مسارات بلاغية وتحولات بصرية في لوحات خالد الساعي
محمد البندوري
ترتكز التجربة التشكيلية للفنان السوري خالد الساعي على أشكال تعبيرية جديدة، فهو يشتغل على أسلوب فني يمتح من التشكيل والخط كل المفردات التي تنتج بلاغة معاصرة. إذ يستقي مادته من تفاعليات فنية تتجاذب على مستوى البناء الفضائي، وعلى مستوى التقنيات العالية، وعلى مستوى الجهاز المفاهيمي بكل مقوماته، فأعماله تتبدى في مشاهد فلسفية، بصياغات بلاغية ذات دلالات قوية، حيث يعمد إلى روابط علائقية تتراءى بين العلامات والألوان والمادة الحروفية، فيلجأ من خلال عملية البناء إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعماله، ويفصح عن التراكمات الرمزية، والأشكال والدلالات العميقة، والعلامات الأيقونية، التي تنبثق أساسا من الأشكال والألوان المحايدة لما يبدعه من الحروفيات، التي يؤصل بها لفلسفة قيمية تستجيب لتطلعات العمل الحروفي المعاصر في نطاق ثقافة تشكيلية تفاعلية، حيث تشكل الرؤية البصرية بمختلف عناصرها ومفرداتها أهم الأساليب التشكيلية المعاصرة التي تنتج بلاغة فنية جديدة يحولها إلى دلالات متنوعة، وهي تفصح عن كل ما تختزنه المادة الفنية من تأثيرات جمالية، ومن تصورات ورؤى متعددة المعاني، يجسدها الفنان خالد الساعي بأسلوب فني خارج عن المعتاد، وبفنيات تشكيلية عالية، وتقنيات فائقة، وبعلامات لونية رائقة، وأشكال تعبيرية فصيحة، تتقصد المادة الحروفية البلاغية الجديدة التي يبهج بها الفضاء الفني المعاصر، ليتفرد بهذا الإنجاز.
إنه البعث الجمالي والحقيقة الفنية والتعبير الفلسفي الذي يدل على خاصيات التعدد الإيحائي. وعلى قوة الإلهام وصدق التعبير. وهي سمة رائدة تدل على انغماسه في الفن التشكيلي المعاصر بحرفية كبيرة، وموهبة ذاتية، ومهارات ومؤهلات فائقة، وتقنيات معاصرة عالية، وكفاءة فنية لائقة، إذ يشتغل بكثير من الدقة والعناية والتوظيف الجمالي البديع، والتشكيل الفني المحكم.
ثم إن خاصية التعدد العلاماتي والإيحائي وكل ما يرمز به في منجزه التشكيلي والحروفي؛ يُحدث حركات تُخلخل السكون وتقوم بتغيير الشكل التعبيري الذي يروم تعددية الدلالات ويتيح تنوع القراءات. فهو يبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، وإنه أيضا يروم الإفصاح عن معجم دلالي يجول بالقارئ في عمق الصورة الحروفية بصيغ إشكالية جمالية متعددة، يتقصد بها مجموعة من الجدليات وفق مجموعة أخرى من المفردات والعناصر والعلامات المتوازنة في ما بينها، وهو بذلك يمنح أعماله حيزا كبيرا من الحرية في التعبير، ونوعا من التلقائية، بتفاعل مع نظام الفضاء في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تترجم بلاغته الحروفية، والاستخدامات التحولية التي تشكل نموذجا في عصرنة المادة الحروفية في سياقها الفني الذي يقود إلى عوالم توجه المسالك التعبيرية، وإلى إنجازات تشكيلية غير مسبوقة، على مستوى الشكل والتقنيات وطرائق الوضع والمسح والتركيب وتوظيف الرمز، وتثبيت العلامات، واختزال المساحة، وإرداف اللون على اللون وتشكيل الحرف من الحرف، وتبئير الفراغ.. ليقارب أشكال أعماله الفنية بالمادة البصرية التي تتوافر فيها الرؤية الموضوعية للحروفية بكل مقوماتها وتفاصيلها وتجلياتها وجمالياتها، وبأبعادها الفنية الملموسة، لتبرز في رونق وجمال فائق، فتجربته الفنية الموفقة وخبرته العالمة تجعله رائدا في الفن التشكيلي المعاصر. باختياراته الفنية المباشرة، التي تستشرف العالم التشكيلي المعاصر ببلاغة فنية جديدة. وبأسلوب رائد وخصب يكتنز مجموعة من المعارف التشكيلية والمعالم الفنية التي تندرج ضمن نسيجه الثقافي والمعرفي والفني والجمالي، وتتقوى بحضوره المائز في الساحة التشكيلية العالمية.
كاتب سوري