“ولدت من جديد”.. فلسطيني يروي الأهوال في سجون نظام الأسد
“ولدت من جديد”.. فلسطيني يروي الأهوال في سجون نظام الأسد
جنين: بعد 17 عاما من حياته قضاها معتقلا بسجون النظام السوري المخلوع، يقول الفلسطيني إبراهيم فريحات بعد أن تحرر من قيد السجان، إنه يشعر كأنه وُلد من جديد، وإن عمره شهر واحد فقط.
فريحات (75عاما) وصل مساء الإثنين إلى منزل عائلته في بلدة اليامون بمحافظة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، بعد أن تحرر من سجون النظام الذي سقط في الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول المنصرم.
ويجالس الرجل أبناء بلدته ويتلقى التهاني والتبريكات، ولسان حاله يقول إنه لم يكن يتوقع يوما أن يخرج حيا من السجن.
ذاكرته مثقلة بذكريات أليمة وتعذيب وقمع تعرض له في السجون، ويقول: “لم أكن أتوقع أن أُعتقل، ولم أرتكب أي جرم”.
ويذكر فريحات الذي يحمل الجنسية الأردنية أيضا، أنه كان يعمل سائقا بين الأردن والعاصمة السورية دمشق، وأنه لُفقت له تهم وقدم للمحاكم العسكرية دون اعتراف منه بشيء ودون تخصيص محام للدفاع عنه.
تعذيب قاس
عن بداية فترة اعتقاله، يقول فرحات إنه كانت في سجن “فرع فلسطين” الشهير بدمشق، حيث أمضى فيه 9 شهور، منها 72 يوما في التحقيق وصفها بأنها “الأبشع والأقسى”.
ويضيف: “التحقيق لا يوصف، أتمنى أن أنسى تلك الأيام، نزعت عني كافة ملابسي وتعرضت للضرب بالكوابل (أسلاك الكهرباء)، وعشت تحت ضغط من أجل نزع اعترافات بجرم لم أرتكبه”.
ويتابع: “بعد أيام تم نقلي إلى الطابق السلفي من السجن، وهناك عُلقت من يديّ بمرابط حديدية، وتعرضت لصعقات كهربائية متتالية ثم تركت معلقا في الهواء حتى اليوم التالي، ثم أجبرت على الوقوف على بلاطة أرضية بمساحة 30 سم مربع بحيث نمنع تماماً من أي حركة”.
ويشير إلى أنه بعد ثلاثة أيام من الوقوف المتواصل نقل إلى حجرة الحبس الانفرادي حيث غاب عن الوعي.
وبيّن أنه لا يعلم المدة التي غاب فيها عن الوعي، واصفا حاله بـ”حال أصحاب الكهف الذين استيقظوا من النوم ولم يعرفوا كم لبثوا”.
يذكر أنه كان يُنادى من قبل السجانين برقم 31، وهو رقم حجرة الحبس الانفرادي ولم يكن ينادى عليه باسمه.
ويضيف أنه ظل لعدة أيام دون طعام ثم قُدمت إليه بيضة واحدة قال عنها إنها كانت طوق النجاة لبقائه على قيد الحياة.
ويشير فريحات إلى أنه كان يتعرض لجلسات تحقيق يصاحبها تنكيل وتعذيب بالضرب والتعليق.
ويتذكر موقفا عاشه قائلا: “ذات يوم بدأت المياه تتدفق إلى غرف الحبس الانفرادي وكادت تغرقنا، ووصلت حد الصدر وأعلى، فبدأنا نصرخ لطلب النجدة. وقلت في نفسي إنها النهاية وإن هناك تعمدا لقتلنا”.
ويردف: “ثم فتحت الأبواب ونقلنا إلى الطابق العلوي لثلاثة أيام ثم أعادونا إلى الغرف، كانت عفنة ورائحة الرطوبة تنبعث من كل مكان وأصبنا بالجرب والقمل وكانت أياما مأساوية”.
ويستطرد: “بعد 9 شهور، تم إجباري على التبصيم على أوراق لا أعلم ما هي، وبعد 6 أيام جرى تحويلي للتحقيق العسكري، ثم حولت لسجن صيدنايا حيث أمضيت 6 شهور. وحكم على بالسجن لمدة 22 عاما ونصف دون سبب ودون الحصول على حق الدفاع عن النفس”.
ويشير إلى أنه سُجن في سجن صيدنايا، وسجن أيضاً في سجن عدرا بريف دمشق.
ويقول إنه يحمل ذكريات أليمة تحتاج سنوات حتى ينساها، وإنه شهد خلال سنوات السجن وفاة كثير من السجناء منهم من مات بسبب التعذيب ومنهم من مات بسبب الأمراض.
الأيام الأخيرة والميلاد الجديد
يوضح فريحات أن أخبار الثورة السورية كانت تصل إلى السجناء، وكان الأمل ينمو لديهم يوميا بأن الحرية اقتربت، لكنه “أمل ممزوج بالخوف والقلق”.
ويضيف: “يوم فتح السجون كان أشبه بيوم القيامة، الكل يكبر ويركض بحثا عن النجاة”.
ويبيّن أنه ركض لمسافة 35 كيلومتر تقريبا فور فتح السجن، دون أن يعرف كيف تمكن من فعل ذلك. ثم وصل نقطة تعرف فيها على سوريين أخبرهم بحاله طالبا منهم أن يدلوه على الحدود الأردنية.
ويزيد: “كان المشهد لافتا، احتفل بي الأخوة السوريون ونقلوني إلى منزلهم، وفجرا وصلت الحدود الأردنية”.
ويتابع ووجهه تعلوه ابتسامة: “لم أفكر سوى في كيف يمكن أن أعود إلى عائلتي التي أشتاق إليها.. أشعر أنني ولدت من جديد حتى أن عمري شهر واحد فقط”.
ويردف: “في الحقيقة لم أتوقع أن يأتي يوم أعود فيه إلى بلدتي وعائلتي، كنت أتوقع الموت في السجن”.
ويختم بالقول: “خلال 17 عاما لم ألتق بعائلتي سوى مرة واحدة، سمح لي بعد عامين أن أخبر العائلة بمكاني حيث زاروني مرة واحدة وطلبت منهم عدم العودة لزيارتي مرة أخرى”.
وعن سبب طلبه هذا يقول: “خشيت أن يصاب أحدهم بما أصابني”.
(الأناضول)