي، وعبد اللطيف المكي الوزير السابق المنتمي سابقا إلى حركة النهضة، وعماد الدايمي المستشار السابق لدى الرئيس المؤقت الأسبق المنصف المرزوقي، رافضة قرار المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى السباق الرئاسي.
وأبقت هيئة الانتخابات فقط ثلاثة مرشحين هم الرئيس الحالي قيس سعيّد وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، والنائب السابق بالبرلمان العياشي زمال. ويقبع الأخير في السجن بعد أن حُكم عليه بـ 20 شهرا وذلك بتهمة تزوير التزكيات للترشح إلى الانتخابات، ورأت المعارضة في الاتهامات التي وجهت إليه اتهامات ذات دوافع سياسية هدفها إقصاؤه من الانتخابات الرئاسية.

غياب الحياد

حسام الحامي منسق ائتلاف صمود المعارض قال لـ «القدس العربي»: «لا يخفى على أحد أن هذا المسار الانتخابي خرج على كل حيادية وابتعد كل البعد عن كل مسار ديمقراطي انتخابي كما عهدناه في السنوات السابقة. وأصبح محاولة من السلطة لتأبيد نفسها عن طريق كل الوسائل الممكنة المعقولة وغيرها والمشروعة وغيرها. ورأينا إقصاء عدد من المرشحين بعدما أذنت المحكمة الإدارية بأحقيتهم بالترشح واستيفاءهم لكل الشروط القانونية. ورأينا أحد المترشحين يقبع في السجون رغم أن لديه الحق بالقيام بحملته الانتخابية وتركه في حالة سراح». ويضيف محدثنا: «هذا القانون الذي يسعى اليوم برلمان السلطة إلى تمريره لأن ليس هناك توازن بين السلط، وبالتالي كل السلط تحت سيطرة السلطة التنفيذية ويصبح من الصعب الحديث عن انتخابات يمكن أن تكون لصاحب السيادة الأصلية – أي الشعب – الامكانية لأن يختار من خلالها من يحكمه في الفترة المقبلة. هي فقط محاولة من السلطة لإضفاء نوع من الشرعية لإدارة البلاد في السنوات الخمس الآتية مع إقصاء – بكل الطرق حتى التي تفتقد للذوق القانوني والسياسي- كل من يحاول أن يقدم نفسه بديلا عن السلطة الراهنة». وأكد محدثنا أن المحكمة الإدارية تواجه تحديا كبيرا يتعلق بالإبقاء على دورها الذي منحه لها القانون في المجال الانتخابي الذين تحاول السلطة أقصاءها منه، عبر تمرير قانون لتحجيم صلاحيات المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات اللتان تتمتعان بالحد الأدنى من الحياد الذي يمكنهما من لعب دورهما الدستوري والقانوني.
وفيما ترى المعارضة أن العملية الانتخابية لن تحصل في الظروف العادية وبالتالي فقد طالها التزوير سلفا من خلال المس بمبدأ المساواة والحق في الترشح واستهداف القضاء الإداري الذي سيكون الحكم في هذه العملية، يرى أنصار الرئيس خلاف ذلك تماما. فبالنسبة إليهم، المحكمة الإدارية بتركيبتها الحالية غير محايدة على أساس أنها تضم قضاة على صلة بمن تطالهم تتبعات قضائية من السياسيين القابعين في السجن، وبالتالي فإنها، برأيهم، لن تلعب دور الحكم المحايد في الانتخابات وهو ما يستوجب سحب هذا الاختصاص الانتخابي منها.
ويشار إلى أن مكتب مجلس نواب الشعب، قرر في اجتماعه يوم 23 أيلول/سبتمبر، عقد جلسة عامة في دورة استثنائية للنظر في مقترح قانون يتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 16 المؤرخ في 26 أيار/مايو 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء، وذلك بعد أن نظر فيه مكتب المجلس يوم 20 أيلول/سبتمبر الجاري، وقرر إحالته إلى لجنة التشريع العام. وقرّر المكتب، توجيه مراسلتين إلى كل من المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات لطلب إبداء رأييهما بخصوص مقترح القانون الذي تضمن تنقيحات تتعلق بإجراءات الطعن في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلقة بالترشحات للانتخابات الرئاسية وبالإعلان عن قائمة المترشحين المقبولين وبتمويل الحملة ورقابتها وبالمخالفات المالية والانتخابية وبنزاعات النتائج وبالجرائم الانتخابية.

الفصل بين السلط

وللإشارة فإن المحكمة الإدارية اقتبسها التونسيون عن النظام الفرنسي الذي فسّر خطأ مبدأ الفصل بين السلط. واعتبر أن الإدارة أو السلطة التنفيذية بما أنها سلطة مستقلة عن السلطة القضائية وجب أن تنظر في نزاعاتها محكمة مستقلة وبالتالي فإن مبدأ الفصل بين السلطات يجب أن ينتج عنه مبدأ الفصل بين الهيئات.
ويرى البعض أنه ولئن كان وجود المحكمة الإدارية هو نتاج لسوء نية بعض الساسة الفرنسيين في مرحلة تاريخية ما، وأن النظام التونسي بعد الاستقلال قام بتقليد فرنسا في هذا المجال تقليدا أعمى ودون الاستماع إلى آراء فقهاء وشراح القانون، إلا أنه لا يجب إعادة الأمور إلى نصابها في هذا الظرف الحالي. فالتنقيح في هذا الظرف بالذات سيمس من مصداقية العملية الانتخابية برمتها وسيجعل الشكوك تحوم أكثر حول مدى جدية الطرف الحاكم في إجرائها طبق المعايير الدولية المعروفة.
ويرى هؤلاء أن الغاية من هذا التنقيح للقانون الانتخابي هو ضمان أن الأحكام الخاصة بالطعون المتعلقة بخروقات قد تحصل أثناء سير العملية الانتخابية أو خلال مرحلة فرز الأصوات، ستكون في اتجاه واحد. وبالمقابل يرى آخرون أن هذا الرأي يمس من مصداقية القضاء العدلي ويشكك في نزاهته أمام العالم وهذا غير لائق، لأن القضاء العدلي برأيهم يضم قضاة نزهاء ومشهود لهم بالكفاءة دوليا وليس فقط على المستوى المحلي.
لكن رغم كل هذه السلبيات والأجواء الخانقة تبقى مسألة عدم إعلان الأطياف الهامة في المعارضة مقاطعتها لهذه الانتخابات عنصرا إيجابيا يجعل التونسيين يأملون في انتخابات رئاسية فيها الحد الأدنى من الشفافية على مستوى الاقتراع وفرز الأصوات والطعون رغم أن عملية تقديم الترشحات والحملة شابتهما أجواء غير مشجعة. وبالتالي يبدو أن المعارضة متحفظة في هذا المجال عن إعلان موقف رسمي من هذا الاستحقاق الانتخابي، أي المقاطعة أو المشاركة بدعم أحد المرشحين، ويبدو أن مواقف أطيافها الهامة سيتم الإعلان عنها حين الانتهاء من العملية برمتها وذلك حتى تتوضح الصورة والرؤية أمام الجميع بعد إتمام جميع المراحل وإعلان النتائج النهائية بعد الطعون.

أمر واقع

يرى صبري الثابتي المحامي والباحث في مجال الدراسات القانونية في حديثه لـ«القدس العربي» أن مسألة تنقيح القانون الانتخابي ومنح القضاء العدلي الاختصاص الانتخابي، ولئن جاءت في ذروة الحملة الانتخابية الرئاسية ومن المفروض أن لا تكون في السنة الانتخابية، إلا أنها كانت مطلب أطياف عديدة من رجال القانون. فالقضاء الإداري، حسب الثابتي، هو تقليد فرنسي لا غير، ويلقى وجوده انتقادات واسعة في فرنسا ويعتبر الكثير من فقهاء القانون أنه يمس بمبدأ الفصل بين السلط باعتبارات أن السلطة القضائية يجب أن تكون واحدة وموحدة ولا تتدخل فيها السلطة التنفيذية ولا يمكن إفراد الإدارة أو السلطة التنفيذية بقضاء خاص بها.
ويضيف محدثنا قائلا: «إن هذا الإصلاح كان يفترض أن يحصل قبل السنة الانتخابية أو بعد الانتخابات للابتعاد عن كل الشبهات التي قد تطال العملية الانتخابية وتمس من مصداقيتها، ولكن ما حصل قد حصل ونحن اليوم أمام أمر واقع وجب التعامل معه كما هو. وبحكم معرفتي بالقضاء العدلي في تونس، والذي سيصبح هو المختص بالنظر في الطعون الانتخابية عوضا عن القضاء الإداري، فإنني أنزهه من التلاعب بالانتخابات مثلما تروج إلى ذلك بعض الأطراف التي ترجم بالغيب وتتوقع ما لم يحصل.
فالقضاء العدلي في تونس لديه سوابق قضائية عديدة في الحكم بخلاف رغبة السلطة التنفيذية، وكثيرا ما كانت ترغب السلطة التنفيذية في ذهابه باتجاه محدد لكنه لم يسايرها وقضى بما يمليه عليه الضمير والوثائق المضمنة بملفات القضايا المرفوعة لديه. وبالتالي فإن التشكيك في نزاهة الدوائر التي ستنظر في الطعون الانتخابية سابق لأوانه، والتشكيك في نزاهة القضاء التونسي ليس في مصلحة أي طرف ومن الأفضل ترك القضاء بعيدا عن التجاذبات السياسية ومنحه الثقة اللازمة بدون الضغط عليه من هذا الطرف أو ذاك».

غياب الثقة

ترى آمنة الشابي الناشطة الحقوقية والمدنية في حديثها لـ«القدس العربي» أن «الظروف التي تحف بالعملية الانتخابية الرئاسية، والأجواء الخانقة، والتجاذبات، وعدم ثقة الأطراف ببعضها البعض، كلها عوامل لا تشجع على توقع حصول انتخابات رئاسية وفق المعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة». وهذه التوقعات ولئن كانت سابقة لأوانها، حسب الشابي، إلا أن هناك في تاريخ البلاد القديم والحديث ما يجعل التونسيين يخشون من عدم نجاح هذا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الهام في تاريخ تونس الحديثة باعتبار الأمر يتعلق بالمنصب الذي بيده صلاحيات كبيرة وفي بلد لديه مشاكل اقتصادية واجتماعية عديدة استفحلت خلال السنوات الأخيرة.
وتضيف محدثتنا قائلة: «إن تنقيح القانون الانتخابي خلال فترة الحملة الانتخابية، ومنح صلاحية النظر في الطعون الانتخابية للقضاء العدلي عوضا عن القضاء الإداري، أمر يمس بمصداقية العملية الانتخابية وذلك بقطع النظر عن نزاهة القضاء العدلي الذي يضم نسبة هامة جدا من القضاة الشرفاء والمشهود لهم بالكفاءة. فالمعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة المتفق عليها تقتضي أن لا يقع المسّ بالقانون الانتخابي خلال سنة الانتخابات فما بالك وأن الأمر يحصل خلال فترة الحملة الانتخابية ولم يعد يفصل التونسيين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع سوى أيام معدودات؟
على كل حال كل ما نتمناه أن تقف الخروقات عند هذا الحد، وأن لا تحصل أشياء إضافية أخرى تجعل السقف ينهار على الجميع، وأن يقع احترام إرادة الناخبين عند التصويت ويتم فرز الأصوات في ظروف طيبة وعادية ثم ينظر القضاء بكل شفافية في الطعون التي سيتم تقديمها أمامه. ما زال هناك بصيص أمل في اقتراع حر ومباشر فإذا لم يحصل ذلك فإن سنوات عجاف للأسف بانتظار تونس خاصة وأن الشعب اعتاد على الحرية ولا يمكنه تقبل خلاف ذلك مثلما تتقبله عديد شعوب المنطقة في المحيط القريب والبعيد».

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب