عربي دولي

وساطة قطرية بين القاهرة ودمشق: حكومة الشرع تنشر خطّتها لـ«دمج الفصائل»

وساطة قطرية بين القاهرة ودمشق: حكومة الشرع تنشر خطّتها لـ«دمج الفصائل»

في وقت تتمسك فيه مصر بموقفها الحذر تجاه صعود «هيئة تحرير الشام»، وتبدي مخاوفها من تحوّل سوريا إلى «بؤرة للإرهاب»، على رغم التطمينات القطرية لها ولغيرها من القلقين، والانفتاح الأوروبي المتواصل على دمشق، كشفت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عن خطتها لدمج الفصائل وبناء جيش سوري جديد. وفي تصريحات إلى وسائل إعلام محلية، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إن بلاده تتشارك مع محيطها العربي في أمرَين اثنين حول سوريا؛ الأول يتعلق بإطلاق عملية سياسية تشمل جميع السوريين، والثاني يرتبط بالأوضاع الأمنية بعد انهيار النظام، وخصوصاً في ظل وجود فصائل غير سورية ومقاتلين متشددين في صفوف «تحرير الشام».

ورفض الوزير المصري، الذي لا تزال بلاده متوجسة من الأوضاع في سوريا، إلى جانب بعض الدول العربية، من مثل الجزائر وتونس، تحديد موعد لزيارة دمشق، على غرار بعض وزراء الخارجية العرب الذين توافدوا إلى سوريا بعد سقوط النظام، مشدداً على أن خطة كهذه يجري اتخاذها «وفق ما تقتضيه المصالح الوطنية المصرية، وعلى أساس ترجمة الأقوال إلى أفعال ملموسة»، وفق تعبيره. وتابع أن «سوريا دولة شقيقة، وما يحدث فيها يهمّنا، وخاصة في ظل وجود أكثر من مليون ونصف مليون سوري على الأراضي المصرية»، مضيفاً أن التواصل الذي تم بينه وبين وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشباني، خلال الاجتماع الموسع الذي استضافته الرياض، الأسبوع الماضي، يعدّ «طبيعياً». وقال: «من الطبيعي أن نتابع الأوضاع هناك ونتواصل مع السلطة الانتقالية لتقييم الوضع ونقل أي نصائح أو شواغل حتى تأخذها بعين الاعتبار»، نافياً، في الوقت نفسه، مناقشة الدول العربية قضية مشاركة سوريا في الاجتماع الوزاري في «جامعة الدول العربية»، والمقرر عقده في شباط المقبل.

وتأتي تصريحات الوزير المصري، بعد اتصال هاتفي أجراه به رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عقب عودة الأخير من زيارة لسوريا التقى خلالها قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع. ويندرج هذا الاتصال في إطار وساطة قطرية لتقريب وجهات النظر، وضمان قبول عربي جامع للإدارة الجديدة في سوريا، وخصوصاً من جانب مصر التي يحمل عدد من مقاتلي «الهيئة» جنسيتها، وبعضهم يدعو إلى الإطاحة بالرئيس المصري، عبد الفتاح السياسي، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً. ولا تقتصر الوساطة القطرية على استمالة الدول العربية القلقة؛ إذ أعلنت الدوحة، الشريك الثاني بعد أنقرة لـ«هيئة تحرير الشام»، أنها باتت تتصدر جهود رفع العقوبات عن دمشق، إلى جانب تقديمها حزمة من المساعدات، بينها مساعدات مالية لدعم رواتب الموظفين وشحنات وقود، وهو ما بدأت تطبيقه بإرسال ناقلة غاز قبل أيام.

ثمّة شكوك حول قيام أنقرة بوضع نقاط عسكرية متقدمة في اللاذقية

وأول من أمس، زار وفد من «جامعة الدول العربية»، برئاسة الأمين العام المساعد لـ«الجامعة»، حسام زكي، دمشق، حيث التقى الشرع والشيباني الذي دعا «الجامعة العربية» إلى تسليم المقعد السوري للإدارة الجديدة، وإلى «فتح صفحة جديدة والمساعدة في عملية إعادة الإعمار»، فيما قال زكي إن «الجامعة تعمل مع الدول الأعضاء لتفعيل مشاركة سوريا». وبالتوازي مع ذلك، استقبل الشرع وفداً نرويجياً، برئاسة إسبن بارث إيدي، وزير الشؤون الخارجية. وذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) أنه تمّت، خلال اللقاء، الذي حضره الشيباني، مناقشة آخر المستجدات في سوريا وسبل تعزيز التعاون بين البلدين. وفي مؤتمر صحافي، عقب اللقاء، أعلن الشيباني أن الإدارة الجديدة تعمل على تشكيل حكومة شاملة «تقوم على مبدأ العدالة والحرية والكرامة»، معتبراً أن أبرز التحديات التي تواجه دمشق الآن هي العقوبات التي باتت تستهدف المواطن البسيط وتشكل عبئاً على حياته اليومية. وقال: «نتطلّع بتفاؤل نحو اجتماع الاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الجاري لرفع العقوبات عن سوريا»، معتبراً أن النرويج تلعب دوراً مهماً في هذا الشأن، ومرحّباً بـ«الشراكات الاستراتيجية (مع النرويج) والتي تعود بالنفع على شعوبنا وتعزز الأمن والاستقرار». بدوره، أشار بارث إلى أن علاقة بلاده مع سوريا «أصبحت أفضل الآن»، معلناً أن سفارة بلاده ستعود إلى العمل قريباً في سوريا.

أما على الصعيد الداخلي، فكشفت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عن خطتها لدمج الفصائل وتشكيل جيش سوري جديد. ونشرت الوزارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رؤوس أقلام للخطة، التي جاءت بعد عقد 47 اجتماعاً بين وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، وأكثر من 60 تشكيلاً عسكرياً. إذ تم الإعلان عن تشكيل لجنة عليا لتنظيم بيانات القوات المسلحة، مهمتها إعداد قوائم بالمقاتلين والأسلحة الموجودة، قبل أن يتم تشكيل لجنة خاصة تقوم بكتابة النظام الداخلي للوزارة، التي تعرّضت لانتقادات حادة فور الإعلان عن تشكيلها على خلفية ترفيع مقاتلين غير سوريين ومنحهم رتب ضباط في الهيكلية الأساسية للجيش، علماً أن من بينهم مقاتلين أتراكاً وتركستانيين وشيشانيين. وبينما تحاول وزارة الدفاع التسويق لخطتها المعلنة على أنها خطوة كبيرة على طريق تشكيل جيش سوري جديد، تواجه هذه الخطة عقبات عديدة، أبرزها الخلافات الكبيرة بين فصائل موجودة في الشمال السوري و«هيئة تحرير الشام»، إلى جانب الخلافات الظاهرة بين فصائل الجنوب السوري (درعا والسويداء) و«الهيئة»، والتعقيدات الكبيرة التي تواجهها المباحثات الجارية مع «قسد» التي تتمسك ببقاء هيكليتها بعد الانضمام إلى الجيش، الأمر الذي أعلن وزير الدفاع رفضه.

بدورها، أجرت الحكومة المؤقتة تغييراً في إحدى الوزارات السيادية، عبر تعيين وزير جديد للداخلية يعدّ من الضباط المنشقين عن النظام السابق، في ما يبدو محاولة لامتصاص الغضب الذي أثاره اعتماد الشرع على المقربين منه وتهميش الضباط المنشقّين. ويعدّ الوزير الجديد، علي كدة، الذي تسلّم المنصب خلفاً لمحمد عبد الرحمن الذي جرى تكليفه بمهام محافظ إدلب، وبرغم خلفيته المعلنة، إحدى أبرز الشخصيات المقربة من الشرع، إذ كان يشغل منصب نائب وزير الداخلية في «حكومة الإنقاذ» التي كانت تدير إدلب ما بين عامَي 2018 و2019. كما تولى رئاسة مجلس الوزراء في «حكومة إدلب» منذ عام 2019 حتى آذار 2024، حين عُيّن محمد البشير رئيساً للوزراء بدلاً منه.
إلى ذلك، تسبّب رفع العلم التركي في بعض مناطق ريف اللاذقية الشمالي بجدل واسع في الشارع السوري، وسط شكوك حول قيام أنقرة بنصب نقاط عسكرية متقدمة في اللاذقية، وعودة فصائل تركمانية إلى قرى في ريف اللاذقية الشمالي، حيث أقامت احتفالات كبيرة للمناسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب