منوعات

نفسانيون في معرضها الثالث للكتاب «إرث وأثر» تحتفي بالعالم

نفسانيون في معرضها الثالث للكتاب «إرث وأثر» تحتفي بالعالم الراحل مصطفى حجازي علي الأطرش: نعمل في سياق المصلحة العلمية والوطنية.. ونطمح لعلاج الطائفية عبر مشاريع

زهرة مرعي

بيروت ـ  مثير للاهتمام أن يتواجد المرء في مكان فسيح تنتشر فيه كتب مختصة بعلم النفس فقط. كتب تمارس على الزائر إغراءً باختيار هذا العنوان أو ذاك. إنه حال معرض مركز نفسانيون الثالث الذي حمل عنوان «إرث وأثر»، والذي يشغل المساحة الفسيحة في مسرح دوّار الشمس. ويتضمن إصدارات جديدة وقديمة من الكتب.

منذ إطلاقها تتخذ فعاليات مركز نفسانيون حلّة جذّابة، سواء في المعارض أو الندوات والمحاضرات المتخصصة التي تُنظّمها. نفسانيون دائماً في جهد يُركز على بنية وصحة الإنسان النفسية.
المفاجأة أن المعرض الثالث لنفسانيون يحتفي هذا العام بقامة مميزة في علم النفس في لبنان والعالم العربي، هو البروفسور مصطفى حجازي الذي رحل في تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي. ولهذا كان عنوان المعرض «إرث وأثر».
مع علي الأطرش ـ مؤسس وشريك تأسيسي في مركز «نفسانيون» في العام 2017 ـ هذا الحوار:

○ استمرار مركز «نفسانيون» في مجتمعنا يطرح علامات إيجابية خاصة أنه يضمّ أعضاء مميزين في اختصاصهم. ما هي العوامل المساعدة للبقاء؟
• نحن في السنة الثامنة من تأسيس «نفسانيون» وجميعنا متطوعون. قد يكون الاستمرار نابعاً من حبنا للبنان، وبأننا لم نطلب دعماً مالياً من أية جهة، من دون الذم بمن ينال دعماً. نطمح لأن نكون أحراراً، وجاهزين للاستجابة لكل حدث محلي. الكتب شغلت مقر نفسانيون بالكامل قبيل المعرض. وقبله كانت المساعدات الغذائية والإنسانية وخاصة تلك التي يحتاجها الأطفال، تشغله خلال العدوان على لبنان. في هذا العدوان استثمرنا علاقاتنا وفعالية الأعضاء المنتشرين حول العالم لمساعدة النازحين. إذاً الاستمرارية ناتجة من الإيمان والحب لوطننا فعلياً وليس نظرياً. آخر مؤتمر نظمه «نفسانيون» في متحف نابو بعنوان «ميلينا» وشكّل تحدياً كبيراً لنا. وفي معرضنا هذا حذّرنا البعض من إطلاقه في هذا التوقيت. معرض «إرث وأثر» شكّل تحدياً وإصراراً جديداً بالنسبة لنا، لأنه يُخلّد ذكرى البروفسور الراحل مصطفى حجازي رحمه الله.
○ من عادة اللبنانيين الاختلاف على تفاصيل صغيرة أو كبيرة. كيف جمعتم خريجين من مختلف الجامعات والتيارات والفئات الطائفية معاً؟
• صحيح. نجحنا في جمعهم، وبينهم زملاء أكاديميون منتمون لكافة التيارات في لبنان. فرؤية نفسانيون المستقبلية الإنطلاق بمعالجة مسألة التعصّب والطائفية عبر مشاريع نعدّ لها، وليس عبر التنظير. في معرض «إرث وأثر» على سبيل المثال نقول بنبذ الطائفية والتعصّب، كما في أي فعالية أخرى ننظمها من معرض أو مؤتمر أو ندوة. فعالياتنا على الدوام تصبّ في سياق المصلحة العلمية والوطنية، يلتقي الجميع، يتحادثون ويتحاورون. إزالة التعصّب والطائفية سبيلها المشاريع التي تجمع، وخاصة الوطنية منها. وبالمناسبة نقابة نفسانيون هي الوحيدة التي لا تعتمد في انتخاباتها نسبة 6 و 6 مكرر، فالتركيبة اللبنانية التقليدية لا تعنينا.
○ ما الذي استجدّ في معرض الكتاب الثالث؟
• لم يكن نشر الكتب من أهداف «نفسانيون» مُطلقاً. لكن الشاعر والمفكر والصديق أدونيس اقترح علينا سنة 2018 نشر كتاب عالم النفس المصري الفرنسي مصطفى صفوان «ما بعد الحضارة الأوديبية» ففعلنا. وكتب أدونيس مقدمته، وهكذا انطلقنا في النشر. أول معرض لنفسانيون بالشراكة مع دار النهضة كان سنة 2021 في مسرح دوّار الشمس بعنوان «بقعة نفس». شارك فيه أكثر من عشرة دور نشر، وتميز بالنجاح الكبير. وسنة 2022 حمل المعرض الثاني لنفسانيون عنوان «لآخر نفس» فالجميع في لبنان حينها كان في وضعية الاختناق. دور نشر متعددة شاركت بالمعرض من بينها دار النهضة. وبدورنا شاركنا في معارض الكتب السنوية المعتمدة في لبنان، عبر جناح خاص. وفي معرضنا الثالث اقتصر التعاون على دار النهضة ودار أصالة.
○ والسبب؟
• امتلكنا الخبرة الضرورية في تنظيم معارض الكتب. وباتت لنا عشرة كتب من إصدارنا بالتعاون مع دار النهضة العربية. وفي هذا المعرض لدينا خمسة إصدارات جديدة. هذا ما نعتبره نجاحاً حققناه في السنوات الماضية.
○ «إرث وأثر» معرض تكريمي لعالم النفس الراحل مصطفى حجازي والذي كان رئيسكم الفخري. فهل أنتم من طلابه؟
• أنجزنا فيلماً وثائقياً يجيب على سؤالك. اسم الفيلم «وثائقي مصطفى حجازي». وفيه تحدّثت برفقة هبة خليفة عن علاقتنا بالدكتور مصطفى حجازي. كطالبين في الجامعة اللبنانية تعرّفنا هبة وأنا إلى مصطفى حجازي من خلال المنهج الدراسي، وحينها كان قد تقاعد. تواصلنا معه بعد تخرجنا وناقشنا فكرة تأسيس مركز نفسانيون. وحده مصطفى حجازي سمعنا، وآمن بفكرتنا، ووجد فيها ما يتماهى مع فكره الذي يدعو للحفاظ على خصائص الإنسان اللبناني والعربي، وأن لا نُسقط على هذا الإنسان علم النفس الغربي المُعلّب. تميز مصطفى حجازي بكونه مقاوماً، واقعياً وبعيداً عن التنظير، هو ليس من فئة علماء النفس المتربعين في أبراجهم العاجية. عالم نفس يعمل منطلقاً من المعطيات التي توفره له الدراسات الميدانية. في مسيرته في سنواته العشر الأخيرة كانت صلتنا به جد قوية وهو من عرّفنا إلى أدونيس، وحورية عبد الواحد.
○ كان مصطفى حجازي مجتهداً فكم إصدار له؟
• له أكثر من 20 مؤلفاً. وكتبه هي الأكثر مبيعاً في العالم العربي. كتابه «التخلف الاجتماعي: سيكولوجية الإنسان المهدور» أشهرها. وأعادت نفسانيون طباعة كتابه «الفحص النفسي» بالتعاون مع دار النهضة العربية. ويذكر أن مصطفى حجازي نال جائزة ابن خلدون الدولية للترجمة. وهو من أهم مترجمي كتب علم النفس في الدول العربية. ترجم للابلانش «معجم مصطلحات التحليل النفسي». وترجم لمصطفى صفوان «الكلام أو الموت»، و«لماذا العرب ليسوا أحراراً»، وغيرها من الترجمات. بالإضافة إلى ترجمته لكتاب «علم النفس التطويري»، لمؤلفه دافيد باس.
○ إذاً معرضكم هذا العام يحتفي بأحد أهم علماء علم النفس في الدول العربية؟
• بالتأكيد. منذ إنطلاقة مركز نفسانيون، غاب مصطفى حجازي لأول مرة عن فعالية ننظمها رحمه الله. لهذا حمل المعرض عنوان «إرث وأثر». للأسف توفي خلال العدوان على لبنان ولم نتمكن من المشاركة بدفنه وتقديم واجب العزاء لعائلته في صيدا. هذا الانقطاع عن التواصل مع رحيله آلمنا. معرضنا بكل ما فيه تكريماً وتخليداً لذكراه، هو الذي لم يتخلّف يوماً عن المشاركة في كافة فعالياتنا رغم مرضه وعمره. إنه عالم حقيقي لا يتكرر.
○ سبق لكم تكريمه في بدايات تأسيس مركزكم؟
• نعم كان ذلك سنة 2017 لدى تأسيس نفسانيون. وفي سنة 2019 قررنا تقديم الرئاسة الفخرية للدكتور حجازي، وتقبلها بكل محبة.
○ من خلال معرض الصور الفوتوغرافية الذي جسد مراحل حياة مصطفى حجازي نلمس لقاءاتكم العديدة معه. ما هو مضمونها؟
• شارك الدكتور حجازي بأربعة مؤتمرات دولية نظمها مركز نفسانيون، وفي كافة المعارض والندوات. ندواته ركّزت على العصبيات وآفاتها، كما وقدم كتبه الجديدة، وكان مصراً على قراءة كل جديد يكتبه النفسانيون من الجيل الشاب، وساهم بقوة في ورشة تدريب لأخصائيين على أسس البحث العلمي. ورشة ضمت بحدود الـ500 زميل، ثم قدمنا المشروع للجامعة اللبنانية حيث تدرّب على البحث العلمي أساتذة ومتخصصون، وكان دكتور حجازي من المدربين في هذا البرنامج التدريبي.
○ وماذا عن محتويات معرض الصور؟
• إلى مجموعة الصور التي نمتلكها، تعاونت معنا زوجته الدكتورة نهى حجازي وزودتنا بمجموعة من الصور عن حياته في القاهرة ودراسته في جامعة عين شمس. وهكذا كونّا من خلال الصور خطاً زمنياً لحياته منذ كان طالباً في القاهرة، وعودته إلى بيروت، ومن ثم عمله في البحرين، وعودته ثانية إلى بيروت.
○ ماذا عن إصداراتكم الجديدة في هذا المعرض؟
• مع معرضنا الثالث نحن حيال عشرة إصدارات خاصة بنفسانيون. إصدارات لأهم المحللين في علم النفس مثل العالم الفرنسي بنجامين ستورا. وهو مؤسس مدرسة علم النفس الجسدي التكاملي، حيث منحنا شرف ترجمة كتابه «التحليل النفسي العصبي». قامت بالمهمة الدكتور مارلين حداد، وهي رئيسة قسم علم النفس الجسدي التكاملي في نفسانيون، وستورا كان أستاذها في فرنسا. كذلك أصدرنا كتاب مصطفى صفوان «ما بعد الحضارة الأوديبية»، وكتاب «نشوة الجسد» للمحللة النفسية البروفسورة حورية عبد الواحد.
○ يتضمّن معرضكم كتباً للأطفال. كنفسانيون ما هو معيار اختياركم لكتب الأطفال وعرضها؟
• ثمة تعاون يربطنا مع دار أصالة بخصوص كتب الأطفال. مجموعة من كتبهم تأخذ طريقها إلى عيادات العلاج النفسي، وبالتالي يمكن للأهل وضعها في المنزل وبين أيدي الأطفال. هي كتب متخصصة بالإجابة على أسئلة الطفل، إلى كتب توضح للأهل على سبيل المثال كيفية التعامل مع الطفل عندما يواجه الموت في العائلة، أو معالجة إشكالية الكذب، والأرق وغيرها من الموضوعات. لهذه الكتب دور الوسيط العلاجي، ولها منحى توعوي وتربوي نفسي.
○ نعرف أن العلاج النفسي ليس بمتناول الجميع نظراً لكلفته. ما الحل لمن يحتاجه ولا يملك المال؟
• هناك عدة برامج ومبادرات تقدم العلاج النفسي المجاني، وهي برامج ممولة عبر جمعيات حكومية أو خاصة. في مركز نفسانيون وبهدف الاستجابة للأزمات المتعاقبة، فإننا نواصل دائماً إطلاق مشاريع للدعم النفسي المجاني ونسعى لإن تكون مستدامة.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب