الحرب تسيطر على تفاصيل المشهد في غزة عام 2024
الحرب تسيطر على تفاصيل المشهد في غزة عام 2024
غزه /أشرف الهور
سيطرت الحرب الدامية التي بدأت دولة الاحتلال بشنها ضد قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، وتبعات هذه الحرب، على معظم الأحداث في القطاع، بعد أن أصبحت أيضا واحدة من أبرز أحداث المنطقة والعالم.
حرب دامية ومدمرة
فعلى مدار الأشهر الماضية التي زادت فيها دولة الاحتلال تباعا من شراسة الحرب بشتى الطرق، سواء عن طريق القتل المباشر بالقنابل والصواريخ، أو عن طريق القتل باستخدام التجويع، أو بطرق القتل بأساليب جديدة تعتمد على زج سكان القطاع في آتون النزوح والسكن في الخيام ومناطق الإيواء المزدحمة التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، عاش سكان القطاع جميعا عاما من أسوأ الأعوام التي مرت على الشعب الفلسطيني منذ بدء الصراع مع الاحتلال.
فلم يشهد الشعب الفلسطيني حربا من قبل أطول من هذه الحرب، ولم يعش حربا بهذه الشراسة، فحتى هذه الأيام قتل جراء الهجمات الإسرائيلية الدامية نحو 45 ألف مواطن، فيما أصيب أكثر من 106 آلاف آخرين، وقد بلغت أعداد الأطفال والنساء النسبة الأكبر من الضحايا.
وإلى جانب عمليات القتل الممنهج، التي لجأت إليها قوات الاحتلال بأوامر من المستوى السياسي والعسكري، نفذت «جرائم إبادة جماعية» استهدفت أسرا بأكملها، ومسحتها من السجل المدني كاملا، حيث فاق عدد هذه الأسر الـ 1400 أسرة، علاوة عن آلاف الأسر التي لم يتبق منها سوى فرد واحد.
وعانى سكان قطاع غزة ولا يزالون على طوال العام 2014، والذي بدأ بتصعيد وتيرة الحرب من جديد، فوسع الاحتلال نطاق العمليات البرية، لتشمل في شهر كانون الثاني/يناير أي مع بدايات العام بدء عملية برية ضد مناطق وسط قطاع غزة، بعد أن كانت قوات الاحتلال تقوم بهجمات برية على مدينة غزة والشمال، التي اعتبرت منذ الأسبوع الأول للحرب مناطق عمليات عسكرية، طلب من سكانها النزوح القسري، وقد ترافقت أوامر توسيع العملية البرية لتشمل مخيمات وسط القطاع (النصيرات والبريج والمغازي)، مع توسيع نطاق العملية البرية ضد مدينة خانيونس في الوقت نفسه، لتحتل قوات الاحتلال أكثر من ثلثي المدينة، وفي ذلك الوقت وفي إطار الضغط على السكان، لم يتبق سوى مساحة صغيرة من مدينة دير البلح وسط القطاع، ومنطقة المواصي غرب خانيونس، ومدينة رفح فقط، المسموح لسكان قطاع غزة الإقامة فيها، بزعم أنها خارج مناطق العمليات العسكرية، وقد كانت تمثل أقل من 10 في المئة من مساحة القطاع، وقد حشر فيها 1.9 مليون مواطن، من أصل 2.2 مليون عدد سكان القطاع، ورغم ذلك كانت تتعرض هذه المناطق لهجمات جوية عنيفة، أسقطت آلاف الضحايا. وكان لافتا خلال العام 2024 لجوء قوات الاحتلال لاستخدام الأسلوب الحربي القائم على اقتراف المجازر بأعداد كبيرة، ضمن «حرب الإبادة» من خلال استهداف مراكز الإيواء، سواء التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في مدارس «الأونروا» أو تلك المقامة من الخيام في مناطق النزوح والتشرد، وقد أنهت الشهرين الأخيرين من العام بأسلوب أكثر دموية، ركزت فيه كثيرا على تدمير منازل متعددة الطوابق، يقطنها عشرات المواطنين، لتقتل العشرات منهم في لحظات معدودة، إضافة إلى تدمير المربعات السكنية المأهولة بالسكان، كما تعمدت اللجوء إلى سياسة الحرق، باستهداف خيام النازحين بصواريخ كانت تسبب باندلاع حرائق في الأماكن المستهدفة، وحرق من فيها، ومن بينها تلك المجزرة التي طالت خيام النازحين في مستشفى الأقصى بمدينة دير البلح، وقد وثقتها الكاميرات بدقة، كما تعمدت أيضا خلال الفترة الأخيرة، استهداف المنظومة الصحية خاصة شمال قطاع غزة، سواء بالاستهداف المباشر بالقصف والتدمير، أو بمنع وصول الدواء والمستلزمات الطبية الضرورية.
مجازر العائلات
وسجلت مجازر كثيرة من هذا النوع، من أبرزها مجزرة عائلة أبو نصر والكحلوت وأبو عيدة وحمد وأبو شوقة، والكثير الكثير من العائلات التي ما زال الكثير من أفرادها تحت الركام، لعدم القدرة على إخراجهم، بسبب قلة الإمكانيات من جهة، وتوقف عمل فرق الدفاع المدني بالكامل في مناطق شمال قطاع غزة من جهة ثانية، ولوجود الكثير منهم في مناطق العمليات العسكرية من جهة ثالثة.
ووفق إحصائية أصدرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بينت أن 1410من العائلات أبادها الاحتلال ومسحها من السجل المدني، بقتل الأب والأم وجميع أفراد الأسرة، فيما هناك 3.463 عائلة فلسطينية أبادها الاحتلال ولم يتبقَّ منها سوى فرد واحد. وأشارت الإحصائية إلى أن هناك 35.060 طفل يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، و12.125 امرأة فقدت زوجها خلال حرب الإبادة الجماعية، و3.500 طفل معرّضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء، وأن هناك 17712 شهيداً من الأطفال، و234 طفلاً رضيعاً وُلِدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية.
وجاء ذلك بعد أن نفذت قوات الاحتلال خلال الحرب 9.905 مجزرة طالت العائلات ومراكز الإيواء والشوارع والمشافي ومناطق التسوق، وكل أماكن الحياة وتواجد الفلسطينيين في قطاع غزة.
جوع وتشرد
كما رسخت أشهر العام 2024، في ذاكرة الفلسطينيين في قطاع غزة، مشاهد مؤلمة للغاية، فإلى جانب الحرب والقتل وأصوات الصواريخ والرصاص، عانى السكان من النزوح المستمر، حيث وصلت نسبة النازحين إلى 90 في المئة من السكان، ومنهم من اضطر للنزوح أكثر من 10 مرات، متنقلا بين مراكز الإيواء وفي الخيام التي لا تقي من برد الشتاء ولا من حرارة الصيف، عانى السكان من الفقر وقلة الطعام وارتفاع مستويات الجوع والعطش، كما أدى الجوع مع الإقامة في أماكن مزدحمة، تنتشر فيها القمامة والمياه العادمة، لإصابة السكان بأمراض فيروسية كثيرا، كان من بينها شلل الأطفال، وأمراض الكبد وغيرها من الأمراض الجلدية، ومن الأمراض ما أفقد الكثير من السكان حياتهم.
وقد أكدت على ذلك تقارير منظمات دولية وأخرى حقوقية، أشارت إلى صعوبة الوضع المعيشي في قطاع غزة، وأكدت قيام دولة الاحتلال بارتكاب «مجازر الإبادة» وتعمد تجويع السكان، بشكل يخالف القانون الدولي الإنساني، وهو ما دفع مؤخرا المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أحكام اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه السابق يؤاف غالانت.
كما جرى في شهر كانون الأول/ديسمبر، وبسبب هجمات الاحتلال الحربية، على قطاع غزة، أن صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره حيث صوتت 172 دولة لصالح القرار، فيما صوتت 7 دول فقط ضده وهي (إسرائيل، والولايات المتحدة، وميكرونيزيا، والأرجنتين، وباراغواي، وباباوا غينيا الجديدة، وناورو)، فيما امتنعت 8 دول عن التصويت وهي (الإكوادور، وليبيريا، وتوغا، وتونغا، وبنما، وبالاو، وتوفالو، وكيريباتي)، وقد سبق هذا أن جرى التصويت على العديد من القرارات التي تدعم الحق الفلسطيني، وتندد بالهجمات الإسرائيلية، وتؤكد على وجوب وقف الحرب، لكن من دون أن تجد طريقا للتنفيذ، بسبب الحماية التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل.
ولذلك أكدت منظمات أممية أن الفلسطينيين المنهكين نتيجة استمرار الصراع والنزوح المتكرر، يواجهون شحا حادا مستمرا في المياه والخدمات الصحية، وقد أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» إلى مسألة شح المياه في القطاع، وعرض تقارير فلسطينية، أكدت أن إنتاج المياه في أنحاء غزة انخفض بنسبة 9 في المئة خلال الشهر الماضي.
وأكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» أنه في مختلف أنحاء قطاع غزة، لا تزال الأسر تواجه ظروفًا مزرية، وأن تلك الأسر تنزح مرارا وتكرارا بسبب الهجمات المستمرة، وتبحث عن مأوى في مدارس «الأونروا» المكتظة والخيام المؤقتة، وتكافح من أجل الوصول إلى الضروريات الأساسية، وتحدثت عن المشاكل التي تواجه السكان في الحصول على لقمة العيش، وأشارت إلى تعمد خفض سلطات الاحتلال نسبة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، لتصل إلى ما نسبته 6 في المئة مما كانت عليه في فترات سابقة من الحرب، وهو ما يجعل المواطنين يصطفون لساعات طويلة، للحصول فقط على وجبة طعام واحدة من مراكز التوزيع.
وتشتد أزمة الطعام والماء بشكل أكبر في مناطق شمال قطاع غزة، وهي مناطق وأحياء مدينة غزة والبلدات الواقعة أقصى الشمال، بسبب منع الاحتلال دخول قوافل المساعدات إلى هناك، حيث تعمد رفض أكثر من 90 في المئة من طلبات المنظمات الأممية لإدخال المساعدات، وقد دفع ذلك منظمات الأمم المتحدة الإغاثية للقول إن آلاف العائلات التي نزحت من المناطق المحاصرة، تواجه الآن برد وأمطار الشتاء، وقالت «الأونروا» وهي تتحدث عن المأساة إن «الوضع يفوق حدود البؤس».
ولذلك دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر الشديد، وأعلنت عن وجود مليون جائع في قطاع غزة، جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 14 شهرا.
يشار إلى أن «الأونروا» كانت قد أكدت أن هناك مليون نازح بغزة معرضون لخطر الموت نتيجة برد الشتاء، في ظل استمرار الحرب.
اغتيالات
من بين الأحداث المهمة التي واكبت أحداث قطاع غزة خلال العام الماضي، اغتيال الكثير من قادة الصف الأول في حركة حماس، حيث بدأت دولة الاحتلال هذا العام باغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يوم الثاني من كانون الثاني/يناير، وفي شهر اذار/مارس قامت باغتيال مروان عيسى عضو المكتب السياسي للحركة، ومسؤول كتائب القسام في القطاع، وهو الرجل الثاني بعد محمد ضيف قائد الجناح العسكري، والذي أعلنت دولة الاحتلال عن اغتياله هو وقائد القسام في خانيونس في غارة استهدفت مناطق النازحين غرب مدينة خانيونس في شهر تموز/يوليو الماضي.
ولم يكد يمر شهر تموز/يوليو، حتى قامت دولة الاحتلال باغتيال رئيس الحركة إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت دولة الاحتلال أنها اغتالت روحي مشتهى، عضو المكتب السياسي للحركة، وأحد أبرز مساعدي رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، وهو وآخرين من المسؤولين الأمنيين.
أما في يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر، فقد أعلنت دولة الاحتلال عن اغتيال السنوار، الذي كان وقتها يرأس حركة حماس، كخليفة لهنية، في هجوم نفذته على مبنى في مدينة رفح، وقامت بخطف جثمانه من هناك.
القدس العربي