عربي دولي

استمرار «العَراضات» الانتقامية الأوروبيون في سوريا: مزاحمة معلَنة لتركيا

استمرار «العَراضات» الانتقامية الأوروبيون في سوريا: مزاحمة معلَنة لتركيا

لم يتأخر الرد الفرنسي على محاولة تركيا ارتداء عباءة الانتداب، عبر الحديث عن «تكفل بحماية الأقليات»، حتى قفز وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى دمشق، في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، لإجراء لقاء مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وبحث سبل «حماية الأقليات»، وهي العباءة نفسها التي ارتدتها فرنسا خلال فترة الانتداب في عشرينيات القرن الماضي. وقام المسؤولان الأوروبيان الرفيعان، في زيارة تعدّ الأولى من نوعها لمسؤول فرنسي أو ألماني إلى سوريا منذ عام 2011، والأولى من نوعها لأبرز مسؤولَين أوروبيَّين يلتقيان الشرع وإدارته التي تولّت قيادة سوريا بعد سقوط سلطة بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، بإجراء جولة ميدانية استعراضية، ارتديا خلالها سترات واقية من الرصاص إلى سجن صيدنايا أو ما تبقى منه، بعدما تعرّض السجن لعمليات تخريب وسرقة أتت على معظم موجوداته.

وفي رسالة مباشرة حول الدور الذي تريد لعبه باريس في سوريا في الفترة المقبلة، بدأ بارو زيارته لدمشق بلقاء مع زعماء روحيين للطوائف المسيحية، وأكد في كلمة له خلال اللقاء أن بلاده ستقف إلى جانب ممثلي المجتمع المدني والمسيحيين في سوريا، مضيفاً أن باريس ستقدم المعونة الفنية والقانونية لصياغة دستور جديد للبلاد، وكاشفاً عن تنظيم مؤتمر دولي يهدف إلى «مرافقة الفترة الانتقالية في سوريا في الاتجاه الصحيح». كما دعا بارو الإدارة الجديدة إلى أن «تطلب من دون تأخير من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» العمل على «إتلاف مخزون الأسلحة الكيميائية»، لافتاً إلى التزام بلاده بـ«تقديم الخبراء» لدعم ذلك، وفقاً لتعبيره. كما دعا الإدارة الجديدة في سوريا إلى التوصل إلى «حلّ سياسي» مع «قسد»، قائلاً إنه «ينبغي إيجاد حلّ سياسي مع حلفاء فرنسا، والذين هم الأكراد، لكي يتمّ دمجهم بالكامل في العملية السياسية التي تنطلق حالياً».

لم ترد أيّ معلومات دقيقة حول حقيقة ملاحقة «الإدارة» لمطلقي النار في طرطوس، الذين يتبعون لأحد فصائلها

على أن اللقاء الذي أجراه الوزيران مع الشرع، بدأ بلقطة أثارت جدلاً في وسائل الإعلام الأوروبية؛ إذ أظهرت التسجيلات المصورة رفض الشرع مصافحة الوزيرة الألمانية، والاكتفاء بإيماءة برأسه، الأمر الذي يتوافق مع خلفية الرجل الدينية. وبعد اللقاء، قالت بيربوك إنها أبلغت الشرع أن أوروبا لن تقدم أموالاً لـ«هيئات إسلامية جديدة»، وفقاً تعبيرها، متابعةً أنه «لا يمكن أن تكون هناك بداية جديدة إلا إذا منح المجتمع السوري الجديد جميع السوريين، نساءً ورجالاً، بغض النظر عن الفئة العرقية أو الدينية، مكاناً في العملية السياسية، ومنح الحقوق ووفر الحماية». وتابعت أنه يجب حماية هذه الحقوق و«يجب ألّا تقوضها المواعيد النهائية الطويلة للغاية حتى الانتخابات، أو حتى الخطوات نحو أسلمة النظام القضائي أو التعليمي»، مضيفةً أنه يجب إشراك كل الطوائف في عملية إعادة الإعمار. وإذ شددت على الحاجة إلى ضمانات أمنية موثوقة للأكراد، فهي أوضحت أن رفع العقوبات الأوروبية «يعتمد على المضيّ قدماً في العملية السياسية»، معتبرةً أن إشارات هذه العملية «متباينة حتى الآن».

وفي محاولة لاستثمار الظروف الحالية الجديدة في سوريا، في سياق الصراع الأوروبي – الروسي، طالبت بيربوك بخروج القوات الروسية من سوريا، في وقت أكد فيه المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أمس، أن «سوريا وروسيا تربطهما علاقات صداقة لا تعتمد على أي نظام»، مشيراً إلى أن القادة الحاليين في سوريا يبعثون بإشارات مفادها أنهم مهتمون بـ«استمرار وجودنا»، على حد تعبيره. والجدير ذكره أن روسيا تحتفظ بقاعدتين عسكريتين في سوريا (حميميم الجوية، وطرطوس البحرية) بموجب عقد وقّعته مع النظام السوري السابق يسمح ببقاء القوات الروسية لمدة 50 عاماً، غير أن سقوط النظام فتح الباب أمام ضغوط متزايدة على الوجود الروسي، الحليف الأبرز للرئيس السابق، بشار الأسد، في سوريا.

على صعيد آخر، أعلن وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال السورية، أسعد الشيباني، أن الوفد السوري، الذي زار الرياض، أول من أمس، نقل خلال زيارته «رؤيته الوطنية المتمثلة بتأسيس حكومة تقوم على التشاركية والكفاءة وتضم جميع المكونات السورية»، لافتاً إلى أن هذه الرؤية «تشمل العمل على إطلاق خطة تنموية اقتصادية، تفسح المجال للاستثمار وعقد الشراكات الاستراتيجية والنهوض بالواقع المعيشي والخدمي»، لافتاً إلى قدرة بلاده على «القيام بدور إيجابي في المنطقة ونسج سياسات مشتركة تدعم الأمن والاستقرار وتحقق الازدهار إلى جانب الدول العربية»، على حد تعبيره. من جانبها، أعلنت السعودية، التي أجرت لقاءات مكثفة مع الوفد السوري في حكومة تسيير الأعمال، والذي ضم، إلى جانب الشيباني، وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات، أنس خطاب، أنها مستعدة للمشاركة في نهضة سوريا ودعم وحدتها وسلامة أراضيها. كما أعلنت استمرار نقل مساعدات غذائية وطبية إلى سوريا عبر الجسر الجوي الذي تم افتتاحه، على أن يتم افتتاح جسر بري أيضاً خلال الأيام المقبلة.

في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية البلجيكي، برنارد كوينتين، الذي زار أول من أمس تركيا، التي باتت القوة الأكثر تحكماً بالأوضاع في سوريا، أن بلاده ستدعم جهود تركيا والإدارة الجديدة في دمشق لإعادة إعمار سوريا. وقال: «ندعم وحدة أراضي سوريا وحماية الأقليات وإقامة نظام في إطار القانون الدولي (…) نعلم أن تركيا تدعم ذلك أيضاً، ونريد دعم مساهمتها في سوريا»، مضيفاً أن بلاده تدعم «العودة الطوعية للسوريين»، على حد تعبيره.

أما على الصعيد الداخلي السوري، فتتابع «إدارة العمليات العسكرية» عملياتها الأمنية التي بدأتها قبل أيام لملاحقة من قالت إنهم «فلول النظام السابق». وانتشرت فصائل تابعة لـ«الإدارة» في حمص وبعض أحياء دمشق، وقامت بإجراء عمليات تفتيش دقيقة، تخلّلها اعتقال عدد من الأشخاص، لم يعرف مصيرهم بعد. كما شهدت طرطوس بعض الحوادث الدامية، بعدما أقدم مسلحون يرفعون رايات سود، يتبعون لـ«الإدارة»، على إطلاق النار على عدد من المواطنين، الأمر الذي تسبّب بانتشار شائعات حول وصول مسلحين تابعين لـ«داعش» إلى المحافظة الساحلية، قبل أن تعلن مصادر إعلامية مقربة من «الإدارة» أن مطلقي النار يتبعون لأحد فصائلها، وأن أوامر صدرت بملاحقتهم، من دون ورود أيّ معلومات دقيقة حول حقيقة ملاحقة هؤلاء ومصير مرتكبي هذه الجرائم، حتى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب