رؤية المعارضة التركية للمسألة السورية: الحوار ونزع السلاح وإعادة اللاجئين بقلم وسام الدين العكلة
وسام الدين العكلة باحث وأكاديمي سوري
رؤية المعارضة التركية للمسألة السورية: الحوار ونزع السلاح وإعادة اللاجئين
هذه المقالة مبنية على ورقة عمل تحليلية لتوجهات السياسة الخارجية لتركيا في حال حدوث تغيير سياسي في البلاد بعد الانتخابات المقبلة، وكيفية قيام حكومة ورئيس تنفيذي غير تابعَين لحزب العدالة والتنمية بإعادة تشكيل السياسة الخارجية التركية.
مع ذلك، إن التحليل الذي قدمته الورقة استباقي وقائم على افتراض فوز المعارضة التركية في الانتخابات، ووجهات نظر الأحزاب المعارضة لمستقبل السياسة الخارجية التركية تجاه عدد من الملفات الإقليمية والدولية.
لكن هذه المقالة ستركز فقط على وجهات نظر أحزاب المعارضة التركية تجاه سياسة تركيا بخصوص عدد من الملفات المرتبطة بالقضية السورية، مثل دعم فصائل المعارضة السورية والموقف من حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وقضية اللاجئين، والتقارب مع النظام السوري والموقف من الوجود العسكري التركي في شمال سوريا.
ورقة العمل المذكورة هي نتاج مبادرة كارنيجي حول تركيا والعالم، اعتمدت في تحليلاتها على مقابلات تمَّ إجراؤها مع المتحدثين الرسميين باسم السياسة الخارجية لأحزاب المعارضة التركية، وهم أونال جفيك أوز من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وأحمد إراوزان من الحزب الجيد (Iyi Party)، ورئيسة السياسات الخارجية والأمنية السابقة في حزب الديمقراطية والتقدم (DEVA) ياسمين بيلغال، وأوميت ياردم من حزب المستقبل (Gelecek Patry)، وهيشيار أوزصوي من حزب الشعوب الديمقراطي (HDP).
لذلك سيتم تسليط الضوء على أهم المواقف التي أعرب عنها هؤلاء فيما يتعلق بالقضية السورية، نظرًا إلى أهمية ما تمَّ ذكره على لسانهم.
السياسة التركية تجاه سوريا والحوار مع نظام الأسد
انتقد كل من أحمد إراوزان، من الحزب الجيد، وهيشيار أوزصوي، من حزب الشعوب الديمقراطي، انحراف السياسة الخارجية التركية عن ممارسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي انتهجتها تركيا منذ عقود، كما حصل في سوريا خلال السنوات الأخيرة، حيث لم تدافع تركيا عن تغيير النظام في دولة مجاورة فحسب، بل شاركت أيضًا في تنظيم ودعم المعارضة السياسية والعسكرية لدمشق.
وتعتقد المعارضة التركية أنه كان من الخطأ أن تغامر تركيا بتدخلها في الشؤون الداخلية لسوريا، حيث كانت مناصرة تغيير النظام واستخدام الوكلاء لهذه الغاية حسابات خاطئة قوّضت في نهاية المطاف مصالح تركيا.
في موازاة ذلك، جادل ممثل حزب الشعب الجمهوري، أونال جفيك أوز، بأنه ما كان ينبغي على أنقرة أبدًا قطع الحوار السياسي مع دمشق، ويتبنّى الحزب الجيد وجهة نظر مماثلة حول مزايا الحوار الفعّال مع النظام السوري.
إذ سلّط أحمد إراوزان الضوء على موقف أنقرة المتغير تجاه الأسد، والذي تحول من تعبيرات أخوية مبالغ فيها إلى جهد صريح للإطاحة به، وعزا هذا الانقلاب في السياسة إلى اعتبارات دينية وطائفية أثّرت على مواقف الحكومة التركية بشكل متزايد.
كما رأت ياسمين بيلغال، من حزب التقدم والديمقراطية، ضرورة إجراء حوار سياسي مع النظام السوري، لا سيما لإدارة التحديات الحالية التي تؤثر على تركيا.
في حين أقرَّ أوميت ياردم، من حزب المستقبل، بأن تركيا بحاجة إلى التصرف وفقًا للواقع المتطور على الأرض والانخراط مع النظام في دمشق، لكنه استبعد بشكل قاطع اقتراح صنع السلام مع الأسد، وهو زعيم وصفه بأن يدَيه ملطختان بالدماء.
وتجدر الإشارة إلى أن “وثيقة السياسات المشتركة” الصادرة في يناير/ كانون الثاني الماضي عن الطاولة السداسية التي تضم أحزاب المعارضة التركية، أكّدت في هذه الصدد على احترام استقلال وسيادة ووحدة أراضي دول منطقة الشرق الأوسط، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والعمل على “تسهيل الحلول” بدلًا من “الانحياز إلى جانب” في المشاكل بينهما.
قضية اللاجئين السوريين في تركيا
وحول استضافة اللاجئين السوريين واتفاق الحكومة التركية مع الاتحاد الأوروبي، أشار أحمد إراوزان من الحزب الجيد إلى أن الاتحاد الأوروبي حوّل تركيا إلى حصن ضد اللاجئين من سوريا، وقال: “إن الأموال الأوروبية خُصّصت لمشاريع تركز على دمج السوريين في تركيا، في حين أن الهدف الأساسي يجب أن يكون تسهيل عودتهم الدائمة إلى سوريا”.
أيّد هذا التوجه أيضًا أوميت ياردم من حزب المستقبل، الذي أشار إلى ضرورة التركيز على العودة الطوعية للسوريين إلى بلدهم الأصلي، وانتقد التصريحات المشينة التي تدعو إلى إعادتهم قسريًّا، واصفًا هذه التصريحات بأنها ليست أكثر من خطاب شعبوي.
في حين ذهب هيشيار أوزصوي من حزب الشعوب الديمقراطي إلى أن الحكومة التركية هي من شجّعت وبحماس السوريين على القدوم إلى تركيا، وجادل بأن وصول أكثر من 4 ملايين لاجئ من سوريا كان نتيجة مباشرة لمحاولة تركيا المضللة لوضع حلول عسكرية للتحديات القائمة.
أما ياسمين بيلغال من حزب التقدم والديمقراطية، فقد أكّدت على أنه في حال انتهاء الحرب في سوريا سيعطي حزبها الأولوية للسياسات التي من شأنها، بالتعاون مع المجتمع الدولي، تسريع العودة الآمنة للسوريين الموجودين حاليًّا في تركيا إلى وطنهم.
أما “وثيقة السياسات المشتركة” المذكورة أعلاه، فقد نصّت على ضمان عودة السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة إلى بلدانهم في أقرب وقت ممكن، ووفقًا للقانون المحلي والدولي، وعدم السماح للاجئين بالوصول غير المنضبط إلى التجمعات السكنية أو التقوقع على أساس الأحياء والمحافظات.
وشددت على إغلاق الحدود أمام الهجرة غير الشرعية، وزيادة عدد وقدرة مراكز الترحيل، وإعادة النظر باتفاقية إعادة القبول لعام 2014 واتفاقية 18 مارس/ آذار 2016، والتي ستمكّن تركيا والاتحاد الأوروبي من التعامل مع مشكلة اللاجئين من خلال تحمل المسؤولية المشترَكة وتقاسم الأعباء.
الموقف من حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب
باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي، ترى أحزاب المعارضة أن وجود وأنشطة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ووحدات حماية الشعب (YPG) في سوريا مصدر قلق خطير، ويقوّض في المقام الأول مصالح الأمن القومي لتركيا.
وحول كيفية التعامل مع هذا الملف المثير للجدل، يرى حزب الشعب الجمهوري ميزة في فكرة إشراكهم أو الانخراط بحوار معهم كما فعلت تركيا سابقًا، لكن الحزب الجيد وحزب المستقبل اعترضا على هذا الطرح.
مع ذلك، هناك اتفاق عام على أن القرار بشأن الهيكل المستقبلي للدولة السورية يعود للسوريين، وخلاصة القول في هذا السياق، من قبل حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب التقدم والديمقراطية وحزب المستقبل، هو أنه لا يمكن السماح لسوريا بأن تصبح ملاذًا للإرهابيين.
وعارض أحمد إراوزان من الحزب الجيد فكرة التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وقال إنه “كان من الخطأ القيام بذلك في الماضي ولا ينبغي تكراره”، في حين رأى أوميت ياردم من حزب المستقبل أنه لا يوجد أساس للمحادثات مع حزب الاتحاد الديمقراطي.
في المقابل، جادل هيشيار أوزصوي من حزب الشعوب الديمقراطي بشدة لصالح الفكرة، واعتقد أنه لا توجد طريقة أخرى معقولة لمعالجة المخاوف الأمنية المتصورة لتركيا في سوريا.
ويرى أحمد إراوزان من الحزب الجيد أنه كان على تركيا أن تفعل كل ما هو ضروري للوقوف ضد مساعي حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الهادفة إلى إنشاء كانتونات على الأراضي السورية، والحفاظ على وحدة أراضيها.
وقال: “يمكن أن تمنع تركيا التطورات التي تعتبرها ضارة بمصالحها من خلال العمل مع النظام السوري”، الذي وصفه بأنه الشريك الطبيعي لتركيا في احتواء تطلُّعات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب.
حلُّ هذه المشكلة، حسب رأي هؤلاء باستثناء ممثل حزب الشعوب الديمقراطي، يمكن أن يأتي من خلال تسوية تفاوضية سياسية حول مستقبل سوريا، من شأنها أن تنطوي على الاحترام الكامل لسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية.
