الصحافه

أولمرت إزاء إرهاب إسرائيل: لم أعد أحتمل الصمت وسيحاولون إسكاتي كما فعلوا مع يعلون

أولمرت إزاء إرهاب إسرائيل: لم أعد أحتمل الصمت وسيحاولون إسكاتي كما فعلوا مع يعلون

إيهود أولمرت

لا أتذكر قلقاً وعدم صبر وأملاً مثل هذه الساعات التي انتظرنا فيها تحرير المخطوفات. ولكن ثمة شيء غير دقيق؛ إذ يواصل محاربو المستوطنين في الضفة الغربية التنكيل والاعتداء والإحراق والضرب وتدمير ممتلكات الفلسطينيين الذين يعيشون هنا ويمسون بهم أيضاً.

الكثير من المستوطنين الشبان، وهم غالباً ملثمون أو يرتدون أقنعة لطمس هويتهم، باتوا ينقضون في الأسابيع الأخيرة على قرى في الضفة الغربية، وعملوا بالروح الكهانية الآخذة في الانتشار في أوساط أجزاء واسعة في المجتمع الإسرائيلي. يخرجون للمس بالسكان الفلسطينيين، الذين لا مكان لهم يهربون إليه، أو وسائل يدافعون بها عن أنفسهم، أو شرطة وحرس حدود وجيش لحمايتهم.

في عدد كبير من الحالات، التي لا يتم التحدث عنها بتوسع في وسائل الإعلام لدينا، فإن تلك المعلومات المسبقة التي تقدمها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، تساعدنا في منع العمليات الإرهابية واعتقال القتلة وإنقاذ حياة الناس

لا شك أن هناك إرهاباً فلسطينياً، يتلقى إلهاماً من حماس والجهاد الإسلامي، الذي نشعر بضرره السيئ بين حين وآخر. هذا إرهاب قاتل وعنيف وبلا رحمة أو شفقة. وإسرائيل تحاربه بكل الوسائل، وتستعين بأجهزة الأمن الفلسطينية التي تشارك أجهزة الأمن الإسرائيلية بمعلومات حيوية، وتساعدنا في العثور على الإرهابيين وأماكن اختبائهم واعتقالهم قبل تنفيذ عملياتهم القاتلة.

في عدد كبير من الحالات، التي لا يتم التحدث عنها بتوسع في وسائل الإعلام لدينا، فإن تلك المعلومات المسبقة التي تقدمها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، تساعدنا في منع العمليات الإرهابية واعتقال القتلة وإنقاذ حياة الناس. في حالات غير قليلة، ينجح الإرهابيون في تنفيذ غايتهم. لأنهم يعملون وحدهم في عدد من الحالات، وليس كجزء من منظومة تنظيمية منسقة. لذلك، يصعب تحديد هويتهم والعثور على أمكنتهم واعتقالهم قبل إطلاق النار على المدنيين اليهود وقتلهم.

النضال ضد هذا الإرهاب مهمة رئيسية للجيش والشرطة و”الشاباك”. سيستمر هذا النضال لفترة طويلة، وسنضطر لمواجهة عمليات كثيرة مقرونة بفقدان حياة إسرائيليين في أرجاء الضفة الغربية.

واتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية، الذي لا يلوح في الأفق السياسي الآن، لن يقضي على الإرهاب الفلسطيني في فترة قصيرة. المرارة التي تراكمت في أوساط ملايين الفلسطينيين خلال عشرات سنين الاحتلال الإسرائيلي للمناطق، لن تتلاشى بين عشية وضحاها، ولا في سنة. ستكون هذه عملية طويلة، مؤلمة ومعقدة، سنضطر لتعلم مواجهتها واستيعابها وإحباط تهديدها.

لكن لم يعد أمامنا خيار التسامح مع الإرهاب اليهودي العنيف الذي ينتشر في أرجاء الضفة الغربية. في الأشهر الأخيرة، أصبح شباب في أوساط المستوطنين وكثير من البالغين أيضاً، يرتكبون المذابح دون كابح. هم ينقضون على الفلسطينيين الموجودين قرب المستوطنات التي نفذت قربها عمليات إرهابية، ويدمرون ممتلكاتهم ويحرقون بيوتهم وحقولهم. لا طريقة لطمس هذه الظاهرة، وهي آخذة في الاتساع وتهدد باشتعال نار الانتفاضة الثالثة في أرجاء البلاد.

في الوقت الذي نواجه فيه الحاجة لإنهاء الحرب في غزة، واستكمال إعادة جميع المخطوفين الأحياء ودفن الذين ماتوا، تحدث في المناطق التي هي تحت سيطرتنا العسكرية والأمنية المطلقة، أعمال فتك مثيرة للاشمئزاز كجزء من جهد استراتيجي واع للجهات التي تنفذه لتوسيع الحرب التي نغرق في ألمها منذ 15 شهراً أيضاً إلى داخل قرى ومدن الضفة الغربية؛ كي يؤدي ذلك إلى إخلاء هذه المناطق من السكان وتمهيد الأرض لضمها كاملة لدولة إسرائيل. لا خيار أمام شخص يحترم نفسه لتجاهل هذه الظاهرة وطمس تأثيرها وأخطارها والتهديد الذي تشكله على طابع وقيم المجتمع الإسرائيلي.

للأسف، تتصرف حكومة إسرائيل وكأن هذه الأمور لا تحدث أبداً. في الحقيقة، إن بن غفير المدان بدعم الإرهاب عدة مرات، وتشجيع “شبيبة التلال” [المستوطنين] على العنف الشديد كجزء من روتين حياتهم، لم يعد الآن عضواً في الحكومة، لكن روحه وقيمه وكراهيته ما زالت تملي سلوك الجهات الحكومية في مناطق الضفة الغربية. هكذا نشأ مجال واسع ومريح للجهات الإرهابية اليهودية للعمل بدون خوف من جهات إنفاذ القانون.

في السنة الأخيرة، كانت نشبت أحداث أشعلت الجمهور في إسرائيل لفترة قصيرة، مثل تقارير عن تنكيل الجنود بمخربي النخبة الذين كانوا في نوبات حراسة من قبل قوات الأمن في سجن “سديه تيمان”، واقتحامه واقتحام القاعدة العسكرية “بيت ليد” واستخدام العنف ضد الجنود وخرق قواعد الانضباط الأساسية التي كانت متبعة في إسرائيل منذ عشرات السنين عندما يدور الحديث عن منشآت عسكرية. من الذي تم تقديمه للمحاكمة بين العشرات الذين اعتقلوا لبضعة أيام؟ وضد من اتخذت وسائل قانونية مشددة مثلما يقتضي الأمر من العنف القاسي الذي ميز هذه الأحداث؟

في السنة الأخيرة، جاء مئات من “معتمري القبعات” [المستوطنين] من “المناطق” [الضفة الغربية]، يرافقهم أعضاء كنيست ووزراء في الحكومة، ومنعوا قوافل الشاحنات التي كانت تنقل التموين الإنساني إلى القطاع. يمكن، بل مسموح، التعبير عن الرأي ضد هذا التموين. هذه المواقف عبر عنها عدد غير قليل في إطار الخطاب العام الجاري في وسائل الإعلام الحرة في الدولة. ولكن المستوطنين الذين وصلوا إلى كرم أبو سالم ومعابر غزة اتبعوا أساليب عنيفة لخرق قرارات الحكومة وسلوك قوات الأمن. من الذي اعتقل منهم؟ من تم تقديمه للمحاكمة؟ من دفع ثمن خروقات القانون الإسرائيلي العنيفة؟

لم يتم اتخاذ أي خطوات في هذه الأحداث كما هو مطلوب؛ بل إن شرطة إسرائيل، بإلهام من رئيسها لفترة قصيرة، وقفت جانباً وشاهدت خرق القانون والمس المادي بالشاحنات التي نقلت المواد الغذائية لمحتاجيها وشاهدت تدمير هذا التموين، ولم تتدخل. لم تحاول منع تدمير المواد الغذائية، وكأنها فرع للإرهاب اليهودي الذي عمل بدون إزعاج. في الفترة الأخيرة، عقب أحداث الإرهاب القاسية في منطقة قرية الفندق قرب “أفرايم” [مستوطنة]، خرج المستوطنون وتوجهوا للقرية في حملة انتقام. ومسوا بالممتلكات والبيوت والسكان والمنطقة، وكل ذلك لزرع الخوف والذهول في أوساط الناس هناك.

يمكن الافتراض بأن هذه الحالة، مثل عدد كبير من الأحداث في الضفة الغربية وأعمال شغب الإرهاب اليهودي، ومنها التي انتهت بقتل ابرياء، ستبقى بدون رد مناسب من قبل قوات الأمن لدينا. المشاغبون اليهود لن يتم اعتقالهم، والمذنبون لن يتم إيجادهم، ومن يؤيدون الإرهاب اليهودي ويدافعون عنه يعلنون بكل بغطرسة أن هؤلاء أقلية صغيرة جداً من الشباب غير المنضبطين.

الحديث لا يدور عن أقلية صغيرة، أو عن شباب غير منضبطين، بل يدور عن إرهابيين عنيفين يعملون في مجموعات كبيرة ومنظمة. الحديث لا يدور عن أقلية هامشية، بل عن مجتمع كبير من المشاغبين الذين يملكون السلاح الذي تم تزويدهم به بصورة غير قانونية، بأمر من الوزير بن غفير. هؤلاء الشباب يعملون في مناخ يحتضنهم ويدعمهم، من قبل عدد غير قليل من السكان البالغين الموجودين في الأراضي الفلسطينية.

أعرف أن ما أكتبه سيغضب من أشير إليهم. وسيستخدمون الأدوات التي يخلقها المناخ العام في إسرائيل الآن، لمحاولة إسكاتي. ولكني لم أعد أحتمل الصمت، لأن جزءاً من مناخ العنف والكراهية والإرهاب قد ينزلق أيضاً إلى وحدات الجيش.. وقلت سابقاً في عدة مناسبات وفي نقاشات علنية غير قليلة، بأن من يعتمرون القبعات المنسوجة هم الأكثر شجاعة وجرأة في أوساط الجنود. لا يوجد مثلهم. وليس صدفة أن الكثيرين في أوساط الذين سقطوا في الحرب هم من معتمري القبعات المنسوجة. مثل شوفال بن نتان، الذي قال شقيقه فوق قبره عند تأبينه كيف أنه قتل وأحرق ودمر الممتلكات والبيوت في غزة لا لشيء إلا ليفرح أصدقاءه. هناك أسباب للافتراض أن شوفال لم يكن وحده. حالات كثيرة للعنف القاسي والوحشي كشفت في هذه الحرب. جرائم كثيرة ارتكبت أثناء القتال على يد الجنود والضباط، حتى ضباط كبار في وحدات نخبتنا.

لا أستطيع تبني صيغة الجنرال احتياط موشيه يعلون، الذي اتهم الدولة والجيش بارتكاب تطهير عرقي في غزة. لا أملك التفاصيل والمعلومات التي امتلكها يعلون. وأنا غير محسوب على أصدقائه ومحاوريه. ولكنه شخص نزيه ومحارب شجاع ويمثل الجيش الإسرائيلي، الذي كان ذات يوم بدرجة لا تقل عن كبار المقاتلين في الوقت الحالي.

إن تجاهل تحذير يعلون والقصص التي تروى عن القادة -بما في ذلك قادة الفرق الذين يسمحون لأنفسهم ببث روح التدمير بدون كابح في وضع مطلوب فيه ضبط النفس ويقتضي الحذر من ارتكاب جرائم حرب- أمور يجب أن تقلقنا.

“شبيبة التلال”، لقب أكل عليه الدهر وشرب. الحديث يدور عن شباب الأعمال الفظيعة، الذين يعملون في مناطق هي تحت مسؤولة إسرائيل أمنياً.

لم يكن فشل منع شباب الفظائع صدفياً، بل يمثل سياسة تمثل دولة إسرائيل 2025. إن إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين في الضفة من قبل وزير الأمن، ليس سوى الإشارة. وواضح أنه يمكنهم الهياج لمعرفتهم أن جهاز الأمن الإسرائيلي يعطيهم الدعم والتغطية.

إذا لم نوقف مظاهر العنف وعمليات الفتك فوراً فسنكون جميعاً مسؤولين عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب