عربي دولي

ترامب يهادن فنزويلا: النفط أولاً

ترامب يهادن فنزويلا: النفط أولاً

سعيد محمد

لندن | أطلقت الحكومة الفنزويلية سراح ستة من الرعايا الأميركيين المحتجزين لديها، ووافقت أيضاً على استقبال رحلات عسكرية أميركية لنقل مهاجرين فنزويليين غير شرعيين ألقي القبض عليهم في الولايات المتحدة. وجاء هذا الاختراق الدبلوماسي اللافت بين واشنطن وكاراكاس، في مناخ من تصاعد العدائية بين إدارة دونالد ترامب وعدد من دول أميركا اللاتينية، ولا سيما المكسيك وكولومبيا. كما جاء وسط توقّعات باتجاه العلاقات الأميركية – الفنزويلية نحو مزيد من التصعيد، كما كان الوضع عليه خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي.

وتحقَّق التوافق على مغادرة الرعايا بنتيجة اجتماع عقده، الجمعة، الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، مع مبعوث ترامب للمهمّات الخاصة ريتشارد غرينيل، في قصر ميرافلوريس الرئاسي في كاراكاس. وعليه، غادر المبعوث الأميركي، العاصمة الفنزويلية رفقة السجناء الأميركيين الستة، فيما علّق ترامب عبر منصّته “تروث سوشال” لدى وصول هؤلاء إلى الولايات المتحدة، بالقول: “من الجيّد للغاية أن يعود المحتجزون في فنزويلا إلى أرض الوطن، ومن المهمّ جداً أن نلاحظ أن فنزويلا وافقت على استقبال جميع المهاجرين الفنزويليين غير الشرعيين الذين استوطنوا الولايات المتحدة في بلادهم”. ومن جهتها، وصفت الحكومة الفنزويلية، في بيان، المحادثات بين الجانبين بأنها اتّسمت بـ”الاحترام المتبادل”، موضحة أنها تطرّقت إلى قضايا الهجرة، والعقوبات (الأميركية على فنزويلا)، والرعايا الأميركيين المحتجزين، وأظهرت توافقاً على الحاجة إلى “بداية جديدة” في العلاقات بين واشنطن وكاراكاس. ولم يذكر بيان الحكومة إطلاق سراح السجناء الأميركيين، لكنّ غرينيل نشر صورة له معهم على متن الطائرة التي أقلّته عائداً إلى بلاده من فنزويلا.

وكانت العلاقات بين إدارة جو بايدن السابقة، والنظام الفنزويلي، شهدت نوعاً من الهدوء بعد فشل ترامب، خلال ولايته الأولى، في فرض خوان غاويدو رئيساً بديلاً عن مادورو. وجرى اعتباراً من عام 2023 تخفيف بعض العقوبات على قطاع النفط الفنزويلي، في إطار سعي واشنطن إلى مواجهة اضطراب أسواق الطاقة العالمية على خلفية الحرب في أوكرانيا، والحظر الذي فُرض في أعقابها على النفط الروسي. لكنّ العلاقات عادت وتوتّرت بشكل لافت بعد الإعلان، في تموز الماضي، عن التجديد لمادورو لولاية رئاسية ثالثة، على إثر انتخابات اعتبرها الغرب غير نزيهة لأنها لم تسفر عن فوز مرشّح المعارضة المدعوم من الولايات المتحدة، إدموندو غونزاليس. وقد أعادت واشنطن، في حينه، فرض عقوبات على فنزويلا كانت جمّدتها لبعض الوقت، كما استهدفت العديد من المسؤولين الفنزويليين بعقوبات شخصية.

وجاءت زيارة غرينيل لتطيح (على الأقل مؤقتاً) بتكهن مراقبين نهجاً عدائياً ستتبعه إدارة ترامب حيال فنزويلا، وكان عزّز التقديرات في شأنه تعيين ماركو روبيو، الذي لا يكنّ أيّ ودّ للتشافيزيين في كاراكاس، وزيراً للخارجية. ونقلت صحف عن مطّلعين على أجواء البيت الأبيض، قولهم إن غرينيل، المقرّب من ترامب، قام بالرحلة بعدما لمس إشارات من مادورو إلى استعداده للتحدّث مع الإدارة الأميركية الجديدة. وكان دافع ترامب عن زيارة غرينيل إلى كاراكاس، بالقول للصحافيين في البيت الأبيض، إن “الزيارة لا تمنح بالضرورة الشرعية لرئاسة مادورو”، مستدركاً بـ”(أننا) نريد أن نفعل شيئاً مع فنزويلا. تعرفون أنني كنت معارضاً بلا هوادة لفنزويلا ومادورو. لقد عاملونا مع ذلك بشكل جيّد، لكنهم، وهذا الأهمّ، عاملوا الشعب الفنزويلي بطريقة سيئة”. وسبق أن أجرى ترامب، في الأيام الأخيرة لولايته الأولى محادثات مع مسؤولين فنزويليين، وعقد اجتماعاً خاصاً – في المكسيك – مع خورخي رودريغيز، كبير المستشارين السياسيين لمادورو، ما يشير إلى أن ثمّة قنوات تواصل قد تذلّل العقبات أمام تبنّي واشنطن نهجاً براغماتياً في العلاقات بين البلدين.

تسبّبت رحلة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى كاراكاس بامتعاض واسع في أوساط المعارضة الفنزويلية

ويبدو أن ترامب يريد استخدام فنزويلا – التي تمتلك أكبر رصيد نفطي في العالم – كورقة استراتيجية في جعبته، بينما يتّجه إلى حرب تجارية واسعة النطاق ليس مع الصين – المنافس التقليدي – فحسب، وإنّما أيضاً مع حلفاء بلاده القريبين، من مثل كندا والمكسيك، اللتين فرض عليهما، إلى جانب بكين، تعرفات جمركية باهظة. ورداً على الإجراءات الأميركية، حذّرت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، من أن توقّف تدفّق النفط الكندي جنوباً قد يدفع الولايات المتحدة إلى شراء النفط من منافسين جيوسياسيين، مثل فنزويلا. وقالت: “نحن نشحن النفط بسعر مخفّض يتمّ تكريره في تكساس. إذا لم نكن نحن، فهناك حتماً فنزويلا”. وبالفعل، فإن العديد من المصافي في الولايات المتحدة تعتمد على النوع الثقيل من النفط الذي تنتجه كندا وفنزويلا تحديداً، فيما معظم الإنتاج الأميركي المحلّي من درجة النفط الخفيف.

وتدعم ملاحظاتِ جولي حقيقةُ وجود جهود تبذلها “شيفرون” (أحد عمالقة صناعة النفط في العالم) مع إدارة ترامب، لعدم التعجّل في تقييم الترخيص الذي يسمح لها بإنتاج 200 ألف برميل يومياً في فنزويلا، وذلك بعدما أعلن روبيو أن الخارجية الأميركية قد تعيد النظر فيه. وتحاول الشركة – التي تُعدّ من كبار الداعمين الماليين لحملة ترامب الانتخابية – أن تستغلّ تغيّر الإدارات في واشنطن للحصول على ترخيص بتوسيع عملياتها هناك، محذّرة، على لسان رئيسها التنفيذي مايك ويرث، من أن خروجها من سوق النفط الفنزويلية، سيكون بمثابة فتح للباب أمام الشركات الصينية والروسية، كما أنه قد يتسبّب بمزيد من الضغوط الاقتصاديّة على الفنزويليين، وبالتالي تحفيز المزيد منهم للهجرة نحو الولايات المتحدة.

وعلى المقلب الفنزويلي، تسبّبت رحلة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى كاراكاس بامتعاض واسع في أوساط المعارضة، إذ قال بعض مسؤوليها إن “عدم اكتراث غرينيل بالديمقراطية وحقوق الإنسان، جعل الجميع قلقين للغاية”. ودعا الزعيم المعارض، غونزاليس، الذي يعيش في المنفى، الرئيس الأميركي، الأسبوع الماضي، إلى عدم إبرام صفقة مع مادورو. وكانت معنويات المعارضين الفنزويليين ارتفعت بشكل ملحوظ في الأيام القليلة التي سبقت تنصيب ترامب، وبعد سقوط النظام السوري، حليف مادورو. وتكهّنت زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، بأن الرئيس الفنزويلي يخاطر بفقدان دعم قادته العسكريين، وادّعت بأن جنرالاته حذّروه من غدر حلفائه في موسكو وطهران، كما حدث مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وقالت في مقابلة مع صحيفة بريطانية، إن “كبار جنرالات الجيش ينظرون إلى أنفسهم في المرآة ويَرَون مصير جنرالات الجيش السوري الذين تركهم الأسد وراءه”.

لكنّ المعارضة تخشى، الآن، من أن يضغط لوبي النفط على ترامب لإبرام صفقة تمنح الولايات المتحدة مزيداً من الوصول إلى احتياطيات فنزويلا النفطية، وربّما فتح السوق الفنزويلية أمام البضائع الأميركيّة، مستغلّةً مناخ الحروب التجارية التي قد تندلع مع شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين. ويأتي ذلك فيما يرى مراقبون أن أولوية الرئيس هي في “التخلّص من 600 ألف مهاجر فنزويلي حُجبت عنهم الحماية المؤقتة التي منحتها لهم إدارة بايدن”، وأنّه بعد فشل تجربة فرض غوايدو – الذي يقيم في فلوريدا -، من غير المرجّح أن يستثمر ترامب في المعارضة الفنزويليّة مجدداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب