منوعات

إنهم يتجرعون «حبوب الصراصير»… عندما استمعت مصر للأبواق السلفية!

إنهم يتجرعون «حبوب الصراصير»… عندما استمعت مصر للأبواق السلفية!

سليم عزوز

بالتأكيد أن لها اسما غير «حبوب الصراصير»، وكم من دواء مخدر له أسماء متداولة بين العامة ليس اسمها العلمي أو التجاري، مثل «حبوب صليبة» مثلاً، فهل اسمها هكذا بالفعل؟ لا أعتقد. وإن مثلت بديلاً أرخص سعراً للطبقات الفقيرة من المدمنين، ولهذا فإن وزارة الصحة في مصر، تدرجها ضمن ما يسمى بـ «الجدول»، وهي قائمة تشمل الأدوية التي لا تباع إلا بتذكرة طبيب، وبعض البلدان لا تبيع صيدلياتها الأدوية بشكل عام إلا بهذه التذكرة!
بيد أن الأمر مختلف في مصر، ولهذا فإن «الجدول»، الذي يضم الأدوية التي تحتوي على مخدر، يمثل حل الحد الأدنى، في مجتمع تتعامل أغلبيته مع الصيدليات مباشرة، ومع هذا المنع لـ «حبوب الصراصير» وغيرها، فإنها تتسرب إلى أيدي من يريدها دون موافقة الطبيب المختص بالحالة!
يقولون إن «حبوب الصراصير» هذه، تجعل من يتعاطاها يظل ليله كله في حرب مع الأشباح التي لا وجود لها إلا في خياله هو، ولا يراها غيره، فيحمل نعليه ويظل يطاردها معتقدا أنها تتحرك على جدار الغرفة، في محاولات للتخلص منها، وتكون في الأغلب «صراصير» متخيلة، لكن أحيانا قد تكون كائنات أخرى، وبعض الأشقياء من السجناء الجنائيين قد يصنعون «مقالب» في بعضهم البعض، من باب التسلية، عندما يظل أحدهم في هذه المقاومة مع الكائنات المتخيلة!
كنا ثلة من الأصدقاء، عندما أشار أكثر من واحد منهم إلى جودة الطعام في أحد المطاعم وسط القاهرة، بناء على تجربة سابقة، وقد كان كذلك بالفعل، لولا أن «النادل» المسؤول عن جلب الطعام يستقبل الزبائن بعدم اكتراث، ويضع أمامهم الطعام وهو متعال عليهم، ويعرف طلباتهم ويخبر بها من يقومون بإعدادها، دون كلمات تقال في مثل هذه الوضع، الخلاصة هو يزدري البشرية!
وبدا لي كما لو كان أحد الاقطاعيين السابقين الذين جار عليهم الزمان، وهو يعتني بهندامه، فيرتدي بالطو أبيض اللون، يتمكن مع تحركه في مكان ضيق من المحافظة على نظافته، وهيكله الجسدي أقرب للامتلاء، وشعره ناعم، يعطيه الشيب وقاراً اضافياً، وبشرته بيضاء لا تنقصها الدموية، وكأنه من بقايا الشركس الذين جاءوا إلى مصر، ضمن وافدين كثيرين من أعراق مختلفة على مر التاريخ!
ولأنه لفت انتباهي لشموخه هذا، فقد سألت من جاءوا إلى المكان من قبل، فقالوا لقد كان «صولاً» سابقاً في الشرطة، فأدركت أن الأمر ليس مرده لكونه أحد الاقطاعيين الذين جردهم عبد الناصر من أملاكهم، ولا أنه يتصور أنه يقيم مائدة للفقراء، يطلقون عليها في شهر رمضان الفضيل، «موائد الرحمن»، ولكنه ولواقع خبرته السابقة، يعاملنا كما لو كنا سجناء في مطعم السجن، وأنه السجان المكلف بتوزيع الأكل علينا!
أحد الرفاق كان ينظر اليه ويستغرق في الضحك، بينما «النادل الباشا» يتحاشى النظر اليه، ولا يستجيب للكلام معه، وتزداد هيئته عبوساً كلما مر بنا، فلما طال ضحكه، مع عدم استجابة «الباشا» استقر في وجداني أن الأمر ليس مرده إلى الهيئة، وهذا التعالي غير المبرر على صنف البشر، وبعد قليل عرفنا السبب!
فعندما وجده صاحبنا متهجماً هكذا في كل مرة، صنع فيه مقلباً بأن أعطاه «حبة»، مع توضيح أهميتها في مسارات أخرى غير حقيقية، وحظي منه في هذه المرة بحفاوة غير معهودة، لكن هذا التجاهل له الآن، يؤكد أنه «شرب المقلب»، وكلما تخيله صاحبنا في حرب مع الصراصير المتخيلة يوشك أن يغمى عليه من الضحك، بينما «النادل» يكتم غيظه كلما اقترب من الطاولة التي نجلس عليها!

امسك شيوعي… امسك إسلامي!

بعض الناس في فزعهم من أصحاب أفكار معينة يبدون كمن يتعاطون عقاقير الهلوسة، ولكن المتخيل لهم هم أصحاب هذه الأفكار، وكان الرئيس السادات مثلا ينام ويستيقظ على الشيوعيين، فكل خصومه هم شيوعيون أراذل، فالشيوعيون وراء الهجوم عليه ويخططون للإطاحة به، وغضبه على عمر التلمساني، المرشد العام للإخوان هو لتحالفه مع الشيوعيين، والذي كان سبباً في الحوار التاريخي الذي دار بينهما (يسميها الإخوان مواجهة ولم تكن كذلك)، فقد رفعت الأجهزة الأمنية تقارير له عن لقاءات تمت بين المرشد العام وبينهم، ولا يستحق منهم بعد أن أعطى الإخوان حريتهم، وأعاد لهم مجلتهم «الدعوة»، أن يتقاربوا من خصومه الشيوعيين، الأمر الذي نفاه التلمساني!
ولدينا حالة شبيهة بذلك؛ هي الخاصة بمذيع قناة «القاهرة والناس»، الذي يقوم ويقعد وهو يحارب عدو متخيل؛ إخوان.. سلفيين.. إسلاميين.. اسلام سياسي، ليصبح الأمر أقرب للهلوسة!
في الأسبوع الماضي أذيع على نطاق واسع رفضه نقل صلاة التراويح تلفزيونيا من مسجد الإمام الحسين، ولعل من اختار المكان هو وزير الأوقاف لأسباب مرتبطة بكونه أحد المتصوفة، أو القبوريين، حسب السلفيين!
وذلك مع أن المكان الرمز الذي يستحق هذه الحفاوة لا يخرج عن مسجدين؛ مسجد عمرو بن العاص، كأقدم مسجد في مصر، أو الجامع الأزهر بما يحمله الأزهر من رمزية ومكانة، لكن مرجعية الصوفي أسامة الأزهري دفعته لأن يقع اختياره على رمزية أخرى، وهي مسجد الإمام الحسين!
وربما يرفع عنه العتب، أن مسجد الحسين تم اختياره منذ زمن بعيد لنقل صلاة الفجر منه في شهر رمضان، فصار الصوت المميز والخاشع لإمامه الراحل الشيخ أحمد فرحات، يذكرنا بطفولتنا، وبشهر رمضان، وبصلاة الفجر، وذلك قبل النقل اليومي، فصار النقل أحيانا من مسجد السيدة زينب، وأحيانا كان يؤم المصلين في الحسين الشيخ نجدي صالح فضاعت هوية الحدث، واختفت البصمة المميزة، فلم يكن في قراءة الشيخ نجدي ما يميزها، والأمر نفسه بالنسبة لإمام مسجد السيدة، إلا من صوت ينطلق أثناء التلاوة صائحاً، فيذكر المستمع بأن النقل من هنا وليس من هناك: «السيرة، العظيمة، الكريمة، باسم ستنا السيدة زينب»!
ما علينا، فلم نعلم بأمر نقل صلاة التراويح طيلة شهر رمضان من مسجد الحسين، إلا من مذيع «القاهرة والناس» الذي هب من روعه، بأنها مزايدة في التدين، وسأل صارخاً بعلو الصوت: «ماذا جرى للعقل المصري»، ثم يقرر بذات «التون» مصر سوف تحصد الشوك إذا استمعت للأصوات السلفية!
إنها «الهلوسة» ولا شك، فأصوات سلفية تم الاستماع لها، فكان النقل من مسجد الحسين، فهل نحن أمام حالة طبيعية، فماذا جرى لعقل المذيع؟!
السلفيون يحرمون الصلاة في المساجد التي بها قبور أو أضرحة تحريما كاملاً، وعلى رأس هذه المساجد المصرية، مسجد الإمام الحسين، فكيف يمكن تصور أن مصر استمعت للأصوات السلفية ليكون نقل صلاح التراويح من مسجد الإمام الحسين؟
في حالة «النادل الباشا» في مطعم وسط القاهرة، كنت أتخيله بعد «حبة الصراصير» وقد خرج عن وقاره الصارم في الليلة الليلاء، لكن في حالة صاحبنا، سيطر على أن البرنامج اسمه «من القاهرة»، لأني عدت بعد النشر، للحلقة من موقع القناة لأكتشف أن هذا هو اسم البرنامج، وكانت معلومة جديدة بالنسبة لي!
هل تنطلق هذه الهلوسة فعلا من القاهرة؟!

نقيب الإعلاميين أم السيد رئيس الجمهورية؟

يبدو أن «ماسبيرو» استجاب لي، وقد راعني منذ سنوات أن مخرج نقل صلاة الجمعة تلفزيونيا، يلعب بالكاميرا ويلهو، فيشتت ذهن المشاهد، وهو يسرح بالكاميرا خارج المسجد، فلا تركيز على القارئ، أو الخطيب، أو المصلين، وهو تقليد بدأ قبل الثورة، وتعرضت له هنا مبكراً.
بيد أن هذه الاستجابة لي، لم تمنع من الاستمرار في ممارسة اللهو بالكاميرا، فقد ركزت الكاميرا على داخل المسجد، وعلى شخص بعينه، لو رأيته لما أدركت أنه نقيب الإعلاميين، وهو شخص ليس معروفاً لي، فمن هذا المغمور – يا إلهي- الذي يعامل على أنه رئيس الدولة فتحتفي به الكاميرا وتظهره في لقطات عدة، وكأنه السيد رئيس الجمهورية؟!
علمت بعد القراءة المستفيضة أن صاحبهم كان مذيعا في إذاعة الشباب والرياضة، وربما لهذا السبب فليس نجماً، كالمذيعين، وقد اختاره نقيب الإعلاميين المعين من قبل رئيس الحكومة الراحل حمدي الكنيسي ليحل محله في المرحلة الانتقالية، لنيته خوض الانتخابات بعد ستة أشهر من تأسيس النقابة، والقانون يمنع النقيب المؤقت من خوض الانتخابات، فلم تجر الانتخابات رغم مرور ست سنوات، بل وعينوا المغمور هذا عضواً في البرلمان بقرار رئاسي!
لقد نقل أحد الصحافيين هذا الاهتمام الزائد بالنقيب غير الشرعي للإعلاميين طارق سعدة، وتم الإعلان من إدارة التلفزيون بإحالة ما جرى للتحقيق، واليوم يكون قد مر أسبوع بالتمام والكمال، ولم نسمع خبراً عن إجراءات التحقيق هذه، يبدو أن إدارة التلفزيون كانت تمتص الغضب من هذه الفوضى في النقل التلفزيوني، ثم توضع الملفات في الأدراج، والسلام ختام!
إنها الفوضى غير الخلاقة!

* صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب