مخيم اليرموك
بقلم احميد علي -مونتريال
مخيم اليرموك ليس مخيما عاديا كباقي المخيمات الفلسطينية المنتشرة في بقاع الأرض. مخيم اليرموك كان وطنا مصغرا للفقراء يحتضن فلسطين بأسماء قراها ومدنها وجبالها وسهولها وجغرافيتها وتاريخها في بقعة لا تتجاوز الـ 2 كم مربع جنوب مدينة دمشق. مخيم اليرموك أنشئ عام 1954، وهو من حيث تصنيف الأونروا لا يعتبر مخيم رسمي بقدر ما يعتبر منطقة حضرية، كما أنه أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا. يبعد عن العاصمة السورية 8 كيلومترات فقط. كيفما تدير وجهك تجد فيه ما يدل على فلسطين التاريخية. هناك شارع لوبية وشارع فلسطين وشارع اليرموك وشارع صفد وشارع فوزي القاوقجي و شارع صفورية وشارع الجاعونه وشارع اللد وشارع حيفا وعكا والقدس وبئر السبع ومسجد عبد القادر الحسيني ومدرسه الفالوجة…الخ
في المخيم أكبر مقبرة للشهداء يرقد فيها كبار القادة مثل الشهيد ابو جهاد الوزير والشهيد سعد صايل (ابو الوليد) الشهيد ممدوح صيدم (ابو صبري) والقبر الرمزي للشهيد ابو علي اياد والشهيد زهير محسن والشهيد ابو الجفرا الشهيد طلعت يعقوب وابو العباس وسواهم.
لا يخلو المخيم من حكايات النضال والصمود، ففي كل منزل حكاية وشهيد، كان مدرسة نضالية بكل ما تعنيه الكلمة. تجاوز عدد الشهداء في المخيم المئات من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية وخاصة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية وما بعدها من اجتياح اسرائيلي لجنوب لبنان في العام 1982.شباب المخيم كانوا رافدا أساسيا من روافد منظمة التحرير كما كان المخيم خزانا حقيقيا للثورة الفلسطينية الحديثة.
في العام 1972 انتقلت عائلتنا للسكن في أطراف مخيم اليرموك وتحديدا في شارع الثلاثين الذي يفصل بين المخيم ومنطقة الحجر الأسود. العلاقات الاجتماعية في الحي شديدة التماسك والتكافل. الحارة كانت أشبه بمنزل كبير يضم عددا لا باس به من العائلات. الكل متعاون ويقدم المساعدة للمحتاج في السر والعلانية.
في الصباح الباكر تفيق على أصوات الباعة المتجولين وعلى رأسهم بائع المازوت بزمارته المعهودة ينادي ” مازوووووووووت مازوووووووووت”، وليلا تستمع الى اغاني ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم من مذياع الجيران شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. في المخيم تجد المثقف والطالب الجامعي واليساري والاخونجي والمهندس والطبيب والأستاذ والسكير ومتعاطي المخدرات والشيخ والشرطي ورجل المخابرات وغيرهم. خليط من كل الاجناس. ومحلات من كل الانواع ودكاكين متفرقة ومطاعم لذيذة المذاق ومحلات بيع الحمص والفلافل والشاورما والمشاوي. افران منتشرة في الحارات لعمل صواني الكفتة والدجاج والمعجنات على أشكالها وأنواعها المتعددة.
في شارع اليرموك والذي كان يعتبر أكبر وأطول شوارع المخيم تجد كل انواع البقالات ومحلات الملابس والمكتبات ومراكز التعليم والمستشفيات والمراكز الصحية والجوامع والمدارس والمطاعم على اختلاف انواعها واشكالها. تجد المحامص والأدوات المنزلية ومحلات الزهور والمفروشات وغيرها وغيرها.
في المساء تجد الشباب والشابات يتمشون ذهابا وإيابا في شوارع وأسواق المخيم لا لشيء بل لقضاء بعض الوقت واختطاف نظره من هنا او نظره من هناك أو غمزه من هنا او غمزه من هناك, أو ليحلموا بقصة حب وهمية على غرار قصص ألف ليله وليله. الصبايا جماعات وفرادا في الأسواق يتغامزون ويلتزمون، فهذا طويل وهذا قصير وذاك وسيم …الخ.
آلاف مؤلفة من الناس تعبر خباب شارع ينبض بكل أسباب الحياة والبقاء. شارع ليس له مثيل في كل المدن والقرى السورية. كبار تجار الشام كان لهم بصمه في ذلك المكان. أشهر المحلات التجارية والماركات المشهورة افتتحت لها فروعا في المخيم.
شارع فلسطين الموازي لشارع اليرموك كان ثاني أطول شارع في المخيم ولا يقل أهمية عن شارع اليرموك. فيه تجد مبنى البلدية والساحة الرئيسة ساحة فلسطين والدوار. فيه أكبر سوق للخضار في المخيم ومبنى مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين. في وسطه يقع مبنى السينما التي شهدت أهم المناسبات الوطنية والقومية. زار ذلك المكان المتواضع معظم القادة مثل ابو عمار وجورج حبش ونايف حواتمة واحمد جبريل وأبو العباس وغيرهم من قادة حركات التحرر العالمي. في وسط الشارع ايضا يقع مجمع الخامس، المجمع الطبي الذي تبرع فيه الملك محمد الخامس لسكان المخيم. عند ملتقى شارعي فلسطين واليرموك من ناحية مدخل المخيم تجد مخفر الدرك ومشفى الرحمة ودوار ما يسمى بالبطيخة.
شارع لوبية الذي يربط شارعي فلسطين واليرموك من الوسط يعتبر من أهم شوارع المخيم وأغلاها ثمنا. فيه محلات الثياب ذات الجودة العالية والماركات العالمية. سمي بهذا الاسم نسبة لقرية لوبية المهجرة. فيه أكبر سوق للذهب يرتاده السكان في مناسبات عدة لشراء الهدايا. فيه تقع ملحمة ابو حشيش الشهيرة وايضا مقهى ابو حشيش حيث يلتقي الشباب ليلا لتناول الأرجيلة مع كأس من الشاي أو الزهورات او الكمون او ربما فنجان من القهوة سكر زيادة.
بموازاة شارع لوبية يقع شارع المدارس وسمي بهذا الاسم لأن فيه أكبر مجمع مدارس وكالة الغوث الدولية. يعتبر أقل شهرة من الشوارع سابقة الذكر,. يلتقي هذا الشارع بشارع اليرموك من جهة وشارع صفد من الجهة المقابلة.
شارع صفد الذي يربط شارع المدارس بشارع اليرموك والمزدحم دوما بالباعة المتجولين كان مقصدا لسكان المنطقة الباحثين عن البضائع الارخص نسبيا. تجد فيه كافة انواع ملابس الاطفال والنساء والرجال والاكسسوارات النسائية وخلافه. شارع ضيق نسبيا ملئ بالعربات والبسطات وبعض البقالات ومحلات العطور والادوات المنزلية—. باختصار كان شارعا لذوي الدخل المحدود نسبيا.
في مخيم اليرموك تجد كل ما تشتهيه العين ويعشقه القلب وتتنفسه الرئة وما يحتاجه المنزل. فيه كل أسباب الحياة وسر العشق الابدي في وجدان قاطنيه. لن تجد مكانا تحت الشمس يشبه تلك البقعة في أعين الفلسطينيين عموما وفلسطينيي سورية خصوصا الا فلسطين ذاتها.
باختصار مخيم اليرموك كان يعج بالحياة ليلا نهارا بشكل هستيري منقطع النظير، وهكذا كان منتشيا متألقا فرحا ثائرا كبركان يتلظى ويخمد الى حد الثمالة.
—
IHMAYED ALI
Motreal
