تكلفة الحرب تأكل عُشر الاقتصاد الإسرائيلي والحكومة تواجه ورطة في إقرار الميزانية
تكلفة الحرب تأكل عُشر الاقتصاد الإسرائيلي والحكومة تواجه ورطة في إقرار الميزانية
إبراهيم نوار
أزمة اقتصادية مركبة تجتاح إسرائيل: نفقات الحرب تفرض تقشفا غير مسبوق وتخفيضات في الأجور وزيادة في الضرائب، تدهور الأداء الاقتصادي في قطاعات الإنتاج إلى حد الانكماش حسب تقدير مؤسسات الخبرة العالمية، وقطاع التكنولوجيا يهتز بقوة بسبب زلزال شركة إنتل العملاقة لأنظمة الكمبيوتر والرقائق الإلكترونية، وقرار الشركة بالتخلص من 15 في المئة من العاملين ضمن خطة لتقليص النفقات، أزمة الميزانية تهدد بسقوط الحكومة، وأزمة التقشف وتدهور مستوى المعيشة تضيف عاملا جديدا إلى عوامل الغضب من سياسات الحكومة، أما زلزال إنتل فإنه يهدد سوق العمل بأكمله، وخصوصا في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وهجرة نسبة كبيرة من المهارات العالية للعمل في الخارج.
نفقات الدفاع الأولية المخصصة لوزارة الدفاع فقط تبلغ 102 مليار شيكل أي ما يعادل 17.5 في المئة من إجمالي المصروفات بعد خصم مخصصات سداد الديون الحكومية. ميزانية الدفاع هي مجرد رقم مؤقت لا يتضمن توصيات لجنة مراجعة الاحتياجات الدفاعية. وفي حال الأخذ بهذه التوصيات فإن رقم الإنفاق العسكري سيزيد كثيرا عن الرقم المرصود في مشروع الميزانية. وتبلغ القيمة الإجمالية للميزانية 744 مليار شيكل بزيادة 17 مليار شيكل عن ميزانية العام الحالي، بنسبة زيادة ضئيلة تبلغ 2.3 في المئة. وتضمنت ميزانية العام الحالي زيادة مخصصات تعويضات النازحين الإسرائيليين عن مناطق الشمال بحوالي 3 مليارات شيكل، تشمل أيضا تغطية نفقات الإقامة. وكانت الحكومة تأمل أن يعود هؤلاء إلى مساكنهم، بما يسمح باقتطاع الوفرة الناجمة عن ذلك في تخفيض عجز الميزانية. وقد أدى تخفيض التصنيف الائتماني إلى زيادة أعباء سداد أقساط وفوائد الديون المستحقة على الحكومة التي تعادل أكثر من 21.6 في المئة من المصروفات. في الوقت نفسه فإن السلطات المحلية للبلديات في شمال إسرائيل وجهت نداء إلى النازحين بعدم العودة في الوقت الحاضر لأن الوضع هناك ليس آمنا، ويشمل ذلك أيضا تلاميذ المدارس، ما يزيد نفقات التعويضات للنازحين حتى عودتهم الفعلية.
في الوقت الحاضر، وحتى نهاية أيلول/سبتمبر الماضي وصلت تكلفة الحرب إلى حوالي 68 مليار دولار، أي ما يعادل 13 في المئة من قيمة إجمالي الناتج المحلي المتوقع للعام الحالي (حوالي 513 مليار دولار). وعلى مدى 12 شهرا الماضية هبطت تقديرات نمو الاقتصاد حتى وصلت إلى الصفر. التقرير الأحدث، الذي صدر أخيرا عن مؤسسة ستاندرد اند بورز، يشير إلى أن الاقتصاد سينكمش في العام الحالي، وأن نسبة الانكماش ستحددها طبيعة العمليات العسكرية حتى نهاية العام. إسرائيل ربما تتمكن من كسب معركة، لكنها لن تنجح في إنهاء الصراع، بسبب رفضها قبول تسوية سياسية، ووقف الحرب. هذا الموقف يحول بينها وبين تحويل الحرب إلى مكسب اقتصادي، كما كانت تفعل في الحروب الخاطفة السابقة. ومن ثم فإن تكلفة هذه المعركة تصيب الاقتصاد بالضعف وتهدده بالشلل سنوات وسنوات.
ويشير التقرير إلى وضع اقتصادي صعب في إسرائيل بسبب تصاعد الصراع في الشمال. وحسب ستاندرد آند بورز، سينكمش الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل هذا العام بنسبة 0.2 في المئة. كما سينخفض النمو في السنوات المقبلة مع توقع التقرير نموًا بنسبة 3.2 في المئة في عام 2025 وبنسبة 3.6 في المئة في عام 2026. ومن المتوقع أن يصل العجز المالي إلى 9 في المئة هذا العام، مقابل فائض بنسبة 0.4 في المئة عام 2022 وسيبقى العجز مرتفعًا عند 6 في المئة العام المقبل و5 في المئة في عام 2026 مع التأكيد على أنه قد تكون هناك تغييرات بسبب تطورات الحرب. وفي الوقت نفسه فإن هامش الحركة المتاح أمام البنك المركزي سيظل ضيقا جدا. ولا يتوقع التقرير أن ينخفض التضخم إلى النطاق السنوي المستهدف الذي يتراوح بين 1 إلى 3 في المئة، وبالتالي ليس من المتوقع أن يخفض بنك إسرائيل أسعار الفائدة، لمحاولة تعزيز النمو. وفي الوقت نفسه فإن الخلافات داخل الحكومة بشأن التخفيضات في بنود الإنفاق المختلفة، وبين الحكومة ورجال الأعمال واتحاد العمال بشأن تجميد الزيادات في الأجور وزيادة الضرائب والرسوم، تهدد بتأخير الموافقة على مشروع الموازنة في الكنيست. وقال رئيس الوزراء إن من الضروري إقرار الموازنة بحلول نهاية العام. وفي حال عدم إقرار الموازنة بحلول الحادي والثلاثين من اذار/مارس المقبل، فسوف يؤدي ذلك من الناحية الدستورية إلى حل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة. وما تزال هناك فجوة في تمويل الميزانية بقيمة 30 مليار شيكل، ولا توجد مصادر تمويل لها. ومع أن هناك بعض الإجراءات التي قد تصل فيها المفاوضات إلى حلول وسط، فإن الموارد التي ستوفرها تكفي فقط لتمويل حوالي 10 مليارات شيكل. وتتضمن قائمة البنود التي قد تتعرض للقطع أو التقليص أو الفصل من الميزانية خفض المزايا الضريبية على صناديق التدريب المتقدم والمعاشات التقاعدية، وتجميد مخصصات الشيخوخة والإعاقة، وتجميد الحد الأدنى للأجور، وفرض ضريبة جديدة على الشركات التي لا توزع أرباحها، وزيادة ضرائب البلديات ورسوم بيع وشراء المساكن. كما تجري مناقشة تجميد جزء من الزيادة المستحقة في الأجور في القطاع العام بين وزارة المالية واتحاد العمال العام في إسرائيل، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن، وينطوي هذا الإجراء على مطالب إضافية من الجانبين. الهدف من الإجراءات بشأن الحد الأدنى للأجور ومعاشات التقاعد الحكومية، هو تقليص العجز المالي لعام 2025 للسماح بزيادة الإنفاق الدفاعي. وقد تعرضت هذه الإجراءات لانتقادات باعتبارها سرقة من أضعف شرائح السكان. وتسعى وزارة المالية إلى تحقيق هدف خفض الإنفاق، والاقتراب قدر الامكان من مستوى العجز المالي المخطط له عند 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أعلن الوزير بتسلئيل سموتريتش.
زلزال أزمة إنتل
وإلى جانب ضغوط الإنفاق العسكري التي تهدد الاقتصاد، تتعرض إسرائيل لتداعيات الزلزال الذي يهز أركان شركة إنتل العالمية لصناعة أجهزة وأنظمة الاتصالات والرقائق الإلكترونية، وهي أكبر مستثمر أجنبي في إسرائيل، كما أنها العمود الفقري للصناعات التكنولوجية المتقدمة، وأهم حاضنة محلية لصناعة قاعدة المهارات البشرية العالية في قطاعات التكنولوجيا المحلية. وتسهم إنتل وحدها بما يقرب من 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي، وحوالي 6 في المئة من إجمالي صادرات قطاع التكنولوجيا المتقدمة. ومع أن إنتل تستخدم عمالة مباشرة تبلغ أكثر من 11 ألف فني ومهندس وإداري، فإنها تسهم في توليد فرص عمل غير مباشرة تصل إلى أربعة أمثال هذا الرقم (44 ألف مشتغل). أزمة إنتل قد تؤدي إلى نهايتها بالاستحواذ عليها بواسطة أحد منافسيها أو أحد صناديق الاستثمار العالمية. في هذه الحالة لا تضمن إسرائيل ما إذا كان المشتري سيحافظ على أنشطة الشركة في إسرائيل أم سيغلقها أو يعرضها للبيع. ومع أن الرئيس التنفيذي الحالي للشركة بات غليزنجر يتبنى خطة تقشفية قاسية لإنقاذ الشركة ماليا، فإن خبراء سوق الصناعات الإلكترونية يرون أن فرص نجاحه ضيقة، نظرا لأن الشركة في حاجة إلى تعديلات هيكلية واسعة النطاق. على سبيل المثال فإنه بينما تستخدم إنتل ما يقرب من 110 آلاف مشتغل في مصانعها حول العالم، فإن أهم منافسيها، وهي شركة إنفيديا تستخدم حوالي 30 ألف مشتغل فقط. ويخشى مديرو إنتل في إسرائيل أن يرتفع رقم إحالة العاملين إلى التقاعد أضعاف الرقم المعلن في الوقت الحاضر، وذلك نظرا للتضخم الكبير في عدد العاملين، سواء مقارنة بمنافسيها، أو بالعمليات التي تقوم بها في مصانعها المنتجة ومراكز التطوير التكنولوجي.
كما تعتبر شركة إنتل واحدة من أكثر الشركات تنوعاً في سوق العمل الإسرائيلي، حيث يوجد بها العديد من حاملي شهادات الدكتوراه في مجالات مثل الفيزياء والكيمياء. وتوظف الشركة مجموعة واسعة من العاملين متنوعي المهارات، من المبرمجين إلى الفنيين. ويوفر مصنع الشركة في كريات غات جنوب إسرائيل، فرص العمل للعديد من قطاعات الأعمال، من النقل والأمن إلى المقاولين المحليين. ويعتبر هذا المصنع مركزا مهما للجذب الاقتصادي؛ فعلى الرغم من أن 3900 مشتغل فقط يشاركون في التصنيع في كريات غات، فإن المصنع مسؤول عن ثلثي صادرات إنتل من إسرائيل. ومع تخفيض أعداد العاملين في إنتل بنسبة 15 في المئة على الأقل فإن ذلك يعني ضياع ما يزيد عن 1700 فرصة عمل مباشرة، إضافة إلى فرص العمل غير المباشرة في سلاسل الإمدادات المحلية. وليس من المتوقع أن تستوعب فروع الشركات المنافسة داخل إسرائيل أكثر من 100 شخص من المحالين إلى التقاعد. وهو ما يترك هذه المهارات خارج العمل، فلا يكون أمامهم غير الهجرة خارج إسرائيل أو العمل في تخصصات متدنية. ومن المتوقع أن تتسبب الصعوبات التكنولوجية والاقتصادية في إعادة هيكلة إضافية في قطاع التكنولوجيا. وبإضافة تأثير الحرب، فإن إعادة الهيكلة كعملية مستمرة قد تطول لعدة سنوات، سوف تنعكس سلبا على تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى إسرائيل.
هبوط الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا
شهدت الاستثمارات الأجنبية والإسرائيلية في قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل هبوطا كبيرا بنسبة 30 في المئة بسبب حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وذلك وفقا لتقرير أصدره «آي أيه تي آي» ومعهد «رايز» الإسرائيلي للأبحاث والسياسات. ويشير هذا الهبوط الحاد، مقارنة بالعام السابق، إلى التأثير الكبير للحرب على واحدة من أكثر الصناعات حيوية في إسرائيل. ويرسم التقرير صورة معقدة للتحديات والقدرة على الصمود في قطاع كان تقليديا محرك إسرائيل للنمو الاقتصادي. وذكر التقرير أن هبوط الاستثمارات كان واضحا بشكل خاص في عام 2024 عندما شكلت أكبر عشرة استثمارات ما يقرب من 50 في المئة من إجمالي الاستثمارات – مقارنة بأقل من 25 في المئة في السنوات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، شكلت الاستثمارات الضخمة 45 في المئة من إجمالي التمويل خلال الحرب، ارتفاعا من 30 في المئة في العام السابق. وهو ما يعني تهميش الاستثمارات في الصناعات الصغيرة والمتوسطة داخل قطاع التكنولوجيا. إضافة إلى ذلك لاحظ التقرير أن أكثر من ثلاثة أرباع الشركات التي جمعت أموالا كبيرة كانت لها مقرات في الخارج، ما يؤكد انتقال مراكز الجذب خارج الحدود الإسرائيلية. وعلى الرغم من محاولات القطاع للحفاظ على الاستقرار، قلصت الحرب بشدة قدرته على جذب رأس المال الأجنبي، مع تردد العديد من المستثمرين في التعامل مع السوق الإسرائيلية. كما سلط التقرير الضوء على تراجع مكانة إسرائيل في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. حيث انخفضت من المركز 7 إلى 9 في مؤشر الذكاء الاصطناعي، وهو انخفاض ملحوظ عن ترتيبها في المركز 5 في عام 2021.