وعلى حد تعبير إراوزان من حزب الجيد، فإن التقدم على المسار السياسي في سوريا سيجعل في النهاية من واجب النظام في سوريا، سواء كان تحت قيادة بشار الأسد أم لا، التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب باعتباره أمرًا داخليًّا.
الرأي القائل بأن تركيا ستحمّل النظام في دمشق المسؤولية عن أي تهديد قادم من سوريا كان منتشرًا على نطاق واسع، وردّد أوميت ياردم من حزب المستقبل ذلك، وأضاف أنه في ظل عدم وجود تهديدات للأمن القومي التركي، فإن الأمر متروك للنظام في دمشق لاتخاذ قرار بشأن كيفية تعامله مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب.
ويرى هؤلاء أن إعادة العلاقات مع النظام السوري قد تشجّع دمشق على تضييق الخناق على حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، حيث هناك حقيقة ساحقة مفادها أن تركيا لن تكون تحت أي ظرف من الظروف متساهلة مع وجود حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في سوريا الذي تعتبره تهديدًا.
لذلك، وبقدر إصرار الولايات المتحدة على دعم وجود واستمرار حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في شمال سوريا، بطريقة تعتبرها تركيا غير متوافقة مع مصالحها الأمنية، سيبقى مصدر إزعاج قوي في العلاقات الثنائية بين تركيا وسوريا، وسيكون هذا هو الحال بغضّ النظر عمّن يكون على رأس السلطة في تركيا.
الموقف من الوجود العسكري التركي في سوريا
أشارت الدراسة إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي هو الحزب الوحيد الذي يعارض الوجود العسكري التركي في سوريا بشكل قاطع، أما أحزاب المعارضة الأخرى فإنها تعتقد أن تركيا لا تستطيع حاليًّا سحب قواتها العسكرية من سوريا.
وشدد ممثلو حزب الشعب الجمهوري وحزب المستقبل على أنه لا يمكن لتركيا التفكير في الانسحاب من سوريا، إلا بعد تطبيع الظروف ومعالجة تصورات تركيا للتهديدات التي تستهدف أمنها القومي، وأنه عندما يحين الوقت يمكن إعداد خطة انسحاب مع جداول زمنية.
الموقف من دعم المعارضة السورية
أما فيما يتعلق بدعم تركيا للمعارضة السياسية والعسكرية السورية، فقد أعربت أحزاب المعارضة التركية عن مخاوفها من هذه الممارسة، حيث لاحظ أحمد إراوزان من الحزب الجيد أنه بينما وحّدت تركيا الجيش السوري الحر، فإنها تواجه الآن تحدي التعصُّب الديني السائد بين مقاتليه.
ورأت ياسمين بيلغال من حزب التقدم والديمقراطية أيضًا مخاطر في هذه الارتباطات بين تركيا وفصائل المعارضة المسلحة، وأشارت إلى أن تركيا واجهت التحديات المرتبطة بفكّ الارتباط مع هذه الجهات الفاعلة في سوريا، وأضافت أنها كانت قلقة من أن تصبح تهديدًا أمنيًّا لتركيا.
أما أونال جفيك أوز من حزب الشعب الجمهوري فقد كانت له رؤية مغايرة، مفادها أن هؤلاء المقاتلين هم في الغالب من الجنسية السورية، لذلك لا بدَّ من أخذ ذلك في الاعتبار عند وضع حلول لمشاكل البلاد.
يمكن أن تكون سياسات نزع سلاح الجيش الوطني السوري وبقية الفصائل وإعادة دمجهم في المجتمع السوري مفيدة، ويعتقد جفيك أوز أن هذا يمكن أن يكون أيضًا بندًا للمناقشة بين أنقرة ودمشق.
على أي حال، اتفق ممثلو الأحزاب الثلاثة (الشعب الجمهوري، الجيد، التقدم والديمقراطية) على ضرورة إيقاف استخدام الوكلاء في سوريا بشكل دائم من خلال إغلاق هذا الفصل، ما يعني أنهم سيضعون حدًّا لهذه الممارسة بعد الانتخابات في حالة تغيرت الأوضاع السياسية.
في الختام، يمكن تلخيص رؤية المعارضة التركية تجاه القضية السورية باتفاق أحزابها الرئيسية على الانخراط في حوار مع النظام السوري، ونزع سلاح جميع الفصائل السورية المدعومة من تركيا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية.
كما اتفق حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي على التعامل والحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في سوريا، في حين عارض ذلك الحزب الجيد وحزب المستقبل وحزب التقدم والديمقراطية.
ومع ذلك، اتفقت جميع الأحزاب على استمرار وجود القوات العسكرية التركية في شمالي سوريا، باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي.
وسام الدين العكلة
باحث وأكاديمي سوري