الصحافه

إدارة بايدن قوضت النظام الدولي القائم على القواعد وإعادة بنائه صعبة مثل إعمار غزة

إدارة بايدن قوضت النظام الدولي القائم على القواعد وإعادة بنائه صعبة مثل إعمار غزة

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا للصحافي جدعون راتشمان قال فيه إنه لم يتضح بعد ما إذا كان وقف إطلاق النار في غزة سيدخل حيز التنفيذ. ولكن إذا كانت الحرب في طريقها للنهاية، وبالفعل، فماذا يعني ذلك بالنسبة للعالم؟

بالنسبة لإسرائيل، يبدو التأثير ذا حدين. يستطيع زعيم البلاد بنيامين نتنياهو أن يزعم أنه حول مأساة وطنية إلى نصر استراتيجي. لقد دُمرت حماس، وإن لم تكن دُمرت بالكامل. كما تم إضعاف حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة التي كانت الجزء الأكثر تسليحا وتهديدا في “محور المقاومة” الإيراني.

 لقد تبادلت إيران وإسرائيل الضربات المباشرة. لكن معظم الصواريخ الإيرانية فشلت في اختراق دفاعات إسرائيل وحلفائها – وتبدو الجمهورية الإسلامية في موقف أضعف مما كانت عليه لعقود عديدة.

وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لنتنياهو بارتكاب جرائم حرب وهو ما يضعه في نفس الفئة القانونية مع فلاديمير بوتين

وعلى المستوى الاستراتيجي، تخرج إسرائيل من هذا الصراع كقوة عظمى في الشرق الأوسط – مع استعادة ردعها العسكري بالكامل وأعدائها في حالة من الفوضى. ولكن في مقابل ذلك، عانت إسرائيل من أضرار جسيمة على سمعتها. ويعتقد أن حوالي 46,000 شخص قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي وتحولت غزة إلى أنقاض. ووجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لنتنياهو بارتكاب جرائم حرب وهو ما يضعه في نفس الفئة القانونية مع فلاديمير بوتين. ومثله كمثل الزعيم الروسي سوف يجد نتنياهو الآن صعوبة كبيرة في السفر دوليا.

وانخفضت شعبية إسرائيل في استطلاعات الرأي الدولية. والشباب حتى في الولايات المتحدة أصبحوا أكثر عدائية تجاه إسرائيل. وخلص استطلاع بيو في نيسان/ أبريل إلى أن “الأمريكيين الأصغر سنا هم أكثر ميلا للتعاطف مع الشعب الفلسطيني من الإسرائيليين”. وقال ثلث البالغين ممن هم تحت سن الثلاثين إن تعاطفهم ينصب بالكامل أو في الغالب على الشعب الفلسطيني مقارنة بـ 14% ينحازون إلى إسرائيل.

وربما عول الإسرائيليون على تراجع الآراء بمرور الوقت وخاصة إذا تمت استعادة السلام. ويعتقد نتنياهو وحلفاؤه أيضا أن الأصدقاء في البيت الأبيض سوف يكونون أكثر أهمية من الأعداء في الجامعات الأمريكية.

ولكن صداقة ترامب قد لا تكون غير مشروطة. لقد أصيب اليمين المتطرف في إسرائيل بصدمة ملموسة بسبب دعم الإدارة الأمريكية الجديدة لاتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذي تفاوض عليه البيت الأبيض بقيادة جو بايدن. وعول اليمين في إسرائيل بأن يمنحه ترامب حرية كاملة للتعامل مع الفلسطينيين كما يراه مناسبا، وبهذه المثابة تلقوا ضربة موجعة.

 وقال الكاتب إن قرار ترامب بالضغط بقوة من أجل السلام الآن قد يعكس عاملين رئيسيين. الأول هو رغبته في الحصول على الفضل في التوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الرهائن. والثاني هو أنه في حين تتمتع إسرائيل بدعم قوي من اليمين الجمهوري، إلا أنها ليست الدولة المهمة الوحيدة في المنطقة. خلال رئاسته الأولى، كانت أول رحلة لترامب إلى الخارج إلى السعودية.

ومن المرجح الآن أن تدفع إدارة ترامب القادمة نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية – وهو ما كان أيضا هدفا رئيسيا لإدارة بايدن. ومن المحتمل أن يقدم هذا بريقا من الأمل للفلسطينيين، حيث يُعتقد على نطاق واسع أن الثمن السعودي للتطبيع سيكون تقدما ملموسا نحو إقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، قد يكون هذا ثمنا يجد الإسرائيليون أنفسهم غير راغبين في دفعه، مما قد يعني أن الصفقة السعودية الإسرائيلية تظل سرابا.

الأمريكيون الأصغر سنا هم أكثر ميلا للتعاطف مع الشعب الفلسطيني من الإسرائيليين”. وقال ثلث البالغين ممن هم تحت سن الثلاثين إن تعاطفهم ينصب بالكامل أو في الغالب على الشعب الفلسطيني مقارنة بـ 14% ينحازون إلى إسرائيل

كما كانت للحرب في غزة أهمية عالمية وإقليمية. ومن بين الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين مترددين في ممارسة الكثير من الضغوط على إسرائيل اعتقادهم بأن إيران عدو مشترك. على مدار العام الماضي، تحدث المسؤولون الغربيون بشكل متزايد عن اعتقادهم بأنهم يخوضون الآن صراعا عالميا ضد “محور خصوم” فضفاض يتألف من روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.

وبإضعاف إيران، أضعفت إسرائيل أيضا هذا المحور. كان سقوط نظام الأسد في سوريا، إلى حد كبير، نتيجة للهجوم الإسرائيلي المدمر على حزب الله، الذي كان حليفا رئيسيا لبشار الأسد.

كان انهيار سلطة الأسد، بدوره، ضربة كبيرة لكل من إيران وروسيا، التي تدخلت عسكريا نيابة عنه. كانت روسيا تستخدم سوريا كقاعدة لإبراز قوتها والآن عليها أن تتراجع. ومن المفارقات أن إسرائيل نفسها كان لها رد فعل أكثر حذرا على سقوط الأسد من العديد من الدول الغربية، خوفا من انتقال القوى الجهادية إلى فراغ السلطة في سوريا.

وفي النهاية فالضحية الأخرى لحرب غزة كان “النظام الدولي القائم على القواعد” الذي روجت له إدارة بايدن. لقد أدى التعاطف والدعم لإسرائيل بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى دفع الولايات المتحدة إلى التسامح مع الانتهاكات المتكررة للقانون الإنساني الدولي أثناء الهجوم الإسرائيلي على غزة. إن إعادة بناء النظام القائم على القواعد قد يكون بنفس صعوبة إعادة بناء غزة.

 

 – “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب