ساندريللا مرهج: بامكاننا مقاضاة إسرائيل على جرائمها في محكمة العدل الدولية من دون أن يشكّل اعترافاً بها
ساندريللا مرهج: بامكاننا مقاضاة إسرائيل على جرائمها في محكمة العدل الدولية من دون أن يشكّل اعترافاً بها
زهرة مرعي
للإعلام دور توثيقي هام خلال الحروب نصاً وصورة وإليه تستند المنظمات الحقوقية الدولية ومجلس الأمن
بيروت ـ ترى المحامية ساندريلا مرهج أن حالنا الإعلامي منضبط بحدود مقبولة رغم بعض التفلتات. تقرأ تلك التفلتات كحالات منفردة، وإذا ما كانت تشكل تحريضاً أو دس الدسائس لصالح العدو.
تقول المحامية ساندريللا مرهج المختصّة بالقانون الجنائي الدولي إن لبنان قادر على مقاضاة العدو الإسرائيلي على جرائمه الموثقة بحق المدنيين والإعلاميين، من دون أن يُشكّل ذلك اعترافاً بكيانه. ونوهت بسهر الجيش وغيره من القوى الأمنية على حماية السلم الأهلي في هذه الظروف الصعبة.
لدى الحوار مع المحامية مرهج لم يكن العدو قد استهدف مقر إقامة الإعلاميين في حاصبيا فجراً وهم نيام، ما أدى لاستشهاد الزملاء وسام قاسم، ومحمد رضا وغسّان نجّار، وجرح آخرين. جريمة جديدة لاقت إدانة واسعة محلية ودولية، وشكّلت توثيقاً مضافاً لجرائم العدو التي لا تُحصى.
مع المحامية ساندريللا مرهج العضو المؤسس والمستشارة القانونية للقاء الإعلامي الوطني هذا الحوار:
○ لماذا اللقاء الإعلامي الوطني في لبنان؟
• يضمّ اللقاء الإعلامي الوطني عدداً كبيراً من الإعلاميين في لبنان من مؤسسات إعلامية تنفيذية، وصحف مكتوبة، ومواقع إلكترونية. ويضمّ إعلاميين من كافة الفئات ينتمون إلى مؤسسات، أو مستقلّين ينتمون إلى تنظيمات أو مؤسسات غير ربحية. هو تجمع إعلامي وطني شامل يضمّ إعلاميين من انتماءات وطوائف ومذاهب متعددة. جمعتنا عناوين عريضة وأساسية، تشكّل قواعد لكيفية نهوض الوطن كما نراه. اللقاء الإعلامي الوطني منبر حر، ولكل إعلامي قول رأيه بكل حرية، وبدون توجيه. نجتمع لتنظيم بعض الفعاليات التي نتّخذ فيها مواقف متضامنة ضد الاعتداءات، أو مع الإعلاميين، أو دعماً للأسس الوطنية الأساسية. اللقاء الإعلامي الوطني هو إعلام مقاوم بكل معنى الكلمة، وطني جامع، وغير حزبي ومستقل، تأسس قبل حوالي الست سنوات.
○ كيف ينظّم القانون اللبناني الإعلام في الحروب كالتي يشنها العدو الصهيوني حالياً؟ وما هي آليات حماية الإعلاميين؟
• سلوك الإعلام في الحروب مسألة دولية وليست فقط وضعية. هناك تشريعات دولية واتفاقيات وقوانين تراعي حماية الإعلاميين خلال الحروب قبل أن تكون قوانين وطنية. عندما تكون الدولة عضو في الأمم المتحدة، ووقعت على قوانين دولية ترعى حماية الإعلاميين فهي تلتزم بها بغض النظر عن قوانينها الوضعية. في لبنان ينظّم عمل الإعلام قانون، سواء كان التنفيذي من مؤسسات وصحافيين ومراسلين، وكذلك الإعلام المرئي والمسموع، إلى جانب قانون المطبوعات الذي يجرّم. إنها قوانين تضع حدود التراخيص، وممارسة المهنة داخل الأراضي اللبنانية وغيرها من المسائل، والمجلس الوطني للإعلام معني بالمواقع الإلكترونية. في الحروب ترعى مجموعة قوانين شؤون الإعلاميين. هم محميون خلال النزاعات المسلّحة سواء كانت دولية أو غيرها. في لبنان نشهد نزاعاً مسلّحاً دولياً ترعاه اتفاقيات جنيف، وهذه الاتفاقيات ليست فقط الأخيرة، بل مجموعة من أربع اتفاقيات دولية، الأولى صدرت سنة 1864 والأخيرة سنة 1949. وتضم الاتفاقية المشتركة والبروتوكولات الثلاثة التي تبعتها، حيث صدر البروتوكول الأخير سنة 2005. وقّعت إسرائيل على اتفاقية العام 1949 وانضمت إلى اتفاقيات جنيف حوالي 190 دولة. وهذه الاتفاقية تُشكل القانون الدولي الإنساني «جوستن بللو» أو قانون الحرب. وثمة قانون وأسس لكيفية شن الحروب، ومن هذه القوانين اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة سنة 1949 والتي وقّعت عليها إسرائيل، والمختصة بحماية المدنيين خلال الحرب. والمدنيون هم الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، أي هم العاملون في مجال الرعاية الصحية والإغاثة، والأشخاص الذين كفّوا عن المشاركة في الحروب كما الجنود الذين رموا سلاحهم، والمرضى والجرحى والغرقى وأسرى الحرب.
ويُعتبر الإعلاميون من المدنيين، حتى وإن كانوا مراسلين حربيين مع قوات مسلّحة، وبالطبع يجب أن يكون وجودهم شرعياً. القانون الدولي الإنساني، وقبله القانون الإنساني العرفي، والقانون الدولي العام، إلى العديد من الاتفاقيات بدءاً من اتفاقية لاهاي سنة 1907 والتي لم توقع ولم تصادق عليها إسرائيل، تُبيّن وبالتفاصيل كيفية حماية المدنيين من بينهم الإعلاميون، ويُمنع استهدافهم بكافة الحالات. للإعلام خلال الحروب دور توثيقي مهم، وكل ما يصوّره ويكتبه نوع من الدلائل التي ترتكز إليها الدول أو المنظمات الحقوقية، والأمم المتحدة ولجان تقصي الحقائق، لتحديد الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب، وكيفية متابعتهم وملاحقتهم ومحاكمتهم. اتفاقية لاهاي 1907 تمنع استهداف مباني الإعلام والإعلاميين، وفي حال جرى الاستهداف فهي جرائم حرب يلاحقون بسببها ويعاقبون. نعم لم توقع إسرائيل على اتفاقية 1907 لكنها وقّعت على اتفاقية 1949 التي أعادت تقريباً نصوص الاتفاقية السابقة الذكر. أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً اعتبرت فيه أنه لو لم توقع إسرائيل على اتفاقية 1907 فإنها تشكّل جزءاً من القانون الإنساني العرفي. وبما أن القانون الدولي العرفي مُلزم لكافة الدول الأطراف في الأمم المتحدة، اعتبرت المحكمة العليا الإسرائيلية أن إسرائيل مُلزمة كما باقي الدول باحترام القواعد الدولية في هذا الجانب. وبعض من هم خارج الاختصاص لا ينتبهون إلى واقع القانون الجنائي الدولي. اختصاصي هو القانون الجنائي الدولي، وهو موضوع بحثي لنيل الدكتوراه. الاتفاقيات والقواعد هي التي تحدد سلوك الدول والقوات المسلّحة، سواء كانت جيوشاً شرعية أم حركات مقاومة أم ميليشيات، أما القانون الجنائي الدولي الذي ينطلق بأصله من نظام روما الأساسي، الذي أسس للمحكمة الجنائية الدولية، حوّل هذه القواعد إلى جرائم في حال انتهاكها، وبات إسمها إبادة جماعية، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وعدوان، ولم يعد الأمر يتمثل بخرق الجيوش والأفراد وغيرها للقانون الدولي الإنساني، بل ارتكابهم جرائم يحسابون ويعاقبون عليها مع المسؤولين عنهم، ويفترض أن تصدر مذكرات اعتقال وحبس من المحكمة الجنائية الدولية، أو محاكم جنائية أخرى مخصصة لحالات معينة، فيما لم تكن بعض الأطراف عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، تماماً كما تمّ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الحريري واعتبارها قضية إرهاب دولي.
○ تتكرر المناداة باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية سواء باستهداف الإعلاميين عن سابق تصور وتصميم وكذلك المدنيين. هل يمكن محاكمة المجرمين؟
• نعرف أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك لبنان، لهذا نقول بامكانية إنشاء محاكم جنائية خاصة ذات طابع دولي أو إقليمي في المستقبل لملاحقتهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها، وهذا ما يجب أن يتم. علينا مغادرة المربع الذي يحاصرنا بأنه ليس بامكاننا مقاضاة إسرائيل، والمقاضاة ليست اعترافاً. وجود إسرائيل غير شرعي، ولا نعترف بها، وبما أنها قائمة ككيان أو دولة، وهناك الكثير من الدول تعترف بها، وهي ترتكب الاعتداءات على شعبنا، يمكننا الذهاب إلى محكمة العدل الدولية تماماً كما فعلت دولة جنوب أفريقيا، منطلقة من توقيع إسرائيل على اتفاقية الإبادة. إسرائيل ترتكب في لبنان جرائم حرب موثّقة، من استهداف إعلاميين وقتلهم، إلى التهجير، فالقانون الدولي الإنساني العرفي يمنع قصف مدن وقرى بكاملها.
○ وماذا يقول القانون اللبناني بشأن إعلاميين وسياسيين لبنانيين يشكلون حالة تحريضية للعدو بإشاراتهم إلى أماكن ومؤسسات صحية أو غيرها؟
• بمنأى عن البروباغندا، ومن المنظار الموضوعي العلمي علينا تناول كل حالة بمفردها لتحديد حصول ارتكاب تحريض، أو دس دسائس. وهل ثمّة نية في هذا الموضوع؟ في حال كانت الأركان الجرمية متوافرة، فإنّ مساندة العدو تُعتبر جرائم. يمكن اعتبار بعض الأفعال التي ارتكبت في هذا الإطار على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الإعلام، وفيما إذا تبيّن أنها مُكتملة الأركان ومتوافرة فيها النية الجرمية دس دسائس، ومساندة العدو على العدوان. وقانون العقوبات اللبناني والمادة 274 وما يليها يُعاقب على جرائم الخيانة والتجسس ومساندة العدو على العدوان، ولا أقول بأن كافة الأفعال تنطبق على هذه المادة.
○ وماذا بشأن نوّاب من الأمة اللبنانية برروا مجزرة أيطو في زغرتا بعد حصولها وتبين أن الضحايا هم مدنيون وليسوا مسلحين؟
• عن جهل قال هؤلاء بوجود مقاومين في ذاك البناء، وليس تبريراً. في حين أنّ السؤال المركزي في هذا الحدث، وما يماثله هو هل تواجد أحد عناصر المقاومة بدون سلاح خارج الميدان العسكري القتالي وداخل مبنى مدني مأهول ولا يُعدّ هذا المسكن، أو هذه العين المدنية منطلقاً للقيام بأعمال عدوانية، فهل هذا يشرّع للعدو استهدافه؟ قطعاً لا، وهذه جريمة. والاتفاقيات التي سبق وذكرتها تُحظّر هذا الاستهداف. كدولة لبنانية هناك تقاعس منذ السبعينات عن القيام بإجراءات رادعة تجاه العدو، على المستوى السياسي والدبلوماسي والقانوني في الخارج، ولهذا يتمادى.
○ وكيف يمكن احترام وتطبيق القوانين المرعية عندما يتعرّض الوطن للعدوان؟
• سبق لي ورددت بأن المقاومة مقاومات، والميدان ميادين. الميدان القتالي والعسكري هما الأساسيان، والحاميان بمواجهة العدو وعدم تمكينه من استباحة الأرض وتحقيق أهدافه العسكرية بالغزو البرّي وغيره. وفي المقابل هناك ميدان السياسة، والذي يفترض أن يتمثّل بكافة اللاعبين السياسيين في لبنان، سواء كانوا رسميين أم أحزاباً، أو ناشطين أم قوى وتجمعات إعلامية أو شعبية، كل هؤلاء ينددون بهذا العدوان، ويطالبون بوقفه، كما يقومون بمراجعات دولية بهذا الشأن في الإطار الدبلوماسي وسواه. مهم توافر الميدان الإعلامي والسياسي والشعبي إلى جانب العسكري. الحمد لله الميدان الإعلامي موجود، رغم الزيف والتضليل في الممارسة الإعلامية للعدو وانتصاراته المزعومة. بدورنا نسعى لخلق رأي عام داخلي ودولي تنديداً بالعدوان، وكشفاً لجرائمه بحق الشعب اللبناني. تبيّن أنّ هذا العدو لا يحترم الاتفاقيات الدولية، ولا يراعي أي من الأعراف الدولية في أي من المعاهدات. هو يضرب بعرض الحائط كافة القواعد المنصوص عنها في المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية، ولا يحترم أية أخلاقيات في هذا الإطار. وبالتالي التحدث حالياً عن قوانين مرعية الإجراء تعني كيفية مسك الداخل لعدم تفلته، وعدم السماح باستغلال وضعية الحرب للاصطياد بالماء العكر لخلق فتنة داخلية. للجيش اللبناني دور كبير بمسك الأمن، وكشف شبكات العملاء ومن يقدّمون خدمات للعدو، وأيضاً الأجهزة الأمنية الأخرى. وبغض النظر عن الأصوات النشاز، هناك تضافر وتعاون شعبي لكيفية احترام وحماية الناحية الإنسانية من قبل الجميع، بغض النظر عن الانتماءات السياسية. أما القوانين اللبنانية النافذة والمرعية الإجراء فهي مهمة، إنما ليست كافية، يمكن الركون إليها، وللقضاء أن يتحرّك، وأن تكون كافة السلطات واعية لمسؤولياتها. يعاقب قانون العقوبات أية مساندة للعدو، وأي عمل تخريبي داخلي، وأي تجاوز إعلامي، والافتراء والتجنّي والتحريض على القتل. في حالات الحروب تحدث التفلتات، إنما الحمدلله الوضع الداخلي في لبنان ممسوك بجهود القوى الأمنية ووعي الشعب.
○ كلقاء وطني إعلامي هل تنسقون مع وزارة الإعلام ومع المجلس الوطني للإعلام في لبنان؟
• نحن كلقاء وطني إعلامي كتلة صلبة قوية وفاعلة ولها تأثير. وبالوقت عينه نحن على تعاون دائم مع وزارة الإعلام، وحضور المجلس الوطني للإعلام دائم، وكذلك نقابات الصحافة والمحررين والمرئي والمسموع، وغيرها من المؤسسات الإعلامية التنفيذية، وحتى المؤسسات الرسمية المعنية بالإعلام حضورها دائم في كافة فعالياتنا، والتعاون مستمر مع بعض الفعاليات في هذا الإطار. نلفت النظر لأي تقصير، ونصدر بيانات للقيام ببعض الملاحقات، مع بعض التوجيهات للوسائل الإعلامية كي لا تتخطى حدودها. وهناك تعاون مُعلن وغير مُعلن، بخصوص كيفية ضبط العمل الإعلامي اللبناني قدر الامكان.
«القدس العربي»: