كيف نهزم إسرائيل في أيام؟
كيف نهزم إسرائيل في أيام؟
محمد جميح
قد يثير العنوان أعلاه السخرية، بل هو مثير للسخرية بالفعل، إنه يذكر بعناوين خفيفة، من مثل: كيف تتعلم الإنكليزية في سبعة أيام؟ أو كيف تكون مديراً ناجحاً خلال أيام؟ وغيرها من عناوين تجارية مخاتلة، أو عناوين للتسلية، لا تصلح للخوض في النقاشات الجادة.
لكننا ـ بالفعل ـ في حاجة لهزيمة إسرائيل، في حاجة ماسة وملحّة لهزيمة تلك الدولة العدوانية التوسعية التي تسمي جيشها «جيش الدفاع» مع أنه يهاجم في كل مكان. ومع حاجتنا الماسة لهزيمة إسرائيل، فإنه يجب أن نعلم أن هناك شروطاً كثيرة للنصر، نفتقر إليها بوضوح، في الوقت الحالي.
وهنا، يمكن إعادة طرح التساؤل أعلاه، بصيغة أخرى ربما كانت أقرب إلى التركيز على الذات، في مقابل التركيز على الآخر، ليتحول السؤال من: كيف نهزم إسرائيل في أيام؟ إلى: لماذا لم ننتصر على إسرائيل خلال عقود؟
وعندما نأتي للإجابة على هذا السؤال، فإن أسئلة أخرى كثيرة يمكن أن تثير مقارنات لا تنتهي بيننا وبين إسرائيل على المستويات الرسمية والشعبية، وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والعلمية والتكنولوجية والثقافية، وهي مقارنات لن تكون في صالحنا على أية حال.
يمكن أن نتساءل، مثلاً: كيف ننتصر على إسرائيل إذا كان تعاملها مع شعبها لا يمكن أن يقارن بتعاملنا مع شعوبنا؟ كيف يمكن أن ينتصر نظام، أو تنتصر سلطة على إسرائيل إذا كانت السجون ملأى بالمعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، فيما ذلك النظام أو تلك السلطة تزعم أنها تقاتل لأجل حرية الفلسطينيين.
المعادلة بسيطة، والذين لا يعطون الحرية لشعوبهم لا يمكن أن يخوضوا حرباً لأجل حرية الفلسطينيين، وإذا حدث أن فجروا حرباً، أو دعموها، لتحرير فلسطين ظاهرياً، فلا بد أن لديهم هدفاً آخر غير التحرير، وهو هدف يندرج ضمن ما يمكن أن يدخل في نطاق الاستثمار في القضايا، لا نصرتها، وبما أن الهدف الخفي اختلف عن الهدف الجلي، فإن النصر في المعركة سيكون بعيد المنال.
في الماضي كانت الحروب بين إسرائيل ودول عربية، بمعنى أن الدول لا الجماعات ـ والجيوش لا الميليشيات ـ كانت تخوض الحرب، ومع ذلك لم يتحقق النصر، لأن دولنا لم تكن على المستويات ذاتها التي وصلتها إسرائيل وداعموها الغربيون: عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحقوقياً، ضمن أسباب كثيرة تتفرع عن تلك العناوين الكبيرة.
واليوم، ومع ما يبدو أنه انزياح الصراع العربي الإسرائيلي من مستوى الدولة إلى مستوى الميليشيا، أو مع تحول الصراع من «عربي إسرائيلي» إلى «إيراني إسرائيلي» فإن الوضع يبدو أكثر تعقيداً، مع تبني إيران لمشروعها الخاص الذي يقوم على النقيض من مصالح العرب الذين تتبنى طهران قضيتهم المركزية في فلسطين، في مفارقة عجيبة تبدو فيها إيران التي تتوسع على حساب العرب، تبدو حاملة لقضيتهم الفلسطينية، ويبدو النظام الذي قتل ملايين العراقيين في حرب الثمان سنوات، والذي قتل وشرد ملايين العرب في حروب ميليشياته الطائفية في البلدان العربية، والذي حكم بالموت على عشرات الآلاف من الإيرانيين المعارضين، هذا النظام هو الذي يتبنى اليوم القضية الفلسطينية، في واحدة من أكثر المفارقات إثارة للسخرية، في عالمنا العربي الذي يعج بالكثير من التناقضات والشعارات المخاتلة.
يجب أن نعلم أن تحرير عقولنا هو الخطوة الأولى لتحرير فلسطين، وأن تبييض سجوننا، هو وسيلتنا لكسر حصار غزة، وأن إصلاح منظوماتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والبحثية والمجتمعية والثقافية والدينية كفيل لنا بهزيمة إسرائيل دون اللجوء للقوة العسكرية
وهنا يمكن أن نلقي نظرة عجلى على الجانب الحقوقي فقط، في دول وسلطات ما يسمى «محور المقاومة» لنرى: هل هو مؤهل بالفعل لهزيمة إسرائيل؟ والحديث هنا عن «محور المقاومة» لأنه هو الذي يرفع الشعارات الكبيرة، في حين أن الآخرين كفّوا ـ إلى حين ـ عن رفع تلك الشعارات.
ونعود للأسئلة: هل تعامل سلطات النظام الإيراني وسلطات النظام السوري السابق مع الإيرانيين والسوريين يشير إلى أي استحقاق للنصر؟ وكيف يمكن لزبانية «سجن إيفين» أو «سجن صيدنايا» أن يخوضوا حرباً مع إسرائيل، ناهيك عن أن يحققوا أي نصر عليها؟ دون أن نذكر ما فعلته «فرق الموت» والميليشيات الطائفية العراقية في العراقيين، بعد الاحتلال الأمريكي، وهي الميليشيات التي تحولت، لتصبح اليوم ـ في مفارقة عجيبة ـ ضمن محور مقاومة، يريد تحرير فلسطين!
وبما أن المحور المكون من «النظام الإسلامي» في إيران، وميليشياته التي يسميها «مقاومة إسلامية» بما أن ذلك المحور يتبنى الشعارات الدينية، فلنطرح هذا السؤال الجوهري: كيف يمكن لنظام يمنع بناء مساجد للسنة في طهران أن يسعى ـ صادقاً ـ لتحرير المسجد الأقصى؟ ثم تأتي الإشكالية الأكبر عندما نشاهد ميليشيات هذا النظام الحوثية في اليمن تفجر المساجد، من جهة، ثم ترفع شعارات تحرير الأقصى من جهة أخرى، في تناقض لا يقدر على القيام بمثله إلا هؤلاء «المحوريون» الذين يمارسون في شعوبهم ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين من جهة، ثم يرفعون شعارات تحرير فلسطين، من جهة أخرى.
المقدمات الخاطئة لا تؤدي إلى نتائج صحيحة، والتفكير المنطقي يقودنا إلى أن خوض حرب مع إسرائيل بهذا الشكل، وبهذه الطريقة، وعلى هذه الحال، وبهذه الأدوات لن يجلب النصر، مهما حاولنا مغالطة أنفسنا، وقلب المفاهيم والمصطلحات.
لكي نهزم إسرائيل علينا أن نتفوق عليها، ليس عسكرياً وحسب، ولكن علينا أن نهزمها في المجالات السلمية، قبل المجال العسكري. يجب أن نعلم أن تحرير عقولنا هو الخطوة الأولى لتحرير فلسطين، وأن تبييض سجوننا، هو وسيلتنا لكسر حصار غزة، وأن إصلاح منظوماتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والبحثية والمجتمعية والثقافية والدينية كفيل لنا بهزيمة إسرائيل دون اللجوء للقوة العسكرية.
علينا أن نعلم أن من يظلم شعبه لن يكون قادراً على رفع الظلم عن الفلسطينيين، وأن من يبالغ في الشعارات لا يعمل بموجبها، وأن الأنظمة والميليشيات المؤدلجة تظل حبيسة أطرها إلى أن يتجاوزها الواقع، وأننا في حاجة لدول قوية تنتصر في معركتها مع تحديات الداخل، قبل أن تفكر ـ مجرد تفكير ـ في معارك الخارج، دول ترى الجهل أكبر الأعداء، والتخلف أقوى عوامل الهزيمة، والفقر أكبر عوائق النصر، دول تستلهم الماضي، دون أن تعيش فيه، وتجعل تاريخها وراءها، ليدفع بها نحو المستقبل، ولا تجعله أمامها، ليكون حجر عثرة في الطريق، دول يشعر مواطنوها بالولاء الصادق لها، لا الخوف من بطش سلطاتها، حيث لا يبدع الإنسان النصر والنجاح إلا إذا تحرر من الخوف.
وعندما توجد هذه الدول فإنها يمكن أن تتكامل فيما بينها، لأنها حينئذ سيكون لديها رصيد ضخم يقرب المسافات فيما بينها، لتشكيل تكتل كبير وقوي على رقعة جغرافية واسعة، وبإمكانات بشرية وطبيعية هائلة، متسلحة بعمق حضاري وثقافي ثري ومتنوع، مع امتداد تاريخي عظيم، وأبعاد جيوسياسية فريدة، تمكن هذا التكتل من الإسهام في الحضارة الإنسانية، والوقوف بقوة أمام أعداء الخارج، وعندها يمكن الحديث عن هزيمة إسرائيل، دون أن نحتاج لطلقة رصاص واحدة.
وأما أولئك الذين ربما سخروا من السؤال: كيف نهزم إسرائيل في أيام؟ فعليهم أن يعلموا أنه مثلما استطاعت إسرائيل إلحاق الهزيمة بنا في أيام فإننا يمكن أن نلحق بها هزيمة أنكى في أيام، غير أن هزيمتها حينها لن تكون مجرد هزيمة، بل هزيمة وجودية يؤكد حتميتها كبار مفكري إسرائيل قبل غيرهم، وعندها يتحقق لنا النصر المنشود، وهو النصر الذي لن يتحقق قبل تحقق شرطه الأساسي المتمثل في ضرورة أن ننتصر على أنفسنا.
كاتب يمني