سعيدة وارسي في «المسلمون لا يُحسب لهم حساب»
سمير ناصيف
هل يعاني مسلمو بريطانيا عموماً من التمييز العنصري ضدهم من جانب مجموعات بريطانية عنصرية غير مسلمة متأثرة بالإعلام المنحاز والمحرض الذي تدعمه الأحزاب اليمينية المتطرفة في البلد؟ وهل ازداد هذا التوجه المتطرف السلبي مؤخراً؟ هذان سؤالان ترد عليهما بالإيجاب البارونة سعيدة وارسي المسلمة البريطانية السبّاقة التي احتلت منصباً وزارياً في حكومة بريطانية سابقة والتي توصلت أيضاً إلى منصب رئيسة حزب المحافظين البريطاني وهي في السادسة والثلاثين من عمرها. وكان منصبها الوزاري (في مرحلة سابقة أيضاً) وزيرة لشؤون المجموعات الإثنية والدينية في الحكومة. وهي تحتل حالياً مناصب أكاديمية بارزة في جامعتي نوتردام وبولتون إضافة إلى عضويتها في مجلس اللوردات قبل استقالتها من حزب المحافظين البريطاني احتجاجا على عدد من مواقفه الأخيرة المتطرفة طائفياً وإثنياً.
وتعتبر وارسي أن العنف الممارس ضد المسلمين في بريطانيا تصاعد على الأخص في صيف عام 2024 خلال القتل الجماعي الذي مارسته إسرائيل ضد سكان غزة والذي تظاهرت ضده بكثافة الجماهير البريطانية في شوارع مدن المملكة المتحدة وأوروبا والعالم والتي ضمت مسلمي بريطانيا والمتعاطفين معهم ومع الشعب الفلسطيني.
برأي وارسي، ساهمت وسائل الإعلام وقرارات حكومة المحافظين البريطانية السابقة بقيادة ريتشي سوناك ووزراء عنصريين في وزارته في تصعيد حملة الإسلاموفوبيا ضد مسلمي بريطانيا والمسلمين عموماً في العالم.
ويتوقع المراقبون أن تستمر في هذا الموقف كيمي بادينوك، الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين، على الرغم من انتسابها إلى أبناء البشرة السمراء المتعاطفة في العادة مع الشعب الفلسطيني عموماً في أفريقيا وأوروبا والعالم نظراً لكونها اختارت الوزيرة السابقة بريتي باتيل لمنصب وزيرة الخارجية في حكومة الظل على الرغم من أن باتيل أُزيحت من وزارة الداخلية في حكومة محافظة سابقة بسبب إقامتها علاقات منفردة مع حكومة إسرائيل من دون التشاور مع رئيس الحكومة آنذاك.
إذن فالمشكلة، كما رأتها سعيدة وارسي في كتابها تكمن في الأساس في توجه حزب المحافظين البريطاني بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ تصاعد دور قياديين متطرفين، تجاه الأقليات والمهاجرين والمسلمين على شاكلة مايكل غوف وسويللا بريفرمان وباتيل وهم من المتعاطفين أيضاً مع مواقف إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو. وهؤلاء كانوا يغلفون انحيازهم بحرصهم على تقليص أو وقف هجرة الأجانب إلى بريطانيا علماً أن معظمهم من أصول مهاجرة. في المقابل تفتخر سعيدة وارسي بانها من عائلة مهاجرة ناضلت من أجل بريطانيا وحصلت على الجنسية البريطانية بفضل تضحياتها وولائها للبلد، وهي لن تسمح لأحد بسلبها بريطانيتها ولا لسلبها من بريطانيين آخرين مسلمين أو غيرهم حصلوا على هذه الجنسية بنفس الطريقة.
وتقول وارسي في مقدمة كتابها: «لقد طفح بيّ الكيل لتقديم الاعتذارات الخجولة وللتكتم على مشاعري والآن سأتكلم، ولن أخضع لإملاءات الإسلاموفوبيين الذين يكيلون الاتهامات لمسلمي بريطانيا والمسلمين عموماً بالإرهاب من دون أي أدلة. أنا الآن تجاوزت الخمسين من عمري وقد شبعت من التعامل معي وكأنني البريطانية المسلمة المقبولة في بريطانيا من قبل أصحاب الأرض. كما لن أرضى بعد الآن بأن يُلقب قياديون كبوريس جونسون المسلمات بأنهن (النسوة البريطانيات السارقات) أو أن يتحدثوا عن المشكلة المسلمة في بريطانيا ما يشعرنا وكأننا أجانب في بلدنا، وكأن جنسيتنا قد تُسحب منا إذا لم نُحسن التصرف برغم أننا ولدنا وعشنا حياتنا في هذا البلد كإخواننا الآخرين. نحن لسنا بريطانيين من الدرجة الثانية، ولنا الحق في التعبير عن آرائنا بالنسبة إلى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والمؤسسات الدولية التي تستنكر هذه الجرائم، ولا حق لأحد بأن يديننا على مواقفنا هذه، لا في حزب المحافظين ولا في حزب العمال. لا أحد له الحق في شيطنتنا لكوننا مسلمين».
وتضيف «لسوء الحظ فإن المسلمين في هذا البلد لا يُحسب لهم الحساب» وتستعمل وارسي هذه العبارة في أكثر من مكان في الكتاب بعد عرضها للوقائع المؤلمة لأوضاع مسلميه.
ثم تشن هجوماً قوياً ضد وزيرة الداخلية السابقة سويللا بريفرمان في حكومة سوناك التي اتهمت في مقال لها في جريدة «التايمز» التظاهرات السلمية ضد حرب إسرائيل الوحشية في غزة بانها «تظاهرات كره نظمها إسلاميون متطرفون ومعادون للسامية هم في مواقع نافذة في بلدية لندن بقيادة العمدة المسلم صادق خان» كما اتهم النائب السابق في حزب المحافظين لي اندرسون العمدة صادق خان بكونه «يخضع للإسلاميين» ولم يجرؤ الزعيم السابق لحزب المحافظين ورئيس الحكومة السابق ريتشي سوناك (حسب قول وارسي) على اتهام اندرسون بالإسلاموفوبيا برغم أنه أقال بريفمان وأزال مظلة حماية الحزب عن اندرسون الذي استقال من الحزب لاحقاً وانضم لحزب آخر. كما نسبت إحصاءات وزارة الداخلية السابقة في عامي 2023 و2024 أكثرية الجرائم ذات الدوافع الدينية إلى المسلمين، لتأكيد خطورتهم على المجتمع!
وتشير وارسي إلى أن عمدة لندن صادق خان أحد أبرز المسلمين المسؤولين في السياسة البريطانية، قد تعرّض للكثير من التمييز والكره بسبب انتمائه للإسلام. وآخر هذه الحملات المغرضة أتت في شباط (فبراير) عام 2024 عندما شن النائب لي اندرسون حملة عليه بانه «تابع» للإسلاميين لكونه لم يمنع التظاهرات في شوارع بريطانيا المطالبة بوقف للإطلاق النار في غزة.
وبعد خروج اندرسون من حزب المحافظين لرفضه الاعتذار لصادق خان، انتمى إلى حزب نايجل فاراج «حزب الإصلاح» وانتخب نائباً عنه» (ص 38 ـ 37) ما يؤكد أن المشكلة تعدت حزب المحافظين الذي يتوجه أكثر فأكثر نحو العنصرية ضد الإسلام وتبادر أحزاب أخرى إلى مجاراته أو المزايدة عليه في هذا الموقف.
وتقول وارسي إن النائبة العمالية الشابة زارا سلطانة التي تعرضت لتهديدات على حياتها، سألت رئيس الوزراء السابق سوناك في نقاش في مجلس العموم في كانون الثاني (يناير) 2024 إذا كان سيسعى لتخفيض حدة الصراع والمواجهة العسكريين في غزة ويدعو إلى وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن، فأجابها سوناك بحدة: «ربما تقوم النائبة السائلة بفعلٍ مفيد وتطلب من حركة (حماس) و(الحوثيين) تخفيض حدة الصراع في غزة». وكأنه كان يتهمها بالانحياز في هذا الموضوع لكونها مسلمة ولديها الاتصال المباشر بحركتي حماس والحوثيين (ص 45). ولسوء الحظ (تقول وارسي) لم يدافع أحد من جهة حزب العمال عن سلطانة لكونها امرأة شابة ولم يطلب أحدهم توجيه اعتذار لها إزاء موقف سوناك السلبي في رده على سؤالها.
وتؤكد وارسي أن: «قتل مئات آلاف المدنيين الأبرياء في غزة والتصوير المحرّف في الإعلام لجميع الفلسطينيين على كونهم إسلاميين متطرفين وتجاهل وجود المسيحيين في فلسطين وهم من أقدم مسيحيي العالم. كانوا وما زالوا يتعرضون لهجوم وحشي في أرض المسيح التي ولد فيها، يؤكدان الانحياز السياسي والتمييز العنصري الذي مارسته وزيرة الداخلية السابقة بريفمان التي اعترضت على التظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة وكأن القضية الفلسطينية فقط مرتبطة بالمسلمين» (ص 47). حسب قول وارسي «فإن المسلمين والفلسطينيين بنظر بعض المغرضين في بريطانيا هم في منزلة دون منزلة البشر، وهذا يعني بالتالي ان موتهم ليس مهماً ومآسيهم المؤلمة لا تستحق ان يُكتب عنها في صفحات الصحف الأولى. أن وزارة الداخلية في عهد سوناك رفضت حتى أن يُسمح للأطفال المصابين بإصابات وأمراض خطيرة بان يُنقلوا إلى أماكن بالإمكان معالجتهم فيها حتى ولو لم يكونوا مسلمين، لأنهم أصبحوا وكأنهم جزء من جنس إنساني مختلف في القاموس العنصري». (ص 47).
وتشير الكاتبة إلى أنها وصلت إلى مناصبها في حزب المحافظين إلى حد كبير بسبب الدعم الذي قدمه إليها رئيس الوزراء المحافظ السابق ديفيد كاميرون والذي احتل منصب وزير الخارجية قبل أن تُعيد الزعيمة الجديدة هذا المنصب إلى الوزيرة المؤيدة لإسرائيل بريتي باتيل في حكومة الظل.
وتستشهد وارسي ببعض أقوال كاميرون حول تجاوزات حقوق الإنسان في المجتمعات الغربية وبعض الدول العربية وتنديده بالقصف الإسرائيلي العشوائي للمدنيين في لبنان وفلسطين.
وتؤكد انه خلال سنوات قيادة توني بلير للحكومة البريطانية تصاعدت حدة «الشيطنة» والتنديد بحقوق المسلمين في بريطانيا بسبب تغلغل أيديولوجية المحافظين الجدد الأمريكية بقيادة جورج بوش الابن إلى بريطانيا. وتشير إلى انها تمنت أن يسير قادة حزب العمال الجديد بقيادة كير ستارمر اتجاه معاكس لهذه السياسة.
كما تعتبر بأن رئيس الحكومة العمالي السابق غوردون براون حاول أن يتجه في اتجاه معاكس لمنهج المحافظين الجدد الأمريكيين في السنوات الأخيرة من حكم حزب العمال في بريطانيا، ولكن الأمر لم يكن سهلاً بالنسبة إليه.
وربما من المفيد القول إن زعيم حزب العمال الجديد كير ستارمر يأمل في السير في اتجاه معتدل حسب الحكومة العمالية التي ألفها والتي ضمت بعض كبار رموز حزب العمال المعتدل نسبياً وبينهم أبناء بعض القادة السابقين للحزب في الحكومات العمالية السابقة من غير العنصريين ولا المنحازين عموماً، ولكنه بدوره اتخذ قرارات بوضع قيود على التظاهرات الشعبية المؤيدة للشعب الفلسطيني في شوارع بريطانيا والمنددة بقصف وقتل المدنيين في فلسطين ولبنان.
وبالتالي، فبريطانيا لم تفقد الأمل في وجود قادة لا يميلون إلى العنصرية ومن أبرزهم وزير الخارجية الحالي ديفيد لامي الذي يبذل مجهوداً كبيراً لعودة بريطانيا إلى المواقف المعتدلة في الشأن الإسلامي والعربي والفلسطيني ويتعرض لحملة إعلامية سلبية مؤخراً بسبب ذلك.
بيد أن حكومة الظل المحافظة الجديدة لا يبدو بانها تبعث الأمل في هذا المجال حتى ولو حظيت بتأييد إسرائيل وأمريكا تحت قيادة جديدة. إلا إذا أعادت قادة كديفيد كاميرون إلى مناصب حكومية فاعلة (برأي الكاتبة) والتوجه نحو الانفتاح والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والمبادرة لإبعاد العنصريين عن المواقع القيادية في الحزب.
كما لعله من المفيد بالنسبة إلى مسلمي وعرب بريطانيا عودة سعيدة وارسي إلى مناصبها السابقة الفاعلة في أي حزب بريطاني، أكان ذلك في حزب المحافظين أو في حزب العمال الذي يبدو انها أكثر ميلاً إليه وإلى مواقفه في هذه المرحلة (حسب كتابها).
وارسي فضحت مواقف مايكل غوف، أحد محبطي توسع دور المسلمين في بريطانيا عندما سعى في أحد مناصبه السابقة إلى تبديل أي مبادرة فعالة لضبط الإسلاموفوبيا في النظام التعليمي البريطاني. وكان همه كوزير للتربية أو كوزير للمجموعات أن يدرج تعليم «خطورة اللاسامية في مكان الإسلاموفوبيا» في المناهج إذ يبدو أن المآسي التي تتعرض لها الشعوب الإسلامية بنظره وبنظر أمثاله لا توازي المآسي التي تعرضت لها الأقليات اليهودية في الماضي والحاضر فيما يعتقد آخرون ان الأثنين مهمتين جداً وخصوصاً في ضوء ما يجري في فلسطين.
ان حزب المحافظين البريطاني، بنظر وارسي، يدّعي انه يريد إزالة العنصرية في بريطانيا، ولكن العنصرية بالنسبة إلى بعض أعضائه حاليا تعني العداء للسامية والاستمرار في دعم إسرائيل التي ترتكب الجرائم بحق المسلمين الأبرياء في فلسطين من مدنيين وأطفال، وبالتالي سعى هؤلاء إلى منع التظاهرات لدعم الشعب الفلسطيني. والمؤسف أن حكومة حزب العمال الحالية استمرت في هذا التوجه ومنعت نواب الحزب ومسؤوليه من المشاركة في هذه التظاهرات ودعمها، كما منعت رفع الشعارات التي اعتبرتها تحريضية في هذه التظاهرات (ص 69). وتدعو وارسي إلى مراجعة هذه المواقف التي تتجاهل المشاعر الإنسانية للعرب والفلسطينيين المجنسين بريطانياً أو المقيمين في بريطانيا فهم (حسب المؤلفة) ليسوا مخربين أو إرهابيين، بل هم من المدافعين عن حقوق الإنسان كما دافع عنها حزب العمال البريطاني في الماضي والحاضر.
وتركز وارسي على ضرورة مراجعة السياسة الإعلامية البريطانية إزاء قضايا المسلمين والعرب وعدم إتاحة المجال لجهة واحدة منحازة لإسرائيل فقط في التعبير عن آرائها إعلامياً والترويج لمواقفها في هذا المجال. فحرية التعبير الإعلامي لا يجب ان تحجب وأن تحظر الآراء والمواقف الداعمة للشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية التي تتاح لخصومها.
كما تدعو وارسي الأحزاب الرئيسية البريطانية إلى عدم استقطاب أصوات الناخبين المسلمين البريطانيين فقط خلال مراحل الانتخابات الاشتراعية والبلدية ثم التخلي عنهم لاحقاً واشعارهم بأنهم خارج المجتمع البريطاني إلا في فترات الانتخابات!
أن الحرب الحالية بين إسرائيل وفلسطين ولبنان جعلت الأمور أكثر وضوحاً (حسب وارسي) فالمطلوب موقف رسمي بريطاني واضح بالنسبة إلى تجاوزات إسرائيل، والتوقف عن تسليحها لقتل المدنيين الأبرياء في فلسطين ولبنان. وليس من المقبول بعد الآن اعتماد المواقف الازدواجية في هذا المجال من جانب أي جهة سياسية بريطانية أو حليفة لبريطانيا في العالم. وقد: «حان الوقت للعالم بأن يدرك بان المسلمين يعنون شيئاً».
Sayeeda Warsi:
«Moslems Don’t Matter»
The Bridge Street Press, London 2024
168 Pages.