شمال غزة بعد الاتفاق.. حين يصبح الركام شاهدا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي
شمال غزة بعد الاتفاق.. حين يصبح الركام شاهدا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي
غزة: على امتداد البصر في شمال قطاع غزة، تبدو الأرض وكأنها خرجت للتو من زلزال مدمر، فلا شيء يشبه ما كان عليه الحال قبل حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
نازحون فلسطينيون هجرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة، عادوا إلى منازلهم اليوم بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لكنهم صدموا من حجم الدمار الذي لحق بالأبنية السكنية جراء الإبادة التي ارتكبتها تل أبيب.
ذلك الدمار جعل العائدين إلى مناطقهم في الشمال محملين بألم الفقد، وهم شواهد حية على ما أسمته الفلسطينية سعاد العطار، “الإعدام الجماعي للشعب الفلسطيني”.
وصباح الأحد، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، يستمر في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما، ويتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة.
ومن المقرر أن تفرج سلطات الاحتلال، الأحد، عن 90 أسيرا وأسيرة، بينهم 20 طفلا، بعد أن أطلقت حركة حماس سراح الأسيرات الثلاثة.
إبادة جماعية
العطار، سيدة فلسطينية في عقدها الرابع، وقفت مذهولة قرب ركام منزلها المدمر للمرة الثالثة في منطقة جباليا، محاطة بجدران نصف قائمة، وتقول للأناضول: “ما هذا الدمار؟!! لا نجد بيوتًا نعود إليها، وهذه المرة الثالثة التي يهدم فيها الجيش الإسرائيلي منزلي”.
وتصف العطار، التي تغطي رأسها بوشاح مليء بغبار ركام الشوارع، الواقع بـ”الكارثي”.
وتضيف: “كنت أتمنى أن أجد غرفة واحدة صالحة للعيش، لكن كل شيء انتهى”.
وتقول والدموع في عينيها: “ما زالت الجثث تحت الأنقاض، شبابنا وأولادنا، وحتى أحلامنا دفنت معهم. هذا ليس دمارًا، هذه إبادة جماعية، وإعدام جماعي للفلسطينيين”.
لن أترك أرضي
الفلسطيني محمد النجار (57 عاما)، عاد إلى المكان الذي كان منزلا يحتضنه وعائلته، ليجد الركام عنوانا جديدا للمشهد.
النجار، يقف بجانب الركام في جباليا، ويقول: “دمار لا يوصف، حرب إبادة إسرائيلية شاملة. منزلي دُمر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والآن منزل ابني أيضًا”.
ويضيف: “سأذهب الى منزل شقيقي لعلّي أجده قائما، ولو اضطررت سأنصب خيمة وسط الشارع. هذه أرضنا، ولن أتركها”.
الطفل سمير تاري (12 عاما)، يجلس فوق أنقاض منزله، وهو يبكي بحرقة ويحكي مأساة فقدان أسرته.
ويقول تاري: “6 من أفراد عائلتي استشهدوا بسبب القصف الإسرائيلي. لم نتمكن من إخراجهم، جميعهم من تحت الركام”.
ويضيف بحزن عميق: “هذا الدمار يشبه الزلزال، كأنه ابتلع حياتنا بالكامل، ونحن بحاجة لسنوات طويلة حتى نعيد إعمار منازلنا ومدارسنا، إذ لا يوجد مكان سليم هنا”.
ورصدت الجرافات التي أرسلتها بلدية جباليا وهي تعمل دون توقف، لإزالة الركام وفتح الطرقات، لكن الشوارع لم تعد صالحة، بل أصبحت ركاما.
ويرفع شاب فلسطيني وسط هذا المشهد علم فلسطين فوق أنقاض منزله بجباليا، في إشارة إلى تشبثه بأرضه ورفضه النزوح.
ولم تسلم عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في جباليا من الاستهداف الإسرائيلي الذي حولها إلى ركام بعد أن كانت ملجأ للمرضى والمصابين.
الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة، بات لوحة من الخراب، تعيد صياغة معالم المكان بشكل لا يشبه ماضيه.
وتُعد هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها الفلسطينيون من دخول شمال قطاع غزة منذ بدء العملية العسكرية البرية الإسرائيلية المكثفة في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وعاد النازحون مشيًا على الأقدام، أو باستخدام عربات تجرها دواب ودراجات هوائية، في ظل تدمير واسع للبنية التحتية والنقص الكبير في المركبات وعدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها، بسبب الحصار الإسرائيلي المطبق على شمال قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية.
وامتلأت الشوارع بجثث متحللة لشهداء فلسطينيين استهدفهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في أيام الاجتياح الذي بدأ في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما تفاجأ الأهالي من حجم الدمار الكبير بالمنطقة جراء الإبادة الإسرائيلية.
وتأتي عودة النازحين وسط آمال بأن يساهم اتفاق وقف إطلاق النار في تهدئة الأوضاع، وفتح الباب أمام جهود إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا في قطاع غزة الذي يعاني من دمار واسع النطاق جراء الإبادة الإسرائيلية.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
(وكالات)