تركيا «تسرح وتمرح»: سوريا عادت إلينا
تركيا «تسرح وتمرح»: سوريا عادت إلينا
تفاخر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بأن “61 عاماً من الظلم والقمع والظلام قادها نظام البعث في سوريا، قد طويت”، معتبراً أن “ما جرى في سوريا، هو بكل معنى الكلمة ثورة شعبية. وقد وقّع الشعب السوري على انتصار ضخم أثار فخره وفخرنا، بعد معركة استمرّت 13 عاماً”. وفي خطاب له في مدينة أرضروم شرق تركيا، قال إن علم بلاده يرفرف جنباً إلى جنب “علم سوريا الحرِّ”، مضيفاً “(أنّنا) سنكون إلى جانب الشعب السوري في إنشاء سوريا من جديد. لن نسمح للحرائق في محيطنا بالامتداد إلى تركيا التي هي وسط هذا الاضطراب، جزيرة استقرار وبلد مفتاح في قضايا المنطقة”.
من جهته، قال وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في حوار مع محطة “ntv” المحلية، إن بلاده كانت ترى منذ البداية الأخطار المحيطة بسوريا، ودعت إلى المصالحة مع النظام، ولكنّ الأخير رفض اليد الممدودة. وإذ أشار إلى أن بلاده كانت تريد من إيران وروسيا التعاون لـ”تمرير هذه المرحلة من دون دماء”، أضاف فيدان أنه “منذ أن بدأت العمليات العسكرية، تحدّثت إلى موسكو وطهران من أجل عدم التدخّل العسكري وحقن الدماء. إن الروس والإيرانيين فهموا، على امتداد أسبوع، ما الذي يحصل. وجاء وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وهنا لا أريد أن أروي كل الذي حصل. ولكن لاحقاً اتصلوا بي هاتفياً، ومساءً كان الرئيس السوري بشار الأسد يغادر”. ورأى فيدان أن “استراتيجية إسرائيل في تدمير قدرات الجيش السوري خطيرة جداً، وتفتح على استفزازات كبيرة. ولذا، أرسلنا إليهم رسالة بأن توقّفوا عن التحريض وامتنعوا عن قصف المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية الجديدة”.
وبعد ظهور صورة لرئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالين، مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع (الجولاني)، وهما يستقلّان سيارة معاً، قدّم نواب معارضون سؤالاً إلى الحكومة حول ما جرى، وأسبابه، ومَن أعطى التعليمات بلزوم حصول ذلك، خصوصاً أن الشرع لا يزال يرأس “هيئة تحرير الشام” المصنَّفة “إرهابية” في تركيا. أيضاً، نشرت الصحف التركية صورة قالين وهو يؤدّي الصلاة في الجامع الأموي، فيما ذكرت صحيفة “ميللييات” أن “الجولاني” هو الذي اقترح على رئيس الاستخبارات التركية القيام بجولة في سيارته، فذهبا إلى سوق الحميدية وتجوّلا فيه، ومن ثم إلى “الأموي”، ومن بعده صعدا إلى جبل قاسيون المطلّ على العاصمة السورية. وفي المقابل، اعتبرت صحيفة “حرييات” أن زيارة قالين إلى دمشق مهمّة لجهة إنهاء الشائعات حول خلافات تركية مع الشرع، وإظهار تأثير أنقرة في دمشق.
ووفقاً للخبير في شؤون الإرهاب، جوشكون باشبوغ، فإن “الغرب يحاول أن يقطع الشباب المسلم عن تاريخه، وزيارة قالين وأداؤه الصلاة في الجامع الأموي، هما ضربٌ لهذا الهدف”، علماً أن باشبوغ لا يعتبر زيارة رئيس الاستخبارات “فتحاً جديداً للشام، بل إعادة الأمور إلى طبيعتها بعد سنوات حكم البعث”. وبدورها، لفتت الأستاذة الجامعية، دينيز أولكه قايناق، إلى أن “الجامع الأموي مكان عبادة للسنّة والشيعة ويختزن الذخائر المقدّسة للمسيحية. لذلك، فإن الصلاة فيه من قِبَل قالين، وإنْ كان ينظر إليها على أنها انتصار للسنّة، لكنها تؤكد على عنصر الوحدة ذاك”، معتبرةً أن “ترافق قالين والجولاني في سيارة واحدة رسالة رمزية مهمّة من زاوية إظهار قوة الاستخبارات التركية”.
وكتب أحمد حاقان، في الصحيفة نفسها، أن “الحكم الجديد أعطى ضمانات للأقليات المسيحية والعلوية واليهودية في شأن حماية حقوقها وحرياتها”. ولكنّ الكاتب تساءل عن “حقوق وحريات التيارات الإسلامية المختلفة، وما إذا كان الحكم الجديد سيسمح بتعدّد التفسيرات الفقهية، وما الذي سيكون عليه موقف الدولة منها، وإلى أيها ستنحاز أم ستكون هناك دولة علمانية حاضنة لكل التفسيرات”. وهنا، قال حاقان إن “تركيا يمكن أن تشكّل نموذجاً لسوريا في هذه النقطة”.
وبنتيجة مباشرة لإسقاط النظام في سوريا وارتياح تركيا لما جرى، أظهر استطلاع للرأي أُجري في الأسبوع الأخير من قِبَل شركة “أسال” على عينة من 1860 شخصاً، تقدُّم “حزب العدالة والتنمية” على الأحزاب الأخرى للمرّة الأولى منذ الانتخابات البلدية التي جرت في آذار الماضي. وأفاد الاستطلاع بحصول “العدالة والتنمية” على 32.5% مقابل 30.7% لـ”حزب الشعب الجمهوري”، فيما تقدّم “حزب الحركة القومية” إلى 9.6%، علماً أن هذه الأحزاب حصلت في الانتخابات البلدية على: 35.5%، و37.8%، و5% على التوالي. كذلك، تقدَّم “حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب” الكردي إلى 9.6% بعدما نال في الانتخابات البلدية 5.7%.
وفي مقالة لافتة، كتب المؤرّخ البارز، إيلبير أورطايلي، أن “سوريا ليست بلداً. هي أرادت أن تكون ذلك ولكنها فشلت. هناك سوريون وقد تحرّكوا من منطلق الانقسام أكثر من منطلق الوحدة”، متسائلاً: “هل يمكن سوريا أن تستجمع نفسها من جديد؟ ربما لا. إن غرب الفرات هو الأهمّ بالنسبة إلى تركيا من شرق الفرات، حيث يريد الأكراد – بدعم الأميركيين – إنشاء دولة لهم. ففي غرب الفرات وحلب، مصادر المياه ومجالات الصناعة والزراعة ومساحات العيش والسكن. من المهمّ ترقُّب ما الذي ستفعله الإدارة الجديدة في دمشق في هذا الصدد”.
ورأى طه آقيول، من جانبه، في صحيفة “قرار”، أن “المسألة الأكثر حساسية في سوريا الآن، هي وضع قوات الحماية الكردية في شرق الفرات. مظلوم عبدي، القائد العسكري للأكراد، يحمّل الولايات المتحدة تبعات الانسحاب من دير الزور الغنية بالنفط ومن منبج، وهذا يفيد داعش. ويقول الناطق باسم الأكراد، فرحات شامي، إنهم يخشون من تخلّي الولايات المتحدة عنهم”. وفهم آقيول من تلك التصريحات أن “الأكراد لم يدخلوا في صدامات مع هيئة تحرير الشام، لأن واشنطن لا تريد ذلك. أمّا قول وزير خارجية أميركا، أنتوني بلينكن، إنه اتّفق مع تركيا على بعض المبادئ، فالنتائج غير واضحة حتى الآن”. وأضاف الكاتب أن “الأكراد بدأوا يشكّلون لوبي مهماً في الكونغرس، وترامب دعا مظلوم عبدي إلى حفل تنصيبه. الأكراد سيكون لهم موقعهم في سوريا الجديدة والمهم هو أن يشكّلوا بنية تستخدم الموارد المختلفة بعدالة وخالية من تأثير الإرهاب. أمّا أنقرة، فعليها أن تتخلّص من حساباتها الداخلية وتستخدم بدهاء يدها التي أصبحت أقوى في سوريا وأن تكسب من جديد أصدقاءها بعيداً عن السياسات الأيديولوجية التي أفقدتها إياهم”.
————–
إنسرت:
أظهر استطلاع للرأي أجري بعد سقوط النظام في سوريا، تقدُّم “حزب العدالة والتنمية” على الأحزاب الأخرى