منوعات

عمرو موسى.. وعندما يحتفي الإعلام الإسرائيلي بمذيع «القاهرة والناس»!

عمرو موسى.. وعندما يحتفي الإعلام الإسرائيلي بمذيع «القاهرة والناس»!

سليم عزوز

أفضل شيء فعله عمرو أديب في اللقاء مع عمرو موسى أنه كان يطيل الصمت والاستماع، فمكن ضيفه من أن يتألق، ويمثل اللقاء رداً قوياً على ما يقال عبر إعلام الانبطاح العربي، ومن بينه برنامج عمرو أديب نفسه، عندما استضاف موتوراً، من نفايات برنامج قناة «القاهرة والناس» المصرية، الذي قال إن حركة حماس مسؤولة عن تدمير قطاع غزة، وإن أبناء القادة هم في الخارج ينعمون بالعيش الرغد، وتركوا شعب القطاع لمصيره!
يقولون «الدهن في العتاقي»، وكذلك أثبت عمرو موسى، ولا أظنني في حاجة إلى شرح هذه الحكمة المصرية الخالدة؛ «الدهن في العتاقي»، فمن أفضال الدراما المصرية في زمن تألقها أنها نشرت لهجة المحروسة، فصارت مفهومة لدى الجميع، وذلك قبل انهيارها في هذا العهد، عندما تحولت إلى حالة من «التلسين السياسي»، وعندما أبعد الفنانون الكبار، لصالح المحاولات الفاشلة لصناعة نجوم في المصانع الحربية، والنفخ في محمد رمضان ليكون أحمد زكي آخر، فكنا أمام حمل خارج الرحم، وأطفال أنابيب، يخرجون للدنيا بكثير من المشكلات الصحية، التي تؤثر على عملية اكتمال النمو، ضعف الطالب والمطلوب!
وإذا كنت أتحرج أحياناً من كتابة بعض الأمثال باللهجة المصرية القح، فقد كان لافتا لي وأنا أقرأ هذه الأيام كتاب عباس محمود العقاد، عن معاوية بن أبي سفيان، ورغم ما عرف عن الكاتب الكبير بميله للصعب من القول، إلا أنني عثرت على عبارات دارجة مثل «اللعب على المكشوف»، وهو الذي ما وجد مترادفتين إلا اختار الأصعب فيهما، حتى كلم المعلم نفسه عندما كان كتاب العقاد «عبقرية عمر»، ضمن المقررات الدراسية؛ وهو يقول: «لقد عقدنا العقاد»! وعقدنا هنا من «التعقيد»!

الثورة المصرية والفوضى الخلاقة

«الدهن في العتاقي»، وكذلك كان عمرو موسى، الذي كان في هذه الليلة في غاية التجلي، والقوة، ولا أخفي أن المستقر في وجداني قبل هذا اللقاء، أن الرجل في مرحلة الشيخوخة المتأخرة، وقد طبعت نفسها بالتأكيد على ملامحه، ولم يكن تصوري في محله، وإذا وجدت اللقاء على قناة «أم بي سي مصر» مصادفة وفي بدايته، فقد شاهدته كاملاً على طوله، وكم كان عمرو أديب كريماً مع المشاهدين، فلم يسمعنا صوته كثيرا، وهو كفيل بإصابة العالم بالتوتر، عندما يرفع عقيرته خطيباً، وكأننا في موقف رمسيس، قبل انتقاله إلى منطقة «عبود».
يؤخذ على عمرو موسى في هذا اللقاء تلميحه إلى مستوى التصريح بأن ثورة يناير كانت ضمن سيناريو الفوضى الخلاقة، وهذا خارج سياقه هو نفسه، ففي ميدان التحرير لم يكن الأمريكان هناك، وكانت الإدارة الأمريكية مرتبكة في التعامل مع الثورة ومنقسمة على النحو الذي ورد في مذكرات كل من أوباما، وهيلاري كلينتون، ورصدته في كتاباتي الأولى عن الثورة في هذه الزاوية وغيرها، فعندما غابت شمس اليوم الأول للثورة، وذهبت لإحدى المقاهي القريبة من ميدان التحرير، سمعت في نشرة الأخبار إعلانا لوزيرة الخارجية الأمريكية مفاده أن النظام في مصر قائم ومستمر!
وفي هذا اليوم كان ما يشغلنا في ميدان التحرير لنسأل كل وافد عليه؛ هل «الجزيرة» أذاعت خبر المظاهرات؟ لنعرف أنه كان الخبر الثالث من حيث الترتيب، ومع ذلك هناك من لا يزالون على إصرارهم بأن الثورة تقف وراءها قناة «الجزيرة»، تماماً كما أن هناك من لديهم يقين بأنها فعل ينتمي إلى دعوة الفوضى الخلاقة، التي أطلقتها وزيرة الخارجية في عهد بوش الابن؛ كونداليزا رايس!
الحسنات يذهبن السيئات، وكانت حسنات عمرو موسى في هذه الليلة تغفر الذنوب، ولو كانت مثل زبد البحر، وليس فقط اللمم الذي ارتكبه موسى، وحسناً أنه لم يعيد فيه ويزيد، فقد كان ما قاله هو المنطلق للجديد الذي يريد التأكيد عليه وهو أن الجزء الثاني من سيناريو الفوضى الخلاقة في التنفيذ!
يثاب المرء رغم أنفه، وقد بدت قناة «دي أم سي مصر» كمنصة إطلاق صواريخ، وكان مطلقها عمرو موسى، الذي انحاز للمقاومة بالكلية، ودافع عن حقها في مقاومة المحتل، واستنكر الدعوة للتهجير، فلا يصح القول «خذ الفلسطينيين عندك»، وإذا كان المرجفون في المدينة أشاعوا أن تدمير غزة هو بسبب طوفان الأقصى، فإن عمرو موسى نفى ذلك، وأكد أن تدمير غزة كان يحدث، وسيحدث، بطوفان الأقصى أو بدونه، وأن المقاومة انتصرت في هذه المعركة، أيضاً على العكس مما يقوله المرجفون هؤلاء!
وفي مواجهة هؤلاء وما يروجونه فإن عمرو موسى قال إن إسرائيل ليست بالقوة المتصورة، فلم تستطع تدمير «حماس»، وأن قوتها مصنوعة وبمساعدة وحماية الغرب!
فعلا، الدهن في العتاقي!

«القاهرة والناس» مرة أخرى

لا بد من رد الأمر إلى أصله، وهذا الأصل ليس في انحياز إبراهيم عيسى للعدو لدرجة التلفيق، وفي التماهي مع الأهداف الإسرائيلية حد التطابق، لكن في أي منبر قال هذا الكلام؟!
لا يوجد إعلام حر في مصر، أو يتمتع بأي درجة من الحرية، وإبراهيم عيسى بنفسه قال إن مصر تحكم بالرجل الواحد، وإنها ليست بلداً ديمقراطياً، وبلد هذا حاله فمن منحه مساحة على إحدى القنوات التلفزيونية، ليقول ما يحتفي به الإعلام الإسرائيلي والمواقع الحكومية الإسرائيلية؟!
غير المتابعين للمشهد الإعلامي المصري ربما يختلط عليهم الأمر، فما دامت الوسيلة الإعلامية لا تتبع الشركة المتحدة، أو الهيئة الوطنية للإعلام، فالمعنى أنها وسائل مستقلة، وهذا ليس صحيحاً فبعض وسائل الإعلام لا تخضع لهما، لكنها لا تخرج عن الخط المرسوم لها، حتى وإن كان تمويلها من الخارج. وفي التسريبات القديمة، سمعنا عن التوجيه الخاص بـ «البت عزة»، مع أن «البت عزة مصطفى» تعمل في قناة خاصة مملوكة لرجل الأعمال ووكيل مجلس النواب محمد أبو العينين، وقد أدركتها حركة التنقلات مؤخراً، فانتقلت من «صدى البلد» إلى «الحياة» المملوكة للشركة المتحدة!
مثلي لا يعرف فلسفة حركة التنقلات هذه، وكثيراً ما ينتقل مذيع من قناة إلى قناة، داخل المؤسسة الواحدة، فلا تبدو الفلسفة في ذلك سوى أنه تدوير الفشل!
أمر «القاهرة والناس» صار أكثر وضوحاً الآن بعد تعيين مالكها طارق نور ل رئيسا للشركة المتحدة، فهل انتقلت ملكية القناة معه للشركة؟ إنه إن ظل مالكاً لقناة وفي الوقت ذاته رئيسا لشركة تملك قنوات منافسة، فإنه تضارب المصالح، واختلاط الذمة الإعلامية.
وسواء كانت «القاهرة والناس» مملوكة لرجل الإعلانات طارق نور، أو كانت مملوكة للشركة المتحدة لرئيسها طارق نور، فإن الأمر لا يختلف كثيراً، فلا يمكن لأحد الآن أن يقدم برنامجاً في أي محطة تلفزيونية إلا بموافقة دولة الرجل الواحد، حسب إبراهيم عيسى، لا سيما إذا كان الخطاب في حالة تماهي مع الخطاب الإسرائيلي، بل ويتجاوز هذا الخطاب إلى حد اختلاق الأكاذيب!
في نهاية الأسبوع الماضي، احتفى الإعلام الإسرائيلي بها وهو يتهم حماس بأنها السبب في تدمير قطاع غزة، بل ويذهب بعيداً إلى حد أنه يؤلف أخباراً من عنده بالقول إن حماس هي أول من طالب بالتهجير ودعته اليه!
فهل هذا خطاب على غير إرادة سلطة الرجل الواحد؟ وهل هذه القناة لا تبث من القاهرة؟
ولنفترض أن الديمقراطية وصلت عندنا إلى درجة أن تكون هناك قناة تتبنى هذا الخطاب دون أدنى مسؤولية للسلطة، فكيف لمالك هذه القناة الذي تتبن الخطاب المحتفى به إسرائيلياً، أن تعينه الأجهزة الأمنية رئيساً لشركتها المتحدة؟!
ومن وراء عدم تطبيق القانون، الذي ينص على نشر القنوات التلفزيونية ميزانياتها في كل عام، ولماذا التستر عليها، والضرب بالقانون عرض الحائط وطوله!
ولماذا يغض المجلس الأعلى للإعلام الطرف عن قيام إبراهيم عيسى بهذا الدور، وهو المنوط به ضبط الأداء الإعلامي!
من قاهرة المعز، تبث قناة «إم بي سي مصر» المملوكة للسعودية، و»تن» المملوكة للإمارات، و»الغد» المملوكة لمحمد دحلان، فلماذا لا تكشف الجهات المختصة عن الوضع القانوني لـ «القاهرة والناس»؟!
لا ضرر ولا ضرار!
أرض جو:
بالأداء، تأكد أن المنصب الذي يمكن أن يثبت فيه لأحمد المسلماني جدارته، هو منصب مدير إذاعة «القرآن الكريم»، فبعد وقف الإعلانات في الإذاعة، ووقف برنامج مختار جمعة، حصل من أسرة الشيخ محمد رفعت على أسطوانات جديدة له، وإن كنت لا أسلم بوجود أسطوانات للشيخ غير موجودة في مكتبة الإذاعة، إلا أن الإذاعة هي مجاله للعمل!
أما رئاسة هيئة مسؤولة عن ماسبيرو، فتحتاج لمقاتل مع توافر إرادة السلطة للنهوض بالإعلام الرسمي وهي غير متوفرة!
رحم الله امرأ عرف قدر نفسه!

 صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب