اقتصاد

إحلال السلام في ليبيا سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة

إحلال السلام في ليبيا سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة

رشيد خشانة

حُكمُ الميليشيات في ليبيا جعلها تتجرأ على إغلاق حقول نفطية وتعطيل موانئ تصدير، ما شكل صدى للأزمة السياسية المستمرة منذ 2014. ويرى خبراء نفطيون أن الصراعات الداخلية، معطوفة على تعذُر حصول القطاع على التمويل اللازم لإصلاح الآبار، تُكبدان البلد خسائر كبيرة. ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة «أوبك» يُكلفُ كل إقفال خسائر للقطاع تُقدر بما بين 50 إلى 60 مليون دولار يوميا عن كل يوم إقفال.

لكن على الرغم من الصعوبات التي يجابهها قطاع النفط والغاز الليبي، جراء تآكل البنية الأساسية للإنتاج، توصلت «المؤسسة الوطنية للنفط» ومجموعة «إيني» الإيطالية، إلى اتفاق لإنتاج ما قيمته 8 مليارات دولار من الغاز الطبيعي. وتُعتبر هذه الصفقة، التي عقدها الجانبان بمناسبة زيارة وفد إيطالي إلى طرابلس، بقيادة رئيسة مجلس الوزراء جورجيا ميلوني، أضخم مشروع استثماري في ليبيا منذ ربع قرن. وتدلُ الصفقة على حرص روما على تنويع شركائها في مجال الطاقة، للتحرُر من قبضة الغاز الروسي. وفي هذا الإطار اتجه الإيطاليون إلى ليبيا، بالإضافة للجزائر. غير أن بعض الخبراء يشكك في قدرة ليبيا على الوفاء بالتزاماتها، ويحذر من تداعيات عدم الاستقرار السياسي على الأوضاع الاقتصادية، ومن هؤلاء وزيرالنفط الليبي محمد عون، الذي وصف الصفقة بكونها «غير شرعية».
في المقابل تبدو الجزائر شريكا يحظى بالصدقية والثقة لدى الزبائن الأوروبيين، إذ أنها تُزود إيطاليا بحوالي 24 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، بينما لن تستطيع ليبيا تصدير أكثر من 3 مليارات متر مكعب، لأن بنية الإنتاج والتصدير لم تتجدد، منذ أكثر من عقدين من الزمن. واستطرادا فإن إيطاليا باتت تلعب دورا أساسيا في معاودة تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، في الوقت الذي يسعى فيه الأوروبيون لايجاد بدائل من الغاز الروسي. لكن في جميع الأحوال سيساعد الاتفاق مع المجموعة الإيطالية على زيادة حصة السوق المحلية (الليبية) من الغاز، بالاضافة للتصدير، وذلك اعتمادا على بئرين بحريتين جديدتين، سينطلق فيهما الإنتاج في 2026 إذا لم تحدث تعقيدات أمنية أو عطلٌ سياسي يُهدد الاستقرار.
ويأمل الليبيون أن يُتيح الاتفاق مع الإيطاليين استقطاب استثمارات كبيرة إلى قطاع الطاقة، وإيجاد فرص عمل جديدة، ما حمل رئيس مجموعة «إيني» كلاوديو ديسكالزي على القول إن مجموعته باتت تحتل الرتبة الأولى بين الشركات العاملة في ليبيا، مؤكدا أن الشراكة النفطية والغازية القائمة بين البلدين تنهض على تعاون راسخ، يُجسده أنبوب «غرين ستريم» الرابط بين الحقول الغازية في غرب ليبيا، وسواحل جزيرة صقلية. وتقدر طاقة الأنبوب، الذي دخل مرحلة الإنتاج في العام 2004، بما لا يقل عن 11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. غير أن الفوضى التي أعقبت الاطاحة بالنظام السابق، في العام 2011 تسببت بتراجع كميات الغاز الموجهة للسوق الإيطالية. ويتفق المحللون على أن إرجاء الانتخابات الرئاسية، التي كان مقررا إجراؤها في كانون الثاني/ديسمبر 2021 وجه ضربة قاسية لقطاع النفط والغاز، بسبب ضعف الدولة وهشاشة الأوضاع الأمنية.

الجزائر في المركز الأول

في المقابل، تقدمت الجزائر إلى المركز الأول بين شركاء إيطاليا المغاربيين والمُزود الرئيس لها بالغاز. ويُراهن الإيطاليون أيضا على إمكانات استيراد الغاز من مصر وجمهورية الكونغو وأنغولا والموزنبيق. أما إيطاليا التي كان اقتصادها مُرتهنا للواردات النفطية والغازية من روسيا، فخفضت من تلك المستوردات بنسبة الثلثين، أي أنها نزلت بها إلى 11 مليار متر مكعب في السنة، لتلتفت بعد ذلك إلى منتجين جُدُد. أكثر من ذلك، يُخطط الإيطاليون لإلغاء روسيا من باقة مستورداتهم من منتجات الطاقة في العام المقبل. ويقول ديسكالزي في هذا المضمار إن الجزائر، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 36 مليار متر مكعب، عوضت قسما مهما من حصة روسيا. وعبر ديسكالزي عن أمله بأن تُعوض ليبيا أيضا قسما آخر، وإن بحجم أقل، من المستوردات الإيطالية من روسيا. أكثر من ذلك تتطلع روما إلى لعب دور الجسر بين منتجي الغاز في شمال أفريقيا ودول شمال أوروبا، وهي تأمل بإقامة معبر طاقي يوصل الغاز المغاربي إلى كل من ألمانيا والنمسا وسويسرا.
وأظهرت البلدان الأوروبية عموما رغبة قوية بتطوير قطاع الغاز في الحقول البحرية، وخاصة الغاز المُسيل، مُتخلية عن المشاريع التقليدية المُتمثلة في استخراج الخام من حقولها في القارة الأفريقية. وهي تعتبر تلك الحقول البحرية أقل عرضة للمخاطر الأمنية. وفي هذا الإطار تخلت شركات كبرى أسوة بـ«إكسن موبيل» و«إيني» و«شال» و«شفرن» عن حقولها التقليدية في نيجيريا وأنغولا وغينيا الاستوائية، العام الماضي.

منتجون جددٌ

ويلتفت أصحاب الاستثمارات النفطية حاليا إلى بلدان يُعتقد أنها غنية بموارد الغاز، ومنها موزنبيق وموريتانيا والسينغال وتنزانيا، على أمل أن تُعوض العجز الغازي الأوروبي. ويمكن لليبيا أن تكون ضمن هذه المجموعة، لولا عدم الاستقرار السائد وندرة الاستثمارات التي يستقطبها البلد في وضعه الراهن، وتزايد الطلب الداخلي على الغاز، ففي العام الماضي لم تتجاوز صادراتها لإيطاليا 2.63 مليار متر مكعب، فيما بلغت قبل 2011 ما لا يقل عن 8 مليارات متر مكعب في السنة.
وشكل الإعلان عن قيام حكومة موازية برئاسة فتحي باشاغا، في شباط/فبراير الماضي، بتزكية من مجلس النواب، تعميقا للانقسام بين الشرق والغرب، والذي أسفر عن وجهه بوضوح لدى التوصل إلى الاتفاق بين مجموعة «إيني» والحكومة الليبية، إذ عارض الاتفاق وزير النفط والغاز محمد عون، الذي لم يحضر حفلة التوقيع على الاتفاق، مُعتبرا أن الوزارة هي المعنية بالتوقيع عليه، وليست مؤسسة النفط الوطنية. كما أن مجلس النواب رفض تسمية فرحات بن غدارة على رأس «مؤسسة النفط» في مكان مصطفى صنع الله، وتردد أن ذلك تم بموجب صفقة بين رئيس حكومة الوحدة الدبيبة والقائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء خليفة حفتر.
أبعد من ذلك، أفاد خبراء نفطيون أن التنافس بين حكومتين واحدة مقرها في العاصمة طرابلس والثانية في مدينة سرت (شمال وسط)، أدى إلى إقفال بعض المنشآت النفطية والغازية، ما أعاق نمو القطاع. وحسب تقديرات البنك الدولي كلف تراجع الإيرادات النفطية بسبب إقفال بعض المنشآت خسارة قُدرت بحوالي 4 مليارات دولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب