تحقيقات وتقارير

الفريق الأردني قاصد محمود: التهجير «فقاعات» وأهل المنطقة بالاتجاه المعاكس ومصلحة النظام الرسمي أن لا تهزم المقاومة

الفريق الأردني قاصد محمود: التهجير «فقاعات» وأهل المنطقة بالاتجاه المعاكس ومصلحة النظام الرسمي أن لا تهزم المقاومة

حاوره: بسام البدارين

ندرة قليلة جدا من كبار الخبراء والجنرالات المتقاعدين والعاملين من القوات المسلحة الأردنية تحمل رتبة فريق، إحدى أرفع الرتب في المنظومة العسكرية.
الفريق قاصد محمود أحد أبرز هؤلاء، بعد سنوات طويلة في الخدمة العسكرية انتهت بموقع نائب رئيس هيئة الأركان والعديد من المواقع المتقدمة في المنظومة.
منسوب الترقب الذي تنتجه «قراءات وتحليلات» الفريق محمود عند الأردنيين والفلسطينيين وحتى على المستوى العربي والإقليمي يحظى بالصدارة خصوصا عبر «البث الفضائي» وفي الندوات المغلقة ذات البعد التحليلي.
الجنرال محمود كخبير عسكري وإستراتيجي قدم عبر حديث موسع لـ«القدس العربي» جولة عميقة في عدة مسارات لكن أهمها إعادة استكشاف تأثير معركة «طوفان الأقصى» ليس على مزاج شعوب المنطقة فقط والوعي المستجد المتشكل ولكن على بنية المنظومة العسكرية الإسرائيلية ذاتها، فيما كان لابد من الاقتراب حواريا مع الجنرال الخبير من بعض «الزوايا الأردنية» المهمة والحساسة في اشتباكات مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى.

الأردن… الكيان…والحدود

لا يخفي الجنرال قاصد محمود قناعته بأن الحدود سلاح مزدوج وذو حدين إذا ما غامر الإسرائيلي وقرر «التحريك الديموغرافي» باتجاه الأردن، بمعنى الاعتداء المباشر على المملكة، مصرا على أن الحدود الأردنية تضبط أيضا الأمن الإقليمي في الواقع.
بين الأردنيين برأي الجنرال ملايين اللاجئين من الذين لديهم حق عودة وإذا تخلت إسرائيل عن التزاماتها المنصوص عليها في اتفاقية السلام عليها أن تتوقع دوما «رد فعل» ليس فقط من البيئة الشعبية الأردنية التي تناصر الشعب الفلسطيني وحقوقه وتعادي الكيان ولكن أيضا من المؤسسات.
محمود مقتنع بـ«حتمية واحتدام» المواجهة بين المملكة ومشاريع اليمين الإسرائيلي، ويتصور بأن لغة الحتميات ذاتها اختلفت الآن بعد الطوفان الفلسطيني المقاوم، ومصلحة النظام الرسمي العربي برمته باتت تتطلب مقاربة لا تنتهي لا سمح الله بهزيمة المقاومة حتى وإن لم يعجب ذلك بعض الحكومات.
في ملف الحدود اتخذ الفريق محمود مبكرا في التحليل والقراءة دربا يلفت النظر إلى أن «الجغرافيا الأردنية» هي الأخطر على الكيان الإسرائيلي، حيث يوجد أكثر من 350 كيلومترا على طول الحدود مع فلسطين المحتلة فيها تضاريس منوعة وفيها جبال وأشجار ووديان وسياق طبيعي لتوفير الحماية له مكلف للغاية وتصبح فاتورته أعلى عند مناخ وجود «حرب وعدوان».
○ سمعناك على إحدى الفضائيات تحذر من كلفة الجغرافيا الأردنية…ما هو قصدك؟
• ليس سرا أن الجغرافيا الأردنية المحاذية للمحتل من أرضنا ممتدة، وأن فيها شعب يعيش القضية الفلسطينية وطبعا هي الأخطر أمنيا
على الكيان وعليه أن يفهم ذلك، فالجغرافيا الأردنية لا يحيطها المشروع الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي فقط، بل مشاريع أخرى إقليمية في الجوار لديها مصالح واحتياجات ولديها رؤى فكرية وعقائدية وإسرائيل تعتدي على الجميع.
وما أقصده أن طبيعة الجغرافيا الأردنية والحدود تستدعي الانتباه والحذر من الجانب الإسرائيلي، وأنصح الإسرائيليين بأن لا يتمادوا هنا وعليهم التيقن بأن التمادي والاستمرار في الجرائم سيقود إلى «ردود فعل» وحدود الأغوار ليست بمعزل عن هذا التحذير والتنبيه.
○ هل تتصور بأن «تمادي» إسرائيل بالجرائم يمكن أن يؤدي لإرهاق حدودي؟
• أولوية تأمين الحدود تتصدر في الأردن وفي الكيان، والفاتورة كبيرة لكن الكلفة تزيد مع استمرار العدوان.
الوحشية والأشلاء والتهجير والقصف.. تصرفات إسرائيلية تستفز الشعب الأردني وتثير غضبه لأن المسألة مرتبطة بـ«وعي الأردنيين» عموما هنا وبعقيدتهم ومنظورهم للقضية الفلسطينية والتأثر الشديد بكل ما يحصل للشعب الفلسطيني.
الأردنيون غاضبون طبعا بسبب جرائم إسرائيل التي لا تتوقف حيث المجازر وشمولية الاعتداء في غزة والضفة ولبنان ومشروع الضم…هذا الغضب موجود على حدود الجغرافيا وأطرافها بطبيعة الحال ووسط «بيئة تصعيد عسكري»، الأمر الذي يعني بالنتيجة عمليات ومحاولات تسلل وأحيانا ردود فعل.

استعراضات القسام

في معادلة المقاومة في قطاع غزة يصر الجنرال محمود وبكل خبرته العسكرية على أن المقاومة «حققت إنجازات» وإسرائيل ستخسر أي مواجهة برية جديدة بالمعنى العسكري المباشر.
○ ما هو رأيك الفني بالاستعراضات التي تنفذها المقاومة أثناء تسليم الرهائن والجثث؟
• شخصيا أرى هذه الاستعراضات ضرورية لا بل مهمة جدا من ناحيتين سياسية وعسكرية، ومن مراقبة ردود أفعال الجانب الإسرائيلي يمكن القول إن هذه الاستعراضات تحقق أغراضها خلافا لأنها أداة اتصال وتجميع وتحشيد مع الحاضنة الاجتماعية للمقاومة والتي قدمت الكثير من التضحيات.
○ ما الذي تقوله برأيك هذه الاستعراضات؟
• الاستعراضات تتألف من آليات ورجال وسلاح وحاضنة اجتماعية تؤيد المقاومة وبهذا النمط من الاستعراض تقول المقاومة باختصار «نحن اليوم التالي».
○ تستبعد عودة إسرائيل لهجوم بري في غزة… لماذا وعلى أي أساس؟
• الحديث عن عودة إسرائيل للعمل البري بالقطاع كلام فارغ من أي مضمون من وجهة نظر فنية وعسكرية، والجيش الإسرائيلي يعرف قادته أن العودة للميدان في البر لن تحقق شيئا لا بل سيخسر من ناحية المجهود العسكري بسبب قدرات المقاومة البشرية والتدريبية… لذلك أستبعد سيناريو العودة للعمل البري.
وكل ما يمكن للإسرائيلي فعله القصف عن بعد فقط والقتل، وللتذكير قتل الإبرياء والمدنيين ليس إنجازا عسكريا بل بالعكس جريمة تمس بشرف العسكرية وإسرائيل مدموغة الآن بالقتل والإبادة، وعليه أعتقد أن الكيان يمكنه ممارسة أي جريمة لكن من الصعب أن يخطئ في الحسابات مجددا فيعود للعمل البري داخل قطاع غزة.
○ في حال حصول مواجهة عسكرية بين الأردن وإسرائيل ما الذي سيحصل بتقديرك، أين ستقف القواعد العسكرية الأمريكية؟
• إذا وقعت الحرب بيننا وبين الإسرائيليين القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الأردنية خارج التأثير ولا علاقة لها بالمسار العملياتي.
الأردن للعلم قد لا تتوفر لديه مصلحة أو قدرة على شن حرب على إسرائيل، لكن الأردن يستطيع الدفاع عن نفسه وفي سياق دفاعي شمولي وفي حال الاعتداء على الأردن واضح المعادلة ستتغير كثيرا.
○ كنت صاحب النظرية التي تقول إن التهجير إعلان حرب في اتجاهين؟
• من جهتي الأردن بشعبه وجيشه ومؤسساته يقدر ويستطيع ولديه قدرات في التحكم بمستقبله وجعبتنا كأردنيين ليست خالية من الأوراق.
أي كلام يحاول الإيحاء بعدم توفر القدرة وهم محبط وما زلت أقول إن في عمق المكون الاجتماعي الأردني شعب له حقوق العودة وواجبنا كأردنيين بعيدا عن الخطاب الرسمي والحكومة أن نقول ذلك دوما.
○ ما هو برأيك كمراقب سياسي الفارق بين الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب؟
• تقديري ترامب ليس صهيونيا أو بايدن صهيوني أكثر منه، واهتمامات ترامب المال والتجارة، لذلك أتوقع إذا ما أراد السعي نحو تسوية شمولية أن يصطدم بالواقع والذي لا يقول إلا عبارة واحدة في المحصلة وهي «حل الدولتين».
لعل ما يناور به ترامب هنا أو هناك تأكيد على جوهر العلاقة بأن المسار الوحيد المتبقي المنطقي هو حل الدولتين.
وهذا يعيدنا للتذكير بأن المقاومة الفلسطينية حققت إنجازات كبيرة في الواقع ومن المنصف لها أن تقبض ثمنا سياسيا الآن بمعنى أن تبقى في المعادلة السياسية وأن تتوقف كل الأطراف عن محاولة منعها من تحصيل الثمن السياسي.
○ هل تعتقد بحتمية الصراع بين المشروع الأردني واليميني الإسرائيلي؟
• تلك لحظة قادمة لا محالة.. صحيح لا مصلحة لنا بالصدام العسكري لكن الصحيح أيضا أننا نستطيع الدفاع عن أنفسنا وإن كنا لا نستطيع الهجوم لأن أسلحتنا من منشأ أمريكي، لكن ليس سرا أن إسرائيل حتى تهاجم الأردن ينبغي أن تحصل مسبقا على موافقة الأمريكيين.
الأردن وإسرائيل سلاحهما من الولايات المتحدة والقواعد العسكرية الأمريكية في أرضنا بالنهاية.
○ هل سمعت وزير الخارجية أيمن الصفدي وهو يقول «سنحارب»؟
• أعتقد أنه استخدم التعبير مجازيا، والقصد أننا سندافع عن بلادنا، ونحن هنا نعيد القول بأن ما قبل الطوفان ليس كما بعده والشعب الفلسطيني بالمعنى التاريخي الآن راسخ أكثر من إسرائيل.
وفي الواقع جدلية اليوم التالي أصبح لها علاقة أيضا بوجود إسرائيل، وهذا المفصل من منتجات وإنجازات الطوفان.

مخاطر التهجير على إسرائيل

وجهة نظر الفريق محمود أن إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على طرح سيناريوهات «التهجير» خلافا لأنه عبثي وغير منتج سيؤدي إلى «تغييرات» مضادة للولايات المتحدة في المزاج الإقليمي عموما بين دول المنطقة وحصرا في مزاج بعض الدول العربية السياسي.
الدول العربية برأي محمود- وعلى رأسها الأردن ومصر- لا تستطيع أساسا القبول بالتهجير بصرف النظر عن المغريات أو التهديدات، والحقيقة أن المقاومة ورقة مهمة هنا وقوية وموجودة ومستمرة وتدعم الموقف المعاكس لسيناريوهات التهجير.
○ كيف تنظر لمقترحات التهجير الأمريكية؟
• أحاديث التهجير ليست سوى فقاعات للصهيونية العالمية التي لن تنجح في الظروف الحالية في فرض مشروعها التهجيري.
○ لماذا لن تنجح؟
• المناخ العربي والإسلامي في مكان آخر وغير ملائم لتمرير ترتيبات مريبة من هذا الصنف، والمقاومة موجودة وقوية والإصرار على التهجير سيغير الوضعية الإستراتيجية في الإقليم للولايات المتحدة وإسرائيل من حالة ضمان أمن حدود إسرائيل وحمايتها إلى حالة إقليم مضطرب ومتوتر شعوبه لا تحتاج لتعبئة الآن فما بالكم إذا حصلت تعبئة.
○ كيف يعبث التهجير بملف أمن الحدود؟
• حدود الكيان ممسوكة حتى اللحظة من الدول العربية إقليميا.
لكن ذلك قد لا يدوم إذا ما خططت الصهيونية للإصرار على فرض منطق التهجير، والواضح أن بلدا عربيا مهما مثل المملكة العربية السعودية لديه مصالح في الاتجاه المعاكس ولن يمشي مع الصهيونية في ترتيبها، كذلك مصر والأردن.
○ في الأردن بعد سيناريو التهجير…ما هي الرسالة؟
• أتصور أن جلالة الملك عقد جلسة خاصة مع متقاعدين عسكريين بعد عودته من زيارة واشنطن وتم خلالها التأكيد على رفض التهجير. تلك كانت رسالة بالمدلول الأردني بمعنى «الثبات والقوة».
○ هل الرسالة هنا تلويح بالتصعيد العسكري؟
• ليس بالضرورة. الأردن قوي ولديه عناصر ثبات وتمكين وبين يديه ثوابت أهمها رفض التهجير، وإذا أراد أي طرف أن يفهم الرسالة باعتبارها تلويحا عسكريا فليكن، لا يوجد ما يمنع ذلك والأرجح هنا أنه تلويح دفاعي.

رسائل ما بعد ترامب

عمليا قرأ الجنرال محمود مرحلة ما بعد التفاعل الأردني المباشر مع الرئيس دونالد ترامب بعيون «حريصة». مقترحا الالتزام بالدقة في التحليل وبناء الاستنتاجات بعيدا عن الأوهام ومركزا على أن المسار المقاوم في فلسطين وغزة يملك ميكانزمات البقاء والثبات والصمود، وهو الآن طرف مباشر في كل المعادلة.
يجدد محمود قناعته بأن «صمود المقاومة» في غزة فيه مصلحة عميقة للدولة ولمصالح الأردنيين حتى وإن لم يعجب مثل هذا الكلام بعض المتابعين أو المحللين.
بالقدر ذاته ليس مطلوبا من الأردن قفزة في الهواء أو المجهول، بل حكومته واجبها قراءة الوقائع الموضوعية بدقة لأن كل القرائن تثبت اليوم بأن حال الإقليم برمته قبل 7 أكتوبر لم يستمر ولن يستمر بعد هذا التاريخ.
مؤخرا توقف الجنرال محمود متأملا للمشهد بعد إشارات وردت عن وجود «أفراد يتلقون أوامر من الخارج».
○ سألت القدس العربي: ما هو المقلق في هذا الموضوع؟ • المقلق ليس الحديث عن أشخاص في الداخل لديهم ارتباطات خارجية، ولا حصول اختراق فهو موجود وثمة من تغلغل بالمجتمع الأردني، لكن المقلق والأهم هو الحديث عن ذلك في جلسة خاصة مع المتقاعدين العسكريين.
جلسات القيادة مع نخبة المتقاعدين لها نكهتها وهدفها وفيها رسائل عميقة ومهمة بالعادة خصوصا وأنها رسائل تبرز بين ثنايا حوار وطني بين رفاق السلاح وأبناء المؤسسة العسكرية.
○ ما الذي يمكن استنتاجه هنا؟
• ما يستنتج وجود غضب مرجعي له مبرراته على الأرجح وإن كانت المعطيات منقوصة بالنسبة للرأي العام لكنه ينطوي على رسالة غاضبة تطلب الأمر أن تقال وتطرح خلال جلسة خاصة مع المتقاعدين ورفاق السلاح…تلك بحد ذاتها رسالة لبعض الأطراف.
○ هل توافق على الرأي القائل بأن المقصود في ملف الارتباط الخارجي قد يكون التيار الإسلامي؟
• أنا عمليا لست مع المبالغة في التأويل والاجتهاد، والحقيقة واجب الحكومة والأجهزة المختصة أن تحدد من يخالف القانون وتمنع المجتمع من التكهن وتوزيع الاتهامات، وبخصوص التيار الإسلامي لا أعلم صدقا ما إذا كان المقصود أم لا، وتقديري الشخصي حسب فهمي للمعطيات الإعلامية أن الحركة الإسلامية قد لا تكون الجهة المرجحة فموقفها السياسي معلن خلف الموقف المرجعي وموقف الدولة في مقاربات القضية الفلسطينية، ولا توجد مادة واضحة علنا تقول إن الإسلاميين في موقف مختلف عن خطاب الثوابت الرسمي.

المقاومة- نقطة ارتكاز

يصر الفريق قاصد محمود على أن مستوى الانحراف الذي تسبب به وأنتجه الرئيس الأمريكي عندما اقترح «التهجير وريفييرا» يخلط كل الأوراق في المنطقة خصوصا عند بعض الدول الأساسية الحليفة للولايات المتحدة، حيث مقترحات لا يمكن لا تبنيها ولا حتى مناقشتها لا بل الواجب يقتضي التصدي لها.
يعتقد محمود أن الرسائل التي صدرت عربيا ضد التهجير تقول إن النظام الرسمي العربي بمفاصله الأساسية في الاتجاه المعاكس تماما لصفقة ترامب بخصوص غزة.
هذا ينتج تعقيدات لا يستهان بها برأي محمود، وفيما المقاومة الفلسطينية في الميدان تصبح «نقطة ارتكاز» محورية لا يستهان بها واضح أن بعض الدول العربية الكبرى برسم إعادة إنتاج حزمة صفقات كانت متوقعة أو مبرمجة مع الرئيس ترامب…هنا حصرا قد تبرز مفاجآت لأن سيناريو «ريفييرا والتهجير» خلط الأوراق وأربك كل الخطوط والجبهات.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب