
العودة إلى أحضان ماسبيرو الدافئة!

سليم عزوز
أخيراً عادت القناتان الأولى والفضائية المصرية إلى أحضان «ماسبيرو» الدافئة! فقد نشرت المواقع السيارة خبر العودة، بالبنط العريض، فأدهشني الأمر، فهل كانت القناتان انفصلتا عن المبنى العريق، دون علمي، وأنا الذي أزعم أنني أراقب المشهد الإعلامي المصري عن كثب وبتفاصيله؟!
الخبر مصحوب بصورة جمعت بين أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وطارق نور رئيس الشركة المتحدة، وعندما غادرت العنوان، دون تأمل الصورة، اكتشفت أنه الموضوع ذاته الذي تعرضنا له أكثر من مرة في هذه الزاوية، عندما تم اسناد مبنى ماسبيرو للشركة المتحدة بهدف تطويره، قبل سنوات، وكانت ثمرة هذا الزواج بالإكراه برنامجين أحدهما لفنان وابنته، وتقريباً توقف الآن، والآخر لوائل الإبراشي، الذي كان البرنامج فألاً سيئاً له، إذ أصيب بالفيروس اللعين (كورونا) وتوقف لفترة طويلة عن تقديمه، وخلال هذه الفترة تم استدعاء يوسف الحسيني من «النيش» ليحل محله، فلما قضى وائل نحبه استمر الحسيني ليصبح المؤقت دائماً، ولا أعرف إن كان البرنامج ما زال يقدم إلى الآن أم توقف، وإن كنت أطالع تجليات يوسف عبر منصات التواصل الاجتماعي باعتباره كان تلميذا شاطراً في الاقتصاد، فلا أعرف إن كانت فيديوهاته قديمة أم حديثة؟!
الوافدون إلى ماسبيرو
ومهما يكن الأمر، فقد أحدث البرنامجان أزمة مكبوتة في البداية، عبر عنها أبناء ماسبيرو على منصات التواصل الاجتماعي، وهم لديهم حساسية من الوافدين من خارج المبنى باعتبار أن جحا أولى بلحم ثوره، والحجة التي رفعت في عهد الرئيس محمد مرسي لعدم عودة برنامج «رئيس التحرير» لحمدي قنديل، كانت أن أبناء ماسبيرو يرفضون، وهو ما انتقدناه في هذه الزاوية في حينه، فهذا برنامج لم يتحمله العهد البائد، فأوقفه، ومن المفترض أن تكون أول تجليات الثورة في مجال الإعلام هي عودة البرنامج للشاشة!
لكننا كنا نعيش «البزراميط»، والجهل التام بملف الإعلام ممن تخطوا الرقاب في هذه المرحلة ليمثلوا الثورة، حد عدم إدراك أزمة أن يتم تصعيد ثروت مكي لمنصب رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهو الذي قرر، أن يقوم بدور «صبي المعلم» على النحو الذي وصفناه به في وقته في هذه الزاوية أيضاً، وكان المعلم هو صفوت الشريف، وزير الإعلام الذي أوقف برنامج حمدي قنديل وأمام ثورة الرأي العام انبعث أشقاها وقال إنه هو، وليس الوزير، الذي أوقف البرنامج. وندرك أنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً، لكنها ثقافة: «أفديك برقبتي يا معلم»!
لم يكن التعلل بأن أبناء ماسبيرو يحتجون على إعادة عرض برنامج حمدي قنديل مبرراً، فلم نسمع لهم صوتاً ضد الوافدين في ظل قوة دولة مبارك، مثل محمود سعد مثلاً، أو برنامج عهد به لأحد الصحافيين ليقلد «الاتجاه المعاكس»، وكان باهتاً؛ البرنامج ومقدمه. وأيضاً عندما مُنح صاحب شركة خاصة للدعاية مساحة كبيرة ليقدم برنامجاً يصول فيه ويجول، وهو ما تعرضت له في وقته، وناقشتني في أمره الراحلة سهير الأتربي رئيسة التلفزيون، فلما «غلب حمارها» معي، قالت لي إنه قدم للتلفزيون عقداً من إحدى شركات المياه الغازية بثلاثة ملايين جنيه في السنة، فلما قلت لها إنه لا يجوز للتلفزيون المصري أن يرضخ لجنوح صاحب عقد كهذا، قالت لي عموما هو من «طرف الوزير»، وكانت تقصد وزير الإعلام صفوت الشريف، فقطعت قول كل خطيب! عندما جاء وائل الإبراشي لبرنامجه على القناة الأولى، كان بعد مرحلة غضب فيها عليه الآلهة لاستضافته للفريق أحمد شفيق في مداخلة ببرنامجه على قناة «دريم»، ومع تمسك صاحب القناة رجل الأعمال أحمد بهجت به، كانت هذه فرصة لابتزازه حتى يبيع القناة للمنظومة الحاكمة، ثم تم التوصل معه على بيع نصفها لهم مقابل عودته، فلما باع كانت العودة لماسبيرو، ولا نعرف مصير «دريم» الآن بعد وفاة أحمد بهجت فمن الواضح أن المتحدة وضعت يدها عليها بالكامل!
عقد التطوير السري
ومع عودة وائل كان يوسف الحسيني مغضوباً عليه أيضاً وأحيل للاستيداع، ويبدو أن مشكلته كانت في حدود أحد مراكز القوى. ويوسف مقرب من السيسي وظهر هذا جلياً في الديالوغ الذي كان يحدث بينهما في اللقاءات العامة، وأذيع أن السيسي عرض عليه منصباً حكومياً فاعتذر عن ذلك، ويبدو أنه شبيه باعتذار معتز عبد الفتاح عن قبول منصب وزاري في عهد الرئيس محمد مرسي، لأن راتب الوزير لا يعادل عُشر راتب مقدم برنامج في قناة «سي بي سي»!
وعندما فاجأهم مرض وائل الإبراشي، يبدو أن السلطة الأعلى تذكرت يوسف الذي جاء يقدم البرنامج بديلاً له، والذي كان باكورة التعاون بين الشركة المتحدة وماسبيرو قبل سنوات!
وكان المعلن هو عقد تطوير لماسبيرو ككل، بكل قنواته، وليس فقط للقناتين الأولى والفضائية المصرية، ولم يكن لهذا معنى إلا أن السلطة أرادت أن تضع يدها على المبنى باسم التطوير، فالتلفزيون المصري أقدم من دول، فكيف يعهد لشركة حديثة بتطويره، وهي بدون سابقة أعمال في المجال، وتملك 17 قناة تلفزيونية هي عنوان الفشل؟!
ما هي بنود الاتفاق؟ لا أحد يعرف، ومن الواضح أن الاتفاق كان مفتوحاً وغير محدد المدة، ولم نشهد أي طفرة جرت لا في الشكل ولا في الموضوع، بل إن برنامجي الشركة المتحدة لا يمكن مقارنتهما مثلا ببرنامج «البيت بيتك»، الذي كان يقدم على القناتين الأولى والفضائية المصرية، فما هو الإنجاز الذي تحقق؟!
في اللقاء الطيب المبارك، الذي جمع رئيسي الهيئة الوطنية للإعلام (المسؤول رسمياً عن ماسبيرو) وطارق نور رئيس الشركة المتحدة، تم الإعلان عن عودة القناتين الأولى والفضائية المصرية لماسبيرو؟!
فهل عقد التطوير يعني انتقال الملكية؟ وهل تطوير المحطات التلفزيونية يشبه تشطيب الشقق، عندما يتسلم المقاول مفتاح الوحدة السكنية ليقوم بما يلزم من دهانات وغير ذلك، ويخلي الساكن مسؤوليته؟
وإذا كان الإعلان في البداية هو أن ما ستقوم به المتحدة هو تطوير ماسبيرو، بما يعني جميع قنواته ومحطاته الإذاعية، فهل يعني عودة الأولى والفضائية، أن ما دون ذلك لا يزال في «عُهدة» الشركة المتحدة؟!
هذا الى جانب تنازلنا عن السؤال المفصلي وهو ألا يعد قيام شركة (خاصة في تعريفها القانوني) تملك وسائل إعلام منافسة، بالتعاقد مع مؤسسة عامة (مثل مبنى ماسبيرو) تضارباً للمصالح؟ وهو تنازل لصالح سؤال استراتيجي عن القيمة التي تحملها ماسبيرو مقابل هذا التطوير، لشركة تجاوزت خسائرها ملياري جنيه، وحق الرد مكفول حول ما أذيع عن قيمة هذه الخسائر؟!
في اللقاء سالف الذكر أشاد رئيس هيئة الإعلام بالجهد الذي بذلته الشركة المتحدة في مشروع التطوير ورفع الكفاءة، وكأنه يتحدث لمجتمع ميت، فأين التطوير وأين الكفاءات المرفوعة؟! اللافت أن رئيس الفضائية المصرية أكد أن قناته تحتاج إلى تطوير هندسي في الأستوديوهات والكاميرات والمونتاج. فماذا فعلت الشركة المتحدة طيلة هذه السنوات؟! لا بأس فقد عادت الأولى والفضائية المصرية للتلفزيون المصري! لقد كانتا في رحلة مدرسية!
أرض جو:
ـ على رأس كل خمس سنوات يظهر جنرال تحتفي به الشاشات، ويتحدث نيابة عن النظام الحاكم، دون أن تكون له صفة رسمية في الدولة، لكنه يكون كالفراشة التي تحلق حول مصدر الضوء إلى أن تحترق!
في مرحلة سابقة كان أحد الجنرالات اسمه اللواء حمدي بخيت، يحلق بجناحيه في السماوات المفتوحة، وهو من تبنى العلاج بالكفتة ودافع عنه، وأكد أنه تم تجريبه وأفاد البشرية. ثم انزوى، ولا نعرف أين أراضيه الآن؟
ونجم المرحلة في هذه الأيام هو اللواء سمير فرج، الذي يتنقل بين القنوات والأستوديوهات وكأنه المصدر الرسمي والوحيد باسم السلطة، وهو يقول كلاماً في مستوى أسر قائد الأسطول الأمريكي بواسطة الضفادع المصرية.
ولم يكن آخر ما قال إن أمريكا عرضت على السيسي أن تسدد ديونها مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء، وهنالك رد عليهم السيسي: مصر لا تشترى؟!
هل هي جرأة ليس فقط في التأليف، ولكن بجانب هذا في اقحام اسم السيسي في ذلك؟! ليس لمصلحة العسكرية المصرية هذا المستوى من الأداء!
صحافي من مصر