وول ستريت جورنال: الأمريكيون يتحدثون عن نهاية الوجود الإيراني في سوريا.. وعداء دمشق لطهران يقلل فرص العودة
وول ستريت جورنال: الأمريكيون يتحدثون عن نهاية الوجود الإيراني في سوريا.. وعداء دمشق لطهران يقلل فرص العودة
إبراهيم درويش
:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا لعدد من مراسليها قالوا فيه إن إيران انسحبت بشكل كبير من سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد فيما يشكّل ضربة لطموحاتها الإقليمية.
وأشار مسؤولون أمريكيون وعرب إلى أن القوات الإيرانية انسحبت إلى حد كبير من سوريا بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
ويمثل الانحساب الإيراني نهاية جهود استمرت لعقود استخدمت فيها طهران سوريا كمحور لإستراتيجيتها الإقليمية الأوسع المتمثلة في بناء تحالفات وشراكات مع أنظمة وجماعات مسلحة لتوسيع نفوذها وشن حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد شنت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في سوريا هجمات على القوات الأمريكية وساعدت في الهجمات على إسرائيل.
وقال مسؤول أمريكي بارز، إن أعضاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني انسحبوا الآن إلى إيران، وتفككت الميليشيات التابعة للجمهورية الإسلامية.
وأشارت الصحيفة إلى أن إيران أنفقت مليارات الدولارات، وأرسلت آلافاً من العسكريين والمقاتلين الموالين لها إلى سوريا بعد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011 لدعم نظام الأسد.
وظلت سوريا الحليف الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، وخدمت كجسر بري مهم لحزب الله، أقوى الجماعات المسلحة فيما عرف بـ”محور المقاومة”.
وبدأت إيران، التي كانت تعاني بالفعل من الغارات الجوية الإسرائيلية على أصولها وشركائها في المنطقة، في سحب أفرادها خلال الانهيار الدرامي الذي دام 11 يوما لجيش نظام الأسد في أواخر العام الماضي.
وكانت الحكومة الإيرانية محبطة بالفعل من الأسد، الذي وقف على الهامش طوال العام الماضي في الحرب المتعددة الجبهات بين طهران وإسرائيل.
وفي يوم ما، امتدت شبكة إيران على طول سوريا وعرضها، ومن الشرق إلى الشمال حيث أسهمت قوافل الأسلحة بإمداد حزب الله بما يحتاجه من عتاد عسكري. وكان هناك آلاف المقاتلين والعسكريين الإيرانيين في سوريا مع بداية انهيار نظام الأسد، وبخاصة في شرقي سوريا، ودمشق وحلب وأماكن أخرى.
وقال مسؤولون غربيون وعرب إن معظم من كانوا في شرق سوريا، بمن فيهم ضباط الحرس الثوري، إلى جانب المقاتلين الأفغان والعراقيين واللبنانيين والسوريين، فروا إلى بلدة القائم الحدودية على الجانب العراقي.
وقالوا إن بعض الإيرانيين المقيمين في دمشق سافروا جوا إلى طهران، بينما فر مقاتلو حزب الله في غرب سوريا برا إلى لبنان.
ولم ترد سفارة العراق في واشنطن ووزارة خارجيتها على طلب التعليق. ورفضت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة بنيويورك التعليق على رحيل القوات الإيرانية من سوريا. وعندما سئلت عما إذا كان الإيرانيون قد خرجوا تماما من سوريا، قالت باربرا ليف، أكبر مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية عن الشرق الأوسط، يوم الإثنين: “نعم تقريبا، إنه أمر غير عادي”.
وقالت ليف، إن سوريا أصبحت الآن أرضا معادية لإيران و”هذا لا يعني أنهم لن يحاولوا إعادة إدخال أنفسهم، ولكنها أرض معادية جدا”.
وقالت الصحيفة إن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بدا وكأنه يعترف بالنكسة في سوريا في تصريحات أدلى بها في الأول من كانون الأول/ ديسمبر بطهران: “يزعم بعض الناس، بسبب الافتقار إلى التحليل والفهم السليم، أنه مع الأحداث الأخيرة في المنطقة، فإن الدماء التي بذلت دفاعا عن الضريح ذهبت هدرا”، مضيفا: “إنهم يرتكبون هذا الخطأ الفادح، الدم لم يضيع”.
وبرر المسؤولون الإيرانيون وجودهم في سوريا والعراق باعتباره دفاعا عن الأضرحة الشيعية المقدسة هناك.
ففي الأيام التي أعقبت الإطاحة بالأسد، كان الطريق من دمشق إلى بيروت مليئا بالمركبات العسكرية المدمرة بما في ذلك الدبابات وقاذفات الصواريخ المتنقلة. وكانت معظم المركبات متجهة نحو الحدود اللبنانية، مما يشير إلى محاولة متسرعة لسحب المعدات العسكرية من البلاد.
وتعلق الصحيفة أن الانسحاب السريع للقوات الإيرانية والمتحالفة معها، يمثل إعادة تشكيل دراماتيكية للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط. لقد أدت سيطرة جماعة هيئة تحرير الشام والجماعات الموالية لها على السلطة في دمشق إلى تقويض نفوذ الداعمين للنظام السابق، أي روسيا وإيران. فقد منحت سوريا طهران، النفوذ الإستراتيجي، وسمحت لها بنقل الأفراد والأسلحة إلى حزب الله في لبنان، ووضع قوات بالقرب من عدوها اللدود إسرائيل. وعليه، فانهيار نظام الأسد يُضعف وبقوة قدرة طهران على إعادة بناء حزب الله في لبنان وحماس في غزة، اللذين تعرضا لضربات إسرائيلية في الأشهر الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، ومع فرار الآلاف من العسكريين الإيرانيين وحلفائهم من سوريا، فقد أُجبروا على ترك كمية كبيرة من المعدات العسكرية والأسلحة التي فجرتها إسرائيل لاحقا، أو استولت عليها هيئة تحرير الشام ومجموعات أخرى، وفقا لدبلوماسيين غربيين.
ونقلت الصحيفة عن ميك مولروي، وهو مسؤول سابق في البنتاغون خلال إدارة ترامب الأولى، وضابط متقاعد من وكالة الاستخبارات المركزية ومشاة البحرية الأمريكية، قوله: “لقد أدى هذا إلى جانب انهيار نظام الأسد، إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة وقدرتها على دعم ورعاية هذه المنظمات الإرهابية التي كانت قوية ذات يوم لتحقيق أهداف أمنها القومي”.
وتقول الصحيفة إن قادة سوريا الجدد الذين قاتلوا ومات أفرادهم في الحرب الطويلة التي دعمت فيها إيران نظام الأسد، يخططون لمنع إيران من إعادة تنظيم نفسها داخل البلاد. ويتناقض موقف الحكومة الجديدة المعادي لإيران من موقفها مع الحليف الرئيسي الآخر للأسد، روسيا.
فقد احتفظت روسيا حتى هذه اللحظة بقواعدها العسكرية في سوريا، وتقوم بالتفاوض مع قادة الحكومة الجدد بشأن بقائها في البلاد. وقال زعيم المعارضة أحمد الشرع إن هزيمة الأسد السريعة “أرجعت المشروع الإيراني 40 عاما إلى الوراء”.
وفي مقابلة صحافية، قال الشرع: “بإزالة الميليشيات الإيرانية وإغلاق سوريا أمام التأثير الإيراني، فقد قدمنا خدمة لمصالح المنطقة، وحققنا ما لم تتمكن الدبلوماسية والضغوط الخارجية من تحقيقه، وبأقل الخسائر”.
وفي إشارة إلى التحديات التي تواجه إيران في دعم حليفها حزب الله، نشرت في تقارير إعلامية، أكدها مسؤولون غربيون، جاء فيها أن إيران تحاول زيادة عمليات تسليم الأموال إلى حزب الله مباشرة إلى لبنان. وقد تأخرت طائرة تجارية كانت تقل وفدا من الدبلوماسيين من إيران وتعرضت للتفتيش عند وصولها إلى مطار بيروت الدولي الأسبوع الماضي.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن إيران ستحاول في نهاية المطاف إعادة بناء الجسر البري، لكن هذا قد يكون غير قابل للاستمرار، على الأقل في الأمد القريب.
وقال المسؤول الأمريكي البارز إنه من غير المرجح أن تسمح هيئة تحرير الشام للحرس الثوري الإيراني بتجديد وجوده العسكري في البلاد في المستقبل القريب؛ بسبب دعمه الطويل للأسد.
وعلى نطاق أوسع، يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من محاولة إيران إعادة ترسيخ نفوذها في سوريا على المدى الطويل، وإعادة تنشيط الشبكات القديمة ومحاولة استغلال عدم الاستقرار المحتمل في بلد لا يزال منقسما بين الميليشيات ذات الأجندات والأيديولوجيات المتضاربة.
وقال أندرو تابلر، المدير السابق لسوريا في مجلس الأمن القومي: “هذا فشل كارثي لإيران، وسوف يعتمد حجم الكارثة على ما إذا كانت سوريا ستبقى قطعة واحدة، ويمكنهم إيجاد طريق للعودة بفضل الانقسامات الطائفية التي لا تزال دون حل إلى حد كبير في ظل النظام الجديد”.
وبالفعل، دعا بعض المتشددين في إيران إلى ثورة مفتوحة ضد حكام دمشق الجدد. وقالت وكالة أنباء “سيباه نيوز” التابعة للحرس الثوري الإيراني في 31 كانون الأول/ ديسمبر، إنها تتوقع ما أسمته ثورة مضادة وشيكة في سوريا ردا على احتلالها من قبل “الإرهابيين التكفيريين”، وهو مصطلح يستخدمه الإيرانيون عادة للإشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من المنظمات السنية المسلحة.
وتأتي الأحداث الأخيرة في وقت أصبحت إيران نفسها عرضة للخطر بشكل متزايد، حيث دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر عددا من الدفاعات الجوية الإستراتيجية الإيرانية المتقدمة، وألحقت أضرارا كبيرة بمرافق إنتاج الصواريخ، مما يجعلها عرضة لهجمات مستقبلية. واستنفدت إيران بعض ترسانتها من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز بعد شن هجومين على إسرائيل العام الماضي، أحدهما في نيسان/ أبريل، والآخر في تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي الوقت نفسه، تتزايد الاضطرابات في طهران بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتضخم المرتفع. ومن المرجح أن تشدد إدارة ترامب القادمة، العقوبات القاسية في حملة ضغط قاسية وجديدة ضد طهران.
– “القدس العربي”