غزة.. جدلية النصر والهزيمة (ج4): (الهوية التركية والإيرانية) بقلم عبدالخالق شاهر

غزة.. جدلية النصر والهزيمة (ج4): (الهوية التركية والإيرانية)

بقلم عبدالخالق شاهر
مقدمة :
قد يتصور الكثيرون اني خرجت عن الموضوع .. ليس في طرحي لموضوع ايران لأن لها علاقة جدلية بقضية فلسطين يبدأ تأريخها من اليوم الاول للثورة الإسلامية ، وبالعراق ايضا تبدأ جذورها من 2003 ومارست سياسة ملء الفراغ قبيل خروج قوات الغزو الامريكي منه ، ولكن حصل التصور بخروجي عن الموضوع عندما ادخلت تركيا على الخط كأحدي الإمبراطوريتين المسلمتين والحقيقة ان لا صورة شاملة للمشهد العربي وخصوصا العراقي السوري اللبناني الفلسطيني واليمني دون وجود الدولتين ، ولعل المشهد العربي الذي يتمثل بانسحاب العرب من سوريا ومحاصرتها أدى الى ان تملأ ايران الفراغ بشكل كامل بعد ان كان جزئيا ، بعدها اضطرت ايران الى الخروج من سوريا فملأته تركيا الى حد ما وبعد ان أخذت الراية بدأت تصريحاتها تبدأ ب ( على سوريا ان ؟؟) ، فضلا عن افتتاح منطقة حرة للتجارة ، وكنت ولا زلت اقول ان منطقة التجارة الحرة بين العراق مثلا وأية دولة يعني اننا سهلنا الاستيراد من تلك الدولة ونحن الخاسرون كوننا لا نمتلك ميزان تجاري متكافئ مع اية دولة في العالم ولا ننسى انها سبقت ذلك بقوات عسكرية في قطر، ولا ننسى ايضا انه كان لديها اتفاقية نسيت اسمها مع اسرائيل تتعلق بتطوير التسلح بينهما ..عسى ان لا تطبق تركيا مبدأ ايزنهاور (ملء الفراغ) التي ابتدعتها الولايات المتحدة إثر تأميم الزعيم العربي عبدالناصر لقناة السويس وأفول نجم الاستعمار التقليدي البريطاني والفرنسي.
كنت يوما طالبا في السنة الأولى كلية الأركان وكان هناك نشاط يريدون اختبار الطلبة به فيكلفون مجموعة من (10) طلاب بكتابة (سمنار) بعدة صفحات وإلقاءه بعشرة دقائق لكل طالب دقيقة وكان الموضوع عنوانه (تركيا) وكانت حصتي (اللغة والدين) في تركيا بدقيقة واحدة فأوجزت اللغة التركية وكيف يعدها الأتراك (لغة الشمس) وانهيت الدقيقة بخروج سخيف عن الموضوع بقولي (وسيعود لواء الاسكندرون الى اهله يوما بعون من الله) وكان المدرس الأقدم حاضرا فتحدث عن كيف ان الكلية تهدف الى اعدادنا كقادة ( وكان لم يلمس ان الجيوش باتت تحل هي والأحزاب (بشخطة قلم ) من غزاة كبريمر(الأمر رقم 1،2) او ثوار اثبتوا ثوريتهم مع (الآخر) بالحل والاجتثاث كالشرع ويذكرني هذا بعنوان كتاب ضخم للعراقي باقر ياسين عضو القيادة القومية السورية ( الاجتثاث في العراق من الالف الثاني قبل الميلاد الى الألف الثاني بعد الميلاد) … نعود الى صاحبنا الذي استرسل بالقول ان القادة ينبغي ان يتحدثون بالأسلوب الرسمي كرجال دولة ، ووجه السؤال لي .. هل ان الدولة العراقية طالبت بلواء الاسكندرون ؟؟ اجبته كلا فسأل : لماذا طالبت به ؟؟ اجبت اني منتمي لمنظمة شعبية من اهدافها استعادة الاراضي المغتصبة من العرب ، سألني وهل ان تلك المنظمة طالبت بالأسكندرون؟؟ اجبت كلا ، ولا اريد الإطالة فهو افحمني وشكرنا وغادر.. التفت الى الطلبة مستغربا سائلا لماذا حصل الذي حصل؟؟ اجابوا لأنه تركماني.. وأشهد انه كان وطنيا عراقيا في الوقت نفسه .
الهوية التركية :
يقول دستورها انها ((جمهورية ديمقراطية (علمانية) اجتماعية)) رغم ان 97% من سكانها مسلمين .. ولعله من المفيد الذكر ان الدستور تعدل عشرات المرات كالكثير من الدساتير عدا العراقي .. الا ان فقرة العلمانية لم تتعدل بسبب ان من وضعها ومنع دستوريا ايضا تعديل هذه المادة الى الأبد ، هو اتاتورك الذي بنى تركيا الحديثة ولا زال يمتلك كاريزما رهيبة لدى الشعب التركي بحيث اتذكر بأني القيت بحثا عن العراق في مؤتمر بحثي كبير قبل (15) عاما ، كان بمناسبة مرور 125 عاما على ولادته .. بالتالي فأن تركيا دولة علمانية بينما شعبها مسلم سني بأغلبية ساحقة.. رغم ذلك يروج بأن الرئيس ارد وغان يدعم سنة العراق لكونهم سنة فقط وليس لأنه يريد استعادة الأمجاد الغابرة أو ان يستعيد كذا وكذا ،وبات يؤثر في شرائح سنية كما اثر في اجدادنا سابقا تحت رداء الإسلام ، وسبق ان استقبل في مطار القاهرة بهتافات جماهير الإخوان المسلمين (( ارد وغان.. ارد وغان انت حبيب الإخوان )) وأتذكر كيف انهم في (السفر بر) ساقوا اجدادنا وآبائنا الى الحروب وأنا العراقي أذكر ان لي جد استشهد في تلك الحروب وآخر مفقود في أرمينيا.
المشكلة كانت في ان نهضة الفكر القومي العربي ظهرت في القرن العشرين وبدأت بالانحسار في القرن نفسه وكان الإسلام فقط هو هويتنا نحن العرب، ولذلك كانوا يعدون السفر بر وغيره جهاد اسلامي ضد (الكفار) وأتذكر ان أبي وأعمامي كانوا يمتدحون السلطان عبدالحميد المسلم. بل ان مثقف ما قال لماذا يسمونها الفترة المظلمة ؟؟ وأظهر لي قانون الصحافة المتطور الذي يتحدث عن حرية التعبير وغير ذلك .. اجبته : انه بعد نشر القانون مباشرة اصدرت السلطة فرمانا سريا تبلغ الى الصحف باليد بأن لا يفعلوا كذا وكذا ومنها ذكر صحة السلطان ان كانت سيئة ، وأن من يفشي أمر هذا الفرمان يعاقب بالسجن .. وبالمناسبة فأن لدى الدولة التركية وثيقة تتعلق بالأمن القومي التركي وتسمى بالدستور السري او الكتاب الاحمر يسلمه رئيس الجمهورية الى الرئيس الذي ينتخب بعده ويعرف بعض اصحاب الشأن به وبتعديلاته ..
الهوية الإيرانية :
جمهورية اسلامية بالمذهب الاثني عشري، ويؤكد الدستور على ان هذه المادة لا يجوز تعديلها او رفع مقترح بتعديلها كحال الدستور التركي، فضلا عن ان الدستور اكد ان مهمة الجمهورية الإسلامية هي توحيد (الامة) الاسلامية ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ، ويشير الدستور الى ان الولي الفقيه هو القائد الأعلى للجيش والحرس الثوري والباسيج والجن درمة أي انه القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية وليس الشخصية الدينية الأولى في ايران فقط بل يشمل العالم الإسلامي برمته ( ولاية الفقيه) رغم ان نسبة معتنقي المذهب الأنثى عشري تحديدا لا تزيد عن 20% حسب قراءاتي المتواضعة .. هناك حالة معينة أوضحتها في لقاء تلفزيوني بدمشق على قناة الكوثر الإيرانية في دمشق قبل عقد ونصف وكان معي النائب عباس البياتي من بغداد وشخصية اخرى من طهران ، وكان الموضوع يتعلق بظاهرة رفع صور سماحة السيد الخامنئي في شوارع البصرة قلت حينها ان الاسلام كأي دين سماوي هو عابر للأوطان والقوميات والقارات وبالتالي يحق لي كمسلم عراقي ان اعجب بفقيه باكستاني او ايراني وأرفع صورته ، لكن الأمر مختلف معنا الآن كون سماحة السيد حاصل دستوريا على لقب القائد الأعلى للقوات المسلحة وسماحته هو من يقودها فعلا بل ان الدستور خوله حق الأشراف حتى على الاذاعة والتلفزيون ويعين نسبة من اعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام المنتخب، وبالتالي اقبل كعراقي وبكل سرور ان ترفع صوره في بغداد وليس في البصرة مقابل رفع صورة السيد القائد العام العراقي في طهران .. (مسألة وطنية فقط وألا فأني لم اصوت للسيد القائد العام خلال ولايتين)
هل ان الإسلام أمة ام عالم ؟؟ دستورنا العراقي يسميه (عالم اسلامي) فالأمة تتبع الانتماء الطبيعي القومي .. الماني ، فارسي، عربي ، اما الدين .. أي دين فهو عقيدة سماوية فقط ولذلك لم يقل احد المسيحيين ( الأمة المسيحية) وحتى في العقائد الأرضية لم نقل الأمة الشيوعية بل قلنا المعسكر الشيوعي ، وبرأيي الشخصي ان اقحام المذهب .. أي مذهب في السياسة لن يكن الا لحصد شيء اسمه (الولاء) ان كان في الحرب أو الانتخابات أو لنيل المجال الحيوي (خارج حدود الدولة) أو للدفاع أو أي مصلحة عليا تراها الدولة.
وللحديث بقية …4/2/2025