صراع بارونات الإعلام في مصر: إنهم يذبحون القطة؟!
صراع بارونات الإعلام في مصر: إنهم يذبحون القطة؟!
سليم عزوز
اللحن الجديد في مصر الآن: أفخر بالعمل في الشركة المتحدة، أفخر بالعمل في الشركة المتحدة، أفخر بالعمل في الشركة المتحدة.
وتسأل ما المناسبة؟ فلا مجيب، فيبدو الأمر كما لو كان في بطن الشاعر، أو في بطن عازف المقطوعة الموسيقية الخالدة: «أفخر بالعمل في الشركة المتحدة»، وكأن الشركة تتعرض لمكروه، إن لم تكن تعرضت له بالفعل، وكأن هناك حملة ضدها. ولأنني بحثت بحثاً دقيقاً لعلي أجد من كتب حرفاً ضد الشركة المتحدة، فلم أعثر على شيء من هذا، فهل العزف مرده إلى أن هناك صراعاً داخل السلطة، وأن هذا العزف بمثابة الدخان الذي يثبت وجود النار، ولهذا قال الفلاسفة: لا دخان بدون نار؟!
من أم كلثوم ونجيب محفوظ؟
ويبدو أن الذين يعزفون اللحن الجديد؛ «أفخر بالعمل في الشركة المتحدة»، يلفتون انتباه الناس إلى أن هناك صراعاً داخلياً على الشركة المتحدة، مع أني أعتبره نوعا من المبالغات، فلا خلاف على استمرار الشركة المتحدة، وهي ليست مهددة بالحل أو التسريح، فالصراع على من يسيطر على الشركة المتحدة، لكن على ما يبدو، أن أتباع من رحل، يحذرون الوافد الجديد بأنهم هنا، وأنهم يستطيعون التمرد عليه، فمن غادر هو الشركة المتحدة والشركة المتحدة هو، وأنهم يدينون له بالولاء، ولا حل إلا باحتوائهم، وإلا!
«الشركة المتحدة»، اسمها بالكامل؛ الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي تحتكر الإعلام المصري، إلا بعض الجيوب، المملوكة لأفراد أو لدول في الإقليم، والأزمة الآن يمكن للمرء أن يطالعها من بين السطور، ومن خلال هذا العزف؛ «أفخر بالعمل في الشركة المتحدة»، وهناك تنويع على اللحن، إذا هذه قدمت شافكي المنيري تنويعة مهمة هي؛ «أفخر بصداقة وزمالة أحمد الطاهري»، وقد حلق أحدهم في الخيال، بأن قال إن مصر أنجبت عظماء هم «بيبو، وأم كلثوم، والشيخ شعراوي، ونجيب محفوظ، ومصطفى بيه أمين، والطاهري»، فذهبت في إغماءه، استيقظت منها وأن أسأل من يكون الخطيب، وأم كلثوم، والشعراوي، ونجيب محفوظ، ومصطفى أمين؟!
«الطاهري» يملك اقطاعية في الإعلام المصري، وجمع بين ما لم يجمعه مصطفى أمين، أو حتى هيكل مع وصفه بالصحافي الأوحد (نحن نقول الصحافي الأوحد بالمناسبة)، فهو رئيس قطاع الأخبار في الشركة المتحدة، وهو مدير قناة «القاهرة الإخبارية»، وهو مذيع في قناة «أكسترا نيوز»، وهو رئيس تحرير مجلة «روزا اليوسف»، وهي حالة من تقسيم الثروة، وتركيزها في يد حفنة من الإعلاميين، لم تعرفها مصر في تاريخها كله، منذ عهد البطالمة، وهذا ليس موضوعنا، لكن للتعريف بالمعروف، والذي جاء في مؤخرة القائمة التي كان ينبغي أن تبدأ به، فهو قبل «بيبو»، ونجيب محفوظ، إلى آخره!
حتى الحاجة بدرية
في غياب المعلومات، فإن المرء لا يكون أمامه إلا أن يقرأ ما بين السطور، ليصل إلى أن هناك صراعاً داخل الدائرة المهيمنة على الإعلام المصري من بارونات الإعلام، بدأها «الطاهري» بمنشور عن صديقه العقيد أحمد شعبان، وقد وصفه بالصديق ورفيق رحلة عظيمة من النجاحات والتحديات، والصعاب!
وطالعنا سيلاً من التعليقات من إعلاميين على هذا المنشور، تدهش الجاهل بمجريات الأمور، والتي خلعت على العقيد شعبان أوصافاً قلت بعد الاطلاع عليها، ماذا تركوا للرئيس من صفات؟ فهو صاحب الفضل، والقائد، والإنسان، ونادر الوجود، وحبيب الملايين، والمثقف صاحب الرؤية، وصاحب العقل، والقدوة، والرائع، والملهم (إي وربي والملهم). وتدخل السجع في الموضوع فأنتج هذا التعليق؛ «إنسان وفنان بكل ما للكلمة من معان»!
حتى الحاجة بدرية، التي لم يحدث لي شرف التعرف عليها علقت: «من أطهر وأشرف الناس الذين قابلتهم في حياتي». فهل تعمل الحاجة بدرية في المجال الإعلامي؟!
وهناك التقيت باسم خالدة الذكرة شافيكي المنيري، التي تبين أنها لا تزال على قيد الحياة، وقد اختفت عن شاشة التلفزيون المصري منذ سنوات طويلة، فهل تعمل في أحد فروع الشركة المتحدة؟!
فمن العقيد أحمد شعبان الذي جمع كل هذه الخصال الحميدة؟
رسمياً؛ هو مدير مكتب رئيس المخابرات المصرية. فأين تعرف عليه كل هؤلاء القوم، والأصل أن مهنته بعيدة عن الشأن العام؟ هنا نأتي للدور الواقعي؛ فهو القائم على أمر الإعلام المصري، ويلقبه الذين من حوله بأنه رئيس تحرير مصر، والمنشور والتعليقات هو بمناسبة الإطاحة به بعد الإطاحة باللواء عباس كامل!
وإذا كان الإعلام يدار بعيداً عن المؤسسات الرسمية، فليس من الحصافة السياسية التأكيد على ما يحدث فما هو المشترك بين ضابط مخابرات وبين الاقطاعي أحمد الطاهري ليصفه بأنه رفيق رحلة عظيمة من النجاحات والتحديات والصعاب، فما الرحلة التي جمعتهما؟!
وهذه الزفة التي نصبت هي تسيء لإعلام المرحلة أن يدار من جهاز كجهاز المخابرات، وهو أمر كان يقوله إعلام المعارضة، فجاءت أكبر شخصية مهمة في إعلام المرحلة أحمد الطاهري ليكرره!
إن افتقاد اللياقة السياسية، حد اللعب على المكشوف، هو سمة من سمات هذه المرحلة، هل تذكرون الدبة التي قتلت صاحبها؟!
حكم قضائي استجابة لدعوة الرئيس
إن جانباً مما يجري مرده إلى افتقاد الكفاءة المهنية أيضاً، ويمثل الامتداد لما جرى ما قاله أحد مذيعي المرحلة، والمحامي في الوقت نفسه، خالد أبو بكر من تعليقه على حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية ثبات أجرة عقود الإيجارات للوحدات السكنية القديمة، بأن الحكم جاء استجابة لدعوة الرئيس!
ومنذ سنوات بعيدة، ومنذ عهد مبارك، والسلطة تلف وتدور من أجل تعديل هذا القانون، لكن في كل مرة تتراجع، لأن التعديل سيضر بالمراكز القانونية المستقرة، وسيتضرر الملايين من جرائه، ومنذ تولى السيسي الحكم ونحن نعلم أنه يقدم ويدبر، ومنذ البرلمان السابق، فجاء حكم المحكمة الدستورية، ليرفع الحرج، فالقضاء الشامخ المستقر ألزم البرلمان بتعديل القانون، فماذا عساه أن يفعل النظام، إزاء حكم قضائي، وهو لا يستطيع أن يرفض التنفيذ!
بيد أن أحد الأذرع الإعلامية للنظام (خالد المذكور أعلاه) قال في مقابلة تلفزيونية إنه يشكر المحكمة الدستورية لاستجابتها لدعوة الرئيس السيسي!
فهل هذا معقول؟ حتى وإن كان الحكم صدر بتوجيه، فيمكن للمنابر الإعلامية للمعارضة في الخارج أن تقوله، فأي محاكم هذه التي تصدر الأحكام استجابة لدعوة رئيس الجمهورية، وأي حجية لهذه الأحكام، وأي إساءة لحقت بواحدة من المحاكم العليا في مصر من جراء القول إنها استجابت لدعوة الرئيس.. وهل الرئيس دعا، ومتى دعا، وأين أعلن دعوته، هل كانت الدعوة موجهة للمحكمة في اتصال أو كتاب مثلا؟!
وإذا كانت هذه دعوة الرئيس السيسي، فلماذا لم يختصر المسافات، ويصدر القانون في غيبة البرلمان، أو يطلب من البرلمان تمريره، وهو في انتظار الإذن له بذلك؟ وهل يفيد الرئيس أن يعلم الملايين الذين يقع عليهم الضرر، أن القانون الجديد لم يصدر بأمر من القضاء، ولكن استجابة لدعوته؟! ومن يستطيع أن يقول إن القضاء في مصر مستقل، وهو يصدر الأحكام استجابة لدعوة رئيس السلطة التنفيذية؟ وكم حكم صدر استجابة لدعوة الرئيس؟
إنها أزمة أطفال الأنابيب، الذين تربوا خارج رحم المهنة والسياسية، فأصبحوا عوناً لأعداء النظام عليه، ألم تقتل الدبة صاحبها؟ الأمر نفسه ينسحب على التصريحات من الداخل عن إدارة سكرتير رئيس جهاز المخابرات للإعلام بدون مسوغ قانوني، ولماذا تبقي السلطة على المجالس الإعلامية الثلاثة واللعب صار على المكشوف هكذا!
إن الصراع الداخلي يمكن أن تلمسه كذلك في منشور لإعلامي المرحلة خالد أبو بكر، وهو يصف مقدمي «برامج التوك شو» بأنهم من أبطال 30 يونيو/حزيران، ومع ذلك يقع عليهم الضرر، فأحدهم سجن، وبعضهم أوقفت برامجهم!
إنهم يتحدون السلطة ويتمردون عليها، ويذبحون القطة للبديل القادم
فمن يحمي هؤلاء؟
٭ صحافي من مصر