كلُّ حزب طائفي يغنَّي على ليلاه ولبنان من جوعه يغنِّي
في 3/ 2/ 2023 حسن خليل غريب
في هذه المرحلة، وفي هذه الساعة، وقبل هذه الساعة بما يفوق السنوات الأربع، لا غنى عن التعريف بأن لبنان تتقاسمه طبقتان لا ثالث لهما، خاصة بعد أن التحقت الطبقة الوسطى بقافلة الفقر، وما دون خط الفقر.
-طبقة الإجرام والفساد من أحزاب السلطة، التي أتخمت قياداتها بشتى الامتيازات، إلى الدرجة التي يجهلون فيها الفرق بين (الخبز) و(البسكوت). زائداً من تسكَّع على أبوابهم من أنصار مضلَّلين بـ(جنة الطائفة)، ومؤيدين يقتاتون بفتات موائد النخبة من تلك الأحزاب.
-طبقة الذين يفتِّشون عن رغيف الخبز، ولا يمكنهم أن يحلموا بغير الوصول إلى ذلك الرغيف. البعض منهم قد يجده بما يجنيه من راتب محدود. والبعض الآخر يرى فتاته في حاويات القُمامة.
إن الذي يفصل المقال بين الطبقتين هي المؤسسات الدستورية. المؤسسات التي تعمل لتوزيع العدالة بين المتخوم وخاوي الأمعاء. تلك المؤسسات التي شوَّهوها وسلبوها دورها واستقلاليتها، ومن بعد ذلك عطَّلوها واستولوا على كل صلاحياتها، وتغطوا بلحاف أوليائهم في الخارج، فكانوا خدماً له ثعالب مطواعين لأوامره، ولكنهم كانوا ذئاباً ضارية تنهش بحقوق اللبنانيين وتفترس الفقراء منهم بشكل خاص. فنشأت منهم طبقة الأمعاء الخاوية.
لم يرأفوا حتى بأتباعهم وأزلامهم من الذين خُدعوا بمبدأ لا حماية لـ(طائفة من طوائف لبنان) من دون وجود أمراء. حتى لو كان أولئك الأمراءذئاباً ضارية تقود قطيعاً تفترسه بدلاً من أن تحميه.
إن صورة المشهد اليوم في التحالف بين طبقة المتخومين وسيوفهم في الخارج، لم تتغيَّر، ولا عرفت تبديلا، منذ حصل لبنان على الاستقلال. الاستقلال الذي قاموا بتجميده في برادات بالشكل وانتزعوا منه جوهره وأهدافه. جمَّدوه عند الحدود التي تضمن مصالحهم.
يجد اللبنانيون المشهد يتكرر، ولكن على قاعدة أن تستورد طبقة المتخمين كل أنواع الانتداب من الخارج، فتحوَّل الانتداب الفرنسي إلى (انتدابات متعددة الجنسيات)، وكل طائفة تغنِّي على وتر وليِّ أمرها. وصحَّ فيهم القول السابق المعروف (إذا أمطرت في موسكو، يحمل أنصارها المظلات في الوطن العربي). واللبنانيون الآن يحملون المظلات إذا أمطرت في وشنطن أو طهران أو أنقرة… يفعلون كل ذلك، بينما السماء تمطر في كل مكان في عالم الأوصياء من الخارج، وتصبُّ أمطارها في خراج أمراء الطوائف ليُتخموا مع أنصارهم والخاضعين لوصايتهم.
خرج الانتداب الفرنسي، وظلَّت أوتاده ووسائطه بالشكل الذي أخذنا فيه نترحَّم على الانتداب المباشر. وتحررت الأرض من العدو الصهيوني، فاحتل الأمراء عقولنا بالطائفية، والتحريض الطائفي، ولم يعدُّوا العدة لتربية الأجيال على التنمية الزراعية لكي يأكلوا مما يزرعون، بينما تركوا الصخر والشوك تأكل الأرض الصالحة للزراعة. وتناسوا وجود الأمعاء الخاوية المنتشرة في كل مكان.
شبعوا حتى التخمة، ولقَّموا حرَّاسهم بما لا يكاد يشبع بطونهم، وتركوا الشعب المغلوب على أمره يئن من الجوع والعوز.
وباختصار، إذا أردت أن تعرف مسار الرغيف في لبنان عليك أن تعرف مسارات مصالح الطبقة الفاسدة فيه من جهة، ومسارات مصالح الدول الخارجية التي تحميها من جهة أخرى.
فأين أنت يا خاوي الأمعاء منهم؟
هل تسكت عن الذي كان السبب؟
هل عنك غابت غريزة الغضب؟
أنا منك يا أخي وأنت مني
أكل الثعالب كل العنب
لقد بشمن وما رَوينا
وسكتنا، وفتك الجوع فينا
إلى متى؟
نجوع نحن، وهو من تخمته يغنِّي
ألم تتعلَّم من خبرات التاريخ؟
أن الرغيف يُؤكل غلابا ولا يُؤكل بالتمني؟