الصحافه

كيف دعمت واشنطن حلم نتنياهو في “حربه الأبدية”؟

كيف دعمت واشنطن حلم نتنياهو في “حربه الأبدية”؟

عاموس هرئيل

الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان يسير وفقاً للخطط حتى الآن. الجيش الإسرائيلي يسيطر على قرى ومناطق معقدة في قطاع يبلغ عدة كيلومترات وراء الجدار الحدودي، ويدمر منشآت عسكرية ومخازن سلاح لحزب الله ويتجه إلى القرى التالية. المقاومة التي يبديها حزب الله الآن محدودة. منظومة نيرانه بدأت تتعافى وتطلق مئات القذائف كل يوم نحو مستوطنات الشمال. أمس، نجح حزب الله في إدخال مسيرة إلى قاعدة للواء غولاني قرب “بنيامينا” وتفجيرها والتسبب بقتل أربعة جنود وحوالي 60 مصاباً. ولكن قوات الجيش الإسرائيلي التي تعمل داخل المنطقة لا تواجه صعوبات حقيقية في التقدم حتى الآن.

يبدو أنها هذه ظروف قد تمكن إسرائيل من التطلع إلى اتفاق سياسي جديد، بوساطة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ومحاولة إنهاء الحرب في الشمال خلال بضعة أسابيع. لكن ثمة شكوك بحدوث هذا بالفعل. في الفترة الأخيرة، بدأ الجيش الإسرائيلي في إدخال مراسلين لزيارات قصيرة في القرى ومواقع لحزب الله التي عمل فيها الحزب قرب الجدار. هذه المواقع أعدت لتكون نقطة انطلاق لحزب الله قبل هجوم مفاجئ لقوات الرضوان إلى أراضي إسرائيل. قرار حماس القيام بهجوم مستقل لمواقع ومستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر الماضي، حرق خطة حزب الله التي أعدها لسنوات كثيرة.

ولكن ما يتبين الآن يكشف أن حجم التهديد المعدّ في الشمال كان أخطر مما طبق في الجنوب. جمع الجيش الإسرائيلي خلال سنوات معلومات عن منظومات حزب الله واستعد لمواجهة معه (كما ثبت في هجمات تضرر فيها جزء كبير من منظومات حزب الله)، لكن في الوقت نفسه، عني قادة الجيش أيضاً بتهدئة المخاوف التي أظهرها السكان على طول الحدود الشمالية، سواء بخصوص الأنفاق التي تحت الحدود أو حجم الاستعداد المسبق لحزب الله. الآن، حيث يتضح التهديد بالكامل، فمن المرجح القول إن رؤساء المجالس المحلية وسكانها سيطلبون من الجيش الاستمرار في السير إلى داخل لبنان، إلى عمق المنطقة؛ لإزالة أخطار أخرى، وإلا سيكون هناك خوف من وجود تهديد آخر ينتظرنا خلف منطقة القرى التي سيتم تدميرها، والمزيد من الصواريخ المضادة للدروع بمدى 10 كيلومترات وحتى قذائف كاتيوشا قصيرة المدى والمزيد من قواعد قوات الرضوان.

المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة لا تضغط في الوقت الحالي على إسرائيل للإسراع في إنهاء المعركة في لبنان. الإدارة الأمريكية، التي حاولت فرض وقف فوري لإطلاق النار على الطرفين إلى حين اغتيال حسن نصر الله، يبدو أنها استنتجت الآن بأنه من الصعب إملاء خطوة مشابهة الآن. يبدو أن واشنطن تلاحظ إمكانية هز المنظومة السياسية في لبنان بشكل يقلص مكانة لحزب الله الثابتة، التي حظي بها في العقد الأخير في قوة ذراعه العسكرية.

كل ذلك يخدم حلم نتنياهو في الحرب الأبدية. بعد شهر على هجوم البيجرات في لبنان، يبدو أن وسائل الإعلام في إسرائيل طبعت تماماً وضعاً فيه يتم استهداف ثلث أراضي الدولة يومياً بالصواريخ والقذائف والنيران، ولا أحد ينبس ببنت شفة أو يحتج. المفتش العام للشرطة، داني ليفي، قال الأسبوع الماضي بعد عملية دموية في الخضيرة، بأن هذه الهجمات أمر محتم. والحكومة تنوي أن يتعود الجمهور على إطلاق الصواريخ، الذي لم يعد أحد يتساءل متى سينتهي.

وهناك تسليم مشابه يحدث أيضاً في موضوع المخطوفين وكأنه بات أمراً واقعياً. نتنياهو تعمد خلق أزمات خلال أشهر الشتاء والربيع في كل مرة ظهر فيها تقدم محتمل في الاتصالات لعقد الصفقة. بعد ذلك، عادت حماس ووضعت صعوبات. الآن حيث يحتل لبنان معظم الاهتمام الجماهيري والسياسي، وإسرائيل تعد بالانتقام من إيران بسبب هجوم الصواريخ البالستية في 1 تشرين الأول، باتت قضية المخطوفين تحت الأجندة. لم يعد هناك حتى أي تظاهر بأن العملية شمالي القطاع، التي تركزت في جباليا، تهدف إلى تحرير المزيد من الرهائن. وبعد قتل المخطوفين الستة على يد حراسهم في رفح، بات واضحاً أن حماس ستنفذ أمر إعدام المخطوفين كلما كشف عن محاولة إنقاذ إسرائيلية.

في المقابل، حسب التقارير من القطاع، يُجري الجيش الإسرائيلي حملة لتدمير جباليا، حيث خطط لطرد السكان الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه. حتى الآن، يرفض الغزيون العمل وفقاً للضغوط الإسرائيلية، ويبدو أنه لا توجد حركة نحو الجنوب إلى خلف ممر نتساريم. ولكن العملية العسكرية مستمرة وتحصل على اهتمام ضئيل على خلفية الأحداث الأخيرة في الساحة اللبنانية والإيرانية. الجناح اليميني المتطرف في الحكومة لن يتراجع عن خطة السيطرة على المساعدات الإنسانية للقطاع ونقلها من المؤسسات الدولية إلى جهات أخرى. الجيش الإسرائيلي غير معني كلياً بتحمل هذه المهمة الصعبة. الآن، وافق نتنياهو بعد شهر ونصف تقريباً على فحص “مشروع ريادي”، يدفع به وزراء “الصهيونية الدينية”، لنقل إرساليات المساعدات إلى يد مقاول فرعي، شركة أمريكية.

توسيع الائتلاف بعد انضمام ساعر وقائمته والتحالف الوثيق مع أحزاب اليمين المتطرف، يعطي نتنياهو استقراراً سياسياً، ويدفع قدماً بمزيد من الأفكار الخطيرة، التي ستعمق غرق إسرائيل في الحرب، وربما تورطها في مشكلات أخرى. في الساحة السياسية، يحاول الائتلاف الآن الدفع قدماً بقانون يضمن السيطرة على لجنة التحقيق التي ستفحص إخفاقات الحرب وإبعاد ممثلي المحكمة العليا منها. وحتى بخصوص ما يحدث في الجيش الإسرائيلي، فإن نتنياهو ومحيطه، واليمين المتدين، عادوا إلى التنقيب في تعيين وترقية جنرالات. هذا يحدث مع الاهتمام المتزايد بتعيين رئيس الأركان القادم في محاولة لتشديد القبضة السياسية على هيئة الأركان وضمان نمو جيل جديد من الضباط الذين سيعرضون بأنهم شجعان، وعملياً يتميزون بالخضوع لتوجيهات جامحة من الحكومة.

 هآرتس 14/10/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب