منوعات

سوق مؤقّت في النبطية ومعركة لحماية الحي التراثي

سوق مؤقّت في النبطية ومعركة لحماية الحي التراثي

 

ندى أيوب

ندى ايوب

قلق يسود مدينة النبطية خشية خسارة السوق التراثي. هي فسحة تشكّل جزءاً من ذاكرة المدينة. بعدما دمر العدو في حربه الأخيرة حوالى 40 منشأة ذات طابعٍ تراثي، إضافة إلى أضرار كبيرة جداً أصابت الكثير من المتاجر. وبعض الأبنية عمرها أكثر من 75 سنة. وقامت قبل صدور التخطيط المدني للمدينة في السبعينيات، الذي أطاح بجزء من المتاجر بغية شقّ طريق لتجميل المنطقة.

المخطط التوجيهي لم يُنفّذ، والمحال بقيت صامدة بعد حرب تموز 2006، إلا أنّها هدمت في عدوان 2024، فعاد النقاش حول مسألة التخطيط وكيفية التعامل معها. علماً أن هناك إشكاليات ترتبط باعتداءات قائمة على الملك العام، كما توجد مشكلة قديمة تخص المستأجرين القُدامى. وقد أدى ذلك كله إلى بروز عقبات تقف في مواجهة عملية إعادة الإعمار للمربّع التجاري، حيث التحدي في الوصول إلى حل يوازن بين حفظ الحقوق من جهة، والتخلّص من الفوضى القائمة من جهة أخرى.
القضية فرضت نفسها في الأيام الماضية على قائمة اهتمامات الفاعلين في المدينة، وقبلهم على المالكين الذين ينشغلون بمسألةٍ ملحّة ترتبط بكيفية إنقاذ ما تبقى من محتويات محالهم واستعادة نشاطهم التجاري، وهو مصدر رزقهم الوحيد، إضافة إلى بحثهم في السبيل لضمان حقّهم في إعادة بناء محالهم التي يشملها التخطيط.

يمكن القول إنّ العدو عكس حقده في الطريقة التي استهدف فيها مدينة النبطية، ملحقاً الضرر والدمار بحوالى 80% من سوقها التجاري. ولأن وسط المدينة، يمثل عصب الحياة فيها، كانت المبادرة الأولى بعد وقف إطلاق النار، في إزالة الركام من المربع التجاري، وإقامة سوقٍ مؤقّت في منطقة تسمى البيدر، على أرض الوقف الإسلامي التي يديرها النادي الحسيني. وقد جاءت المبادرة من إمام المدينة الشيخ عبد الحسين صادق، وعبر جمعية تتبع للنادي الحسيني، إلا أنّ المشكلات المتوارثة في السوق القديم، أثارت بلبلة حول مخطط الجمعية، حيث تقول فعاليات من المدينة إنّ «إزالة الركام سيضيّع حقوق المالكين في السوق، ويغيّر المعالم، بما يسمح للدولة بالتذرّع بأنها عملية إزالة غير رسمية وغير مشروعة، طالما لم تحصل عن طريق عملية تلزيم حكومية كما هو مفترض». ويخشى هؤلاء أن «تتخذ الحكومة من الأمر ذريعة لتنفيذ المخطط التوجيهي، دون الأخذ في الحسبان التعويضات المستحقة لأصحاب المحال، لا بل الاستفادة من عملية التدمير الإسرائيلية لعدم الاعتراف بالمتاجر القديمة».

لذلك يطالب وجهاء من المدينة، وأصحاب محالٍ في المربع التجاري، نواب المنطقة في كتلتَي «الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير»، بالتحرّك إما في مجلس النواب، أو عبر وزراء «حزب الله» و«حركة أمل»، بالعمل على تجميد مفاعيل المخطط التوجيهي، أو تنفيذه بشرط التعويض على أصحاب المحال المبنية قبل صدوره، وفقاً لما ينص القانون. مع التمييز بين أصحاب المحلات تلك وعددها يفوق العشرة، وبين المتعدّين على الملك العام، وهؤلاء يؤكد الجميع أنّ أحداً لا يدافع عنهم.
من جهته، قال رئيس بلدية النبطية خضر قديح لـ«الأخبار»، إن المتعدي على الطريق العام، ببناء متجرٍ تزيد مساحته عن المساحة المسموحة قانوناً له، لن يُعاد بناء متجره إلا وفقاً للأصول. لافتاً إلى أنّ البلدية، جهة إشرافية على إعادة الإعمار، التي تقرر الحكومة اتجاهها بالنسبة إلى المربع محل الإشكالية حيث يمر المخطط التوجيهي. مع تشديده على أنّ عملية إزالة الركام من قبل النادي الحسيني حصلت بعد مسح فريق مجلس النواب للمنطقة، وفي رأيه «لا يؤثّر رفع الردم في حفظ الحقوق».

من جهته، قال المدير التنفيذي للنادي الحسيني مهدي صادق، إن مبادرة النادي، منفصلة عن مسألة تنفيذ التخطيط من عدمه، على اعتبار أنه مسألة «تقررها الحكومة». كاشفاً أنّ اجتماعاً عقده الشيخ صادق ضم نواب المدينة والمحافظة هويدا الترك، ورئيس البلدية خضر قديح، وممثلين عن مجلس الجنوب والتنظيم المدني ونقابة المهندسين والدوائر العقارية. وتقرر بناء عليه، إطلاق مبادرة لإعداد دراسة تقوم على «اغتنام الفرصة لتلافي أخطاء الماضي، وإعادة بناء السوق بطريقةٍ نموذجية تخفّف من زحمة السير، لكن تحت سقف المحافظة على حقوق كل صاحب حق»، على أن تقدم الدراسة إلى الجهات التي ستتكفل بإعادة الإعمار. وقد تألفت على هامش اللقاء أيضاً، لجنة فنية وقانونية، مهمتها متابعة عملية إعادة إعمار السوق، ومراقبة الجهات المنفّذة.

وإلى أن تتبلور مسألة إعادة الإعمار، وبتمويلٍ من السيد علي السيستاني، بوصفه المرجعية الدينية في النجف، أطلق النادي مبادرته، بإنشاء 95 متجراً على نسق البيوت الجاهزة، ووضعها في مساحةٍ تبلغ 6 آلاف متر مربع تتبع للوقف تديرها الحسينية، في منطقة البيدر اللصيقة للسوق التجاري، تُقدّم بالمجان ولمدة عامين لأصحاب المتاجر المدمرة كلياً، وستكون معزّزة بمرآب سيارات وممرات وأنشطة جاذبة.
ويشرح صادق، أنّها «خطوة ستلي عملية رفع الردم من السوق التجاري، والذي نحرص على إزالته بعناية وبطء بما يخدم الكشف على كل متر مربع، وإمكانية استخراج المحتويات، ثم نضعه في عقار خاص بناء لموافقة صاحبه، أما ما يستخرج منه من حديد، فيكون من حصّة المتعهّد لقاء أن نحظى بسعرٍ مخفّض كبدلٍ لرفع الردم الذي هو على نفقة النادي، وهو لا يتم إلا بعد موافقة مالك المتجر المهدّم وبترخيص من البلدية، بعد أن حسمنا أن بقاء الردم لن يعطي دليلاً إضافياً للملكية».

الى ذلك، يتحدث المعنيون في النبطية عن دور العتبتين الحسينية والعباسية في العراق في دعم النادي الحسيني في النبطية، من أجل تقديم المساعدات للعائلات العائدة إلى المدينة ومحيطها. وعليه قدّم النادي الحسيني، عبر هذا الدعم بشكل رئيسي، ودعم بعض النبطانيين الميسورين، 1000 وجبة ساخنة، و550 مدفأة وقوارير غاز، وأدوات منزلية، ومعونات غذائية (4700). إضافة إلى استئجار مبنى مؤلف من 14 شقة سكنية لمدة عامٍ ونصف، وتقديمها لـ14 عائلة من عائلات الشهداء مقابل إيجارٍ رمزي (100 دولار شهرياً).

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب