منوعات

الفنان والناشط المصري العالمي خالد عبد الله لـ«القدس العربي»: ننقل أوجاع غزة والعرب الى المسرح في لندن عبر مسرحية «لا مكان»

الفنان والناشط المصري العالمي خالد عبد الله لـ«القدس العربي»: ننقل أوجاع غزة والعرب الى المسرح في لندن عبر مسرحية «لا مكان»

أن يغص مسرح لندني عريق بالحضور، لمشاهدة مسرحية سياسية كتبها مبدع وفنان وناشط عالمي، حول الشرق الأوسط، فهذا مدعاة للفخر والنجاح.
الفنان والناشط العالمي خالد عبد الله ينقل أوجاع غزة ومصر والعرب الى المسرح في مركز «باترسي» للفنون في قلب العاصمة البريطانية، عبر مسرحية بعنوان «نووير» أو (لا مكان).
يبدأ الفنان عروضه، التي تستمر حتى التاسع عشر من الشهر الجاري، بسرد قصصي نابض بالحياة في عرض منفرد ومثير، من إنتاج شركة فيول. هو يربط تاريخ بريطانيا الإمبريالي بالهجمات الأخيرة على غزة، وينسج من خلال الحكايات الشخصية عن الصداقة والاحتجاج. عبد الله، المعروف في الغالب من قبل الجمهور العالمي في لعب دور دودي الفايد في مسلسل التاج»، يعكس أصول الاضطرابات السياسية في هذه المنطقة بكاريزما جذابة. النشاط يجري في دمه. وعلى الرغم من أنه ولد في اسكتلندا ونشأ في لندن، عاد عبد الله إلى مصر في أوائل عام 2001 خلال الاحتجاجات الكبرى ضد الرئيس مبارك. وبعد عقد من الزمن، أسس حركة صناعة أفلام مستقلة مكرسة لدعم إعلام المواطن في القاهرة. فهو يدرك التنافر بين الاضطرار إلى السير على السجادة الحمراء، بينما يتعرض الناس للقصف.
«القدس العربي» التقته على هامش المسرحية، وكان مباشرا وعفويا ومفعما بالمعنويات العالية.
سألناه عن ماهية هذه المسرحية ومدى الاقبال الجماهيري عليها، فقال: «كي تستطيع تجميع أناس مهتمين، سواء بالقضية الفلسطينية أو القضايا العربية، وبما يحصل في الشرق الأوسط، فالمساحات قليلة، والجمهور يأتي من جميع أنحاء العالم، من بريطانيا وأوروبا وجمهور عربي، الناس يأتون للمسرح هنا، ومن شدة اعجابهم لا يريدون المغادرة، شي مذهل يشرفني في علاقتي مع الناس، ليس حتى كممثل أو كاتب المسرحية، بل لأنني جزء من واقع نعانيه ونحس بالظروف التي تمر بها منطقتنا.
وأضاف: «جزء من الذي يعمله المسرح في رأيي أنه يجمع الناس في مكان واحد، كي يحسوا بمشاعر بعضهم، فيضحكون مع بعض ويبكون مع بعض، وهذا يخلق شعورا عاما وإحساسا بالإمكانية».
ويتابع: «أحداث المسرحية، جزء منها يتناول الثورة في مصر والجزء الثاني مجريات الحرب على غزة منذ 2011 واللحظة التي نعيشها الآن، سواء في غزة أو فلسطين بشكل عام أو لبنان، هذان قطبان كبيران في الهوية العربية، من ناحية هناك كارثة ومن ناحية ثانية هناك عالم جديد يتشكل الآن.
ولدى سؤالنا له: هل تجاوب الحضور يدل على وعي لدى الغرب بأن هذه القضية تشهد تغيرا في مفهوم الغربيين تجاه القضية الفلسطينية وما يحصل الآن في الشرق الأوسط؟
فأجاب: «أكيد، أن اللحظة التي نمر بها – وهذا رأيي من أكثر من سنة – هذه فرصة لا يمكن أن تعوض، فنحن كعرب نعمل منذ 75 سنة على هذا، وخلال السنة الماضية هذا بدأ يحصل بالفعل الآن. وأنا رأيي أن كل واحد، أيا كان موقعه، وقدرته وتأثيره وشغله، إذا كان مهتما بالقضية الفلسطينية يجب أن يبذل جهده، ويوسع نطاق التضامن مع القضية الفلسطينية الآن».
وأضاف: «ما أراه الآن أنه يحصل، هل يحصل بالسرعة التي نحتاجها نحن؟ الجواب لا. لكنه يحصل».
وتابع عبد الله: «نحن نخلق مساحات يحصل فيها تفاعل، ونشعر أن هذا الشيء ممكن وحاصل، وهذا هو الشيء الذي أعمله أنا في المسرحية، وهذا يخلق جوا مفعما ويستقطب جمهورا متنوعا ومتفاعلا بشكل مذهل». ويضيف «المسرحية اسمها «لا مكان»، وشعور اللا مكان موجود، كما أظن عند كل العرب. طبعا في فلسطين هو الأصل إحساس اللا مكان، وموجود بشكل آخر عند كل الهويات العربية، ممثلا بالإقصاء وعدم الشعور بالهوية وموجات الهجرة، أيا كان البلد الذي ننتمي اليه، فعبارة أروح فين؟ عايزين مني إيه؟ هذه أمور نشاهدها يوميا في كل بلد عربي. علينا أن نخلق مكانا، حتى لو كان المكان هذا يدور حول ما أكتبه في هذه المسرحية».
ولمدة ساعتين أو ساعتين ونصف يشعر الشخص أنه ينتمي لمكان، والمكان هذا لا يحتاج الى أن يخبئ فيه أراءه، ولا هو محتاج أن يخفي مشاعره أو يكبح غضبه، ولا دفن حزنه، ولا ضحكه.
سألناه: هل هناك تفكير بعرض هذه المسرحية في مناطق أخرى، عواصم أوروبية أو عربية ربما؟
يقول: «الحمد لله وجدنا تفاعلا وقبولا مدهشا، فالمسرحية كاملة العدد والبطاقات بيعت كلها، فهذا معناه هناك حياة أخرى للمسرحية، هناك مسارح في بلاد مختلفة تريد عرض المسرحية، أمامنا ما زال أسبوعا في لندن، بعدها سنسافر الى مدينة مانشستر لنعرض هناك في السادس والعشرين من هذا الشهر».
أما في العالم العربي – يضحك – أنت تعرف هو جزء من المشكلة، وهم يخافون من الفن الحقيقي، فمجرد أن تكون هناك مسرحية ناجحة تجمع الناس، فهذا لوحده قد يجعل المسؤولين يقفون لها بالمرصاد. طبعا لا نقصد المهتمين، وهم موجودون بكثرة في البلاد العربية. وهذا من الأشياء الحزينة في بلادنا العربية».
واستطرد قائلا: «أمس أتاني شاب من أصل جزائري، وقال لي «إنت يتحكي حكايتي»! لأن جزءا من المسرحية هو عن تاريخ أسرتي! ويضيف عبد الله، فأبويا وجدي كانا من سجناء الرأي في مصر، سجناء سياسيين من اليسار المصري، والشاب الجزائري كان يحدثني عن أبيه وجده، وكيف سجنا في السياق الجزائري. وحينما انتهت المسرحية كلم والده، قائلا له «أخيرا أحدهم يتحدث عنا».
وقاطعناه قائلين: هي ربما بروفة مصغرة عن أحوال كل الدول العربي. فأجاب بالضبط، ولهذا سميتها «سيرة مضادة»، بمعى أن هذا ليس عني، بل عنا جميعا عن هويتنا الجمعية العربية.
ويضيف بلهجته المصرية المحببة: «لما الواحد يدور بروح لتاريخ الاستعمار في بلادنا الى القضية الفلسطينية، الى الشعار الذي انتشر مؤخرا في مصر «نحنا أسفين يا فلسطين نحنا محتلين أيضا»! وترى المسرحية أن العالم أصبح مكانا مظلما. ويبدو أننا نقترب كل يوم من بداية صراع عالمي آخر. لا يوجد مكان آمن. لقد أصبحت الحرب والدمار بطلين ثابتين على شاشات التلفزيون لدينا، إلى درجة أننا أصبحنا غير حساسين بشكل متزايد تجاه العنف. هكذا يشرح الفنان نظرته ومشاهداته لما يحدث في الشرق الأوسط، الآن والعمى والسلبية اللذين يسيطران على ردات الفعل الرسمية في البلاد الغربية.
هو يربط تاريخ بريطانيا الإمبريالي بالهجمات الأخيرة على غزة، وينسج من خلال الحكايات الشخصية عن الصداقة والاحتجاج. المسرحية تصور المنطقة قطعة ضعيفة وإنسانية للغاية، ويجب أن تكون مشاهدتها إلزامية للمشرعين والمسؤولين الحكوميين على نطاق واسع. ربما سيفهمون أخيرًا معنى التعاطف.
تقدم المسرحية تأثيرا مضاعفا للتمرد ضد الظلم من خلال لقطاته في تجربة سمعية وبصرية تنزلق إلى المسرح الجسدي أحيانا.
قصصه غير خاضعة للرقابة وصريحة، لكن القطعة مليئة بالمعلومات والجمال. لا يوجد مكان يحتفل بالحياة هناك، لكنه مشبع بالأمل المحموم في المستقبل. إنه أمر مثير للدهشة. ترافق الموسيقى هذه «السيرة الذاتية المضادة»، مع حالتين تتضمنان إيقاعًا ممتعًا لخلق تناقض صارخ مع القسوة التي يظهرها العرض.
يحافظ عبد الله على مزاجه الودود، حتى في أحلك حالات السيناريو. إنه يستخدم تأملاته الفردية لتحفيز التقدم الاجتماعي من خلال فنه، لكن هذا المشروع أكثر من ذلك. إنها مسرحية ذات قيمة وثائقية، ودرس تاريخي مؤلم. ككاتب، عبد الله بليغ ومتعاطف. مع موهبته والعبارات الناقدة، يتخلل نصه أناقة قاسية ويفسح المجال للاقتباس بشكل ملحوظ. هو يستخدم اللغة بكل جمالها، ويغوص في أجزاء من التركيبة الإنسانية قبل أن يعود إلى الظهور بغمزة عامية.
لقد تركنا بروح مليئة بالحزن بسبب سفك الدماء المتواصل في غزة. إنه يضع نفسه في منظوره الصحيح في خطاب مثير وملفت للنظر يختتم نداء من أجل التغيير.
وبخطاب حماسي، يسأل نفسه كيف يمكن للبشرية أن تغض الطرف عن الإبادة الجماعية التي يتم بثها يوميًا على الهواء مباشرة. حيث تحرك عبد الله في تصميم الرقصات المزخرفة (عمر راجح) حتى تلك اللحظة، يقف في سكون، في أسفل المسرح، يواجه الجمهور بإلقاء متصدع. من المستحيل عدم تدوين الملاحظات والاستماع له.

– «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب