هل يتحقق السلام بعد دعوة عبدالله أوجلان؟

هل يتحقق السلام بعد دعوة عبدالله أوجلان؟
د. مثنى عبدالله
في عام 1999 هددت تركيا باجتياح سوريا بدعوى أنها توفر الدعم والحماية للزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان المقيم على أراضيها. فاضطر نظام حافظ الأسد الى أرغام الرجل على مغادرة سوريا وكانت وجهته كينيا. غير أن فرقة كوماندوز تركية وبالتعاون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، نفذت عملية اختطاف ناجحة له في كينيا، وتم اعتقاله ثم احتجازه في سجن في جزيرة إمرلي في بحر مرمرة قبالة مدينة إسطنبول، وما زال يقبع فيه حتى اليوم.
وفي 31 مايو/ أيار من العام نفسه تم عرضه على محكمة تركية بتهمة الخيانة، وتسببه في مقتل أكثر من 30 ألف شخص، نتيجة قيامه بعمليات حربية من أجل انفصال الأكراد عن تركيا، وصدر بحقه حكم بالإعدام في 29 يونيو/ حزيران 1999.
في الفاتح من الشهر الجاري فاجأ زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان أنصاره والعالم، بدعوته الحزب إلى عقد مؤتمر عام يحل من خلاله نفسه، وأن تُلقي الