مقالات

عن تعثّر وقف الحرب على غزّة: ما الغائب؟

عن تعثّر وقف الحرب على غزّة: ما الغائب؟

علي حبيب الله

يعرف نتنياهو، بأنّ احتفاظ حماس بالمحتجزين من أجل صفقة تبادل محتملة هو ورقة الحركة اليتيمة الباقية لإيقاف الحرب عليها وعلى القطاع…

منذ أن شنّ جيش الاحتلال الإسرائيليّ حرب إبادته على غزّة ردًّا على هجوم السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر، كان إعادة المحتجزين الإسرائيليّين (المخطوفين) في غزّة أحد هدفي الحرب المعلنة على القطاع، إلى جانب القضاء على حركة حماس. وما زال بحسب المستويين السياسيّ والعسكريّ في حكومة نتنياهو “تحرير المحتجزين” الإسرائيليّين هدفًا قائمًا، يعني استعادتهم بشروط إسرائيل، ومن هنا قول الإسرائيليّين بـ”تحريرهم”. تمامًا كما كان تحرير الأسرى الفلسطينيّين في سجون الاحتلال، أحد أهداف هجوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.

مضى ما يقارب الخمسة عشر شهرًا على حرب الإبادة في غزّة، والّتي لم تترك إسرائيل فيها حجرًا في القطاع إلّا وقلبته على رؤوس أهله قصفًا ونسفًا، دون أيّ اكتراث ممكن ليس لسلامة السكّان المدنيّين الغزيّين، إنّما لأسراها المحتجزين في القطاع كذلك، ممّا يؤكّد أنّ حكومة نتنياهو قد اعتبرت هؤلاء الأخيرين في عداد الأموات منذ اليوم الأوّل للحرب. ولا نبالغ لو قلنا بأنّ نتنياهو وحكومته يستغربان بأنّ المحتجزين الإسرائيليّين ما زالوا على قيد الحياة بعد كلّ هذا الموت والدمار اللّذين طاولا القطاع.

إذا ما عدنا إلى هدفي حرب إسرائيل على القطاع، سنجد أنّ ثمّة تناقضًا ما يزال قائمًا بينهما، إذ لا يمكن لهدف القضاء على حماس بما يعنيه من إنهائها كحركة مقاومة وتدمير قدراتها العسكريّة، أن يسير جنبًا إلى جنب مع استعادة المحتجزين بالتفاوض غير المباشر مع الحركة. لا بل إنّ حكومة الاحتلال وجيشها واعيان لفكرة أنّ القضاء على حماس يتطلّب بالضرورة إسقاط هدف “تحرير” المحتجزين لديها من أولويّات حسابات الخطّة العسكريّة الإسرائيليّة. فمنذ بداية الحرب، ورغم ضغط عائلات المحتجزين الإسرائيليّين على حكومة نتنياهو من أجل القبول بصفقة تبادل للأسرى عبر استنفار مشاعر الشارع الإسرائيليّ ضدّ الحكومة، إلّا أنّ الحكومة ما تزال تثابر على جعل استعادة الأسرى المحتجزين هدفًا ملحقًا بالخطّة العسكريّة وليس العكس.

يعرف نتنياهو، بأنّ احتفاظ حماس بالمحتجزين من أجل صفقة تبادل محتملة هو ورقة الحركة اليتيمة الباقية لإيقاف الحرب عليها وعلى القطاع. وهذا ما لا يريد نتنياهو منحه لحركة حماس، الّتي لم يعد يرى فيها طرفًا يتفاوض على إنهاء الحرب معه أصلًا. وأكثر من ذلك، فقد فرّخت الحرب على مدار شهورها الماضية أهدافًا غير أهدافها المعلنة، باتت تتجاوز في أولويّتها بالنسبة لنتنياهو وحكومته هدف “تحرير” المحتجزين الإسرائيليّين عبر صفقة تبادل، مثل الاستيطان الأمنيّ في القطاع عبر قواعد عسكريّة ثابتة فيه، وتطهير شمال القطاع (خطّة الجنرالات) الجاري على قدم وساق من سكّانه بغرض خلق جغرافيّة عازلة أمنيًّا ما بين مستوطنات الغلاف والقطاع.

أنتجت الحرب صفقة تبادل أسرى وحيدة كانت في الأشهر الأولى من اندلاعها، أرادت فيها حماس التخلّص من عبء الاحتفاظ ببعض المحتجزين لديها الّذين لم تكن تريد أن يحتجزوا أصلًا، منهم نساء وأطفال وعجائز وبعض المدنيّين الأجانب، فضلًا عن أنّ الحركة أرادت إثبات حسن نيّتها بإعادتهم، بما يخلق أفق للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب، وهذا ما لم يحدث. ومنذ أوّل وآخر صفقة كانت، تعثّر كلّ المسار التفاوضيّ لإبرام صفقة تبادل وإيقاف الحرب على مدار عام كامل. لا يريد نتنياهو صفقة تشترط وقف الحرب تنجو بها حماس، كما لا يمكن لحماس قبول صفقة لا تشترط وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع، وإلّا ستخرج الحركة من السياسة والتاريخ معًا، بعد كلّ هذا القتل والدمار.

لم يعد ثمّة رابط بين صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب على القطاع، وهذه حقيقة باتت تدركها حركة حماس. كما لا يمكن لمسار تفاوضيّ عبر وسطاء عرب لا يملكون لا أوراق ولا نوايا للضغط على إسرائيل أن يقنع هذه الأخيرة بوقف الحرب. لأنّ إقناع إسرائيل بوقفها، لا يمكن له أن يتمّ عبر التفاوض معها. فهي لن تقتنع إلّا إذا توفّرت شروط ترغمها على الاقتناع بعدم جدوى استمرار الحرب، ثمّ تأتي للمفاوضات مقتنعة. فما الغائب إذن من أجل وقف الحرب؟

ما تزال مقاومة حرب جيش الاحتلال على قطاع غزّة تقف على قدميها، وتقاتل قتالًا ملحميًّا. غير أنّ المقاومة وحدها ثبت بأنّها لم ولن تتمكّن من وقف إبادة القطاع، خصوصًا وأنّ إجماع المجتمع الإسرائيليّ على الحرب ما زال قائمًا، بصرف النظر عن تلك الشريحة المحتجّة بداخله، الّتي ترى بوجوب إتمام صفقة تبادل للأسرى وإعادة المحتجزين الإسرائيليّين، حتّى لو كان ثمن ذلك وقف الحرب.

أضعفت الحرب حلفاء الطوفان، من بعض قوى المحور الإيرانيّ الّذين اختاروا مساندة الطوفان بشروطهم، ثمّ فرضت إسرائيل على بعضهم حربًا بشروطها أفضت إلى إضعاف حزب اللّه الّذي نالت الحرب عليه من بنيته القياديّة والعسكريّة، ممّا اضطرّ الحزب إلى فكّ ارتباطه بجبهة غزّة قبل وقف الحرب عليها. ثمّ كان سقوط نظام الأسد في سورية ليضعف المحور، وبالتّالي تراجع دوره الضاغط على إسرائيل، ممّا أعطى لنتنياهو وحكومته نفسًا للذهاب في حربهما على القطاع وشماله خصوصًا حتّى آخرها.

إنّ غياب الضغط العربيّ وكذلك الدوليّ على إسرائيل، هو الغائب الحقيقيّ من كلّ مشهد حرب إبادة هذه الأخير المستمرّة منذ خمسة عشر شهرًا من أجل وقفها. فدولة مثل مصر بحكم وزنها الإقليميّ، عدا عن كونها دولة جوار لقطاع غزّة كان يمكنها فعل ما هو أكثر من لعب دور الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس. وحتّى دول وساطة وقف الحرب، مصر وقطر، تبيّن بأنّها قادرة على تفعيل أوراق ضغط على حركة حما، وليس على إسرائيل البتّة.

كان هذا الغياب للدور العربيّ في ظلّ تصدّر إبادة غزّة للمشهد الإقليميّ السياسيّ – الإعلاميّ على مدار أشهر طويلة. فما بالك مع التحوّلات الأخيرة في الإقليم، الحرب على لبنان، وسقوط النظام في سورية، حيث باتت إبادة غزّة على هامش الخبر الإعلاميّ والسؤال السياسيّ الإقليميّ لتستفرد حكومة نتنياهو بالقطاع وأهله إبادة بلا حسيب ولا رقيب.

إنّ التعويل على وقف الحرب في غزّة من خلال صفقة لتبادل أسرى مأمولة، هو تمنٍّ على قيد العجز في حقيقته، وفي أحسن الأحوال. إذ كان وما زال الصمت العربيّ تجاه ما يجري في القطاع يشي بما هو أكثر من العجز. تكترث حكومة نتنياهو لإتمام حربها على غزّة، أكثر ممّا تكترث لمواطنيها المحتجزين فيها، وحتّى لو جرى إتمام صفقة تبادل أسرى، فإنّ ذلك لن يوقف الحرب ما دام الّذي يرغم نتنياهو وحكومته على الاقتناع بوجوب وقف الحرب غائبًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب