تحت مكبس النظام
تحت مكبس النظام
لقد أساء كثيرون من الكتّاب والشعراء والمثقفين الفلسطينيين إلى شعبنا، عندما أظهروا صورة مقلوبة عن موقف شعبنا من الثورة بجعجعتهم وفلسفتهم ولغتهم المقعّرة عبر المواقع والمنابر التي يحتلونها، في تسويق النظام وتبرير جرائمه.
واجب أخلاقي على كل إنسان في أي مكان على الكرة الأرضية من العرب والعجم أن ينحني إجلالا وتقديرًا لتضحيات الشّعب السُّوري، هذه البطولة الاستثنائية التي أبهرت العالم، وليس التّنظيمات المسلّحة ولا هذا القائد أو ذاك، بل ملايين السُّوريين الذين تظاهروا في أيام وسنوات الثورة الأولى وهجّروا وقتلوا وذبحوا وسجنوا ثم عادوا بالسلاح وطردوا الطّاغية.
مع انطلاق الثورة السُّورية 2011 خرج ملايين السُّوريين إلى التظاهر وكلهم أبطال، لماذا أبطال! وهل كل من تظاهر هو بطل؟ نعم، كل من تجرأ على مجرد تلبية دعوة والانضمام إلى مظاهرة ضد النظام سواء كانت مليونية أو دون ذلك فهو بطل.
لأنّ كلَّ واحد من هؤلاء كان معرّضا للقتل أو لسجن طويل يموت فيه ألف مَوْتة في اليوم الواحد، وهذا يعني تلقائيًا أنّ أي عمل في ظلِّ نظامٍ قمعي من طراز نظام الأسد هو مغامرة. التّظاهر في دمشق أو حلب أو حماة ليس كالتّظاهر في أوسلو أو حتى اسطنبول! قد يكون هناك قمع وعقاب، قد يتعرض المتظاهرون للرّش بمياه كريهة الرائحة، أو بالقنبلة الصوتية والمسيّلة للدموع، وللضرب بالهراوات، ولكنه لا يقارن بعنف النظام الأسدي الذي قد يوجّه لك أي تهمة ويرميك في السجن من غير محاكمة لسنوات عديدة مع تعذيب يومي ينسيك اسمك واسم والدتك.
لهذا السبب يجب تفهّم السّوريين الذين خافوا ولم يشاركوا في فعاليات الثّورة ولكن قلوبهم كانت معها وتتمنى لها الانتصار.
كذلك هنالك فنانون لم يعلنوا تأييدهم للثورة، ولا لوم عليهم، وهؤلاء ضمن الأكثرية الصامتة خوفًا من بطش النّظام، أما أولئك الذين كانوا يردحون للنظام ويردّدون حرفيًا ما يردّده إعلامه التّافه، ويَظهرون على الشّاشات يهددون أبناء شعبهم ويتواقحون ويتطاولون على الآخرين من الفنانين السُّوريين المعارضين، فهؤلاء من ذوي النّفوس الضعيفة والطّفيلية، وخصوصا أولئك الذين كانوا يغنون للدكتاتور، هؤلاء لا يستحقون سوى الشّفقة، ويكفيهم أنهم خسروا احترامهم أمام أبناء شعبهم.
الذين لا يمكن تفهمّ مواقفهم، فهم أولئك البعيدون عن قبضة النظام، الذين لن يستطيع النظام محاسبتهم أو ملاحقتهم، لأنّهم لا يعيشون تحت حكمه، ولكنّهم فضّلوا مصالح ضيقة وأنانية ونرجسية، والأرجح أنهم يعانون من نقص في فهم معنى الحريّة، فدافعوا عن النظام بحجّة رفضه توقيع اتفاق سلام أو تطبيع مع إسرائيل، من هؤلاء بلا شك أنّه ضُلّل، ومنهم من عرف إجرام النّظام ولكنّه أيّد سحق كل من رفع رأسه ضد النظام.
لقد أساء كثيرون من الكتّاب والشعراء والمثقفين الفلسطينيين إلى شعبنا، عندما أظهروا صورة مقلوبة عن موقف شعبنا من الثورة بجعجعتهم وفلسفتهم ولغتهم المقعّرة عبر المواقع والمنابر التي يحتلونها، في تسويق النظام وتبرير جرائمه.
ومؤخّرًا عندما سقط النّظام، كان ردّهم هو بدء محاسبة الثوار وتحميلهم مسؤولية التوغّل الإسرائيلي في الجولان! وانهرقوا على التّحرير، سبحان الله هؤلاء وجدوا مبرّرات لتخاذل النّظام لأكثر من نصف قرن، لم يحاول بأي شكل من الأشكال إزعاج الاحتلال، بل أنّه عاقب من اقترب من جبهة الجولان بتهمة توريط النظام والعمل لجهات معادية!
منذ سنوات بدا واضحا أن رئيس النّظام السوري مستعد لبيع كل شيء مقابل الاحتفاظ بعرشه، ومعروف أن النظام مخترق مثل الغربال من كثرة العملاء في قيادة الصّف الأول، وهذا انعكس بكثرة الاغتيالات والتخريب، وحتى إضعاف الحليف الأول حزب الله.
بعض هؤلاء المتحمِّسين للتشبيح جعلوا من الثورة الباسلة العملاقة قضية هامشية، أو مجرد هجمة إعلامية، وحصروها في فضائية الجزيرة والتلفزيون العربي، على أساس أنّه لا يوجد شعب سوري ثائر، ولا يوجد مثقفون ولا مبدعون سوريون، ولا ثورة ملايين بل هي صناعة استوديوهات الجزيرة والعربي!
استخفاف بوعي البشر، يكذبون الكِذبة ويصدّقونها ثم يستميتون دفاعا عنها. النكتة أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم ثوارًا وطلاب حرّية من الدرجة الأولى ويوزعون شهادات وطنية على الآخرين.
في إحدى خطبه “الفلسفية” وصف بشار الأسد المتظاهرين بالفقاعات، يومها كتبتُ مقالاً تحت عنوان “الفقاعات تحاصر القصر الجمهوري”. ها هي “الفقاعات” والحشرات والخفافيش واليعاسيب والصراصير، تدخل القصر الجمهوري، حتى غرفة نومه، والسّفاح يولي الأدبار إلى روسيا، وفي حوزته مليارات الدولارات، إضافة إلى مجوهرات وذهب يقدر بالملايين، ولكن مما شك فيه أن السَّفاح سيعيش بقية أيامه خائفًا، يخشى أن يبيعه فلاديمير بوتين في لحظة ما، أو أن يدبّر له “تصريفة” ويرثه، كذلك فإن بوتين ليس مخلّدا فقد يتغير شيء ما هناك ويسلّمون أمثاله للعدالة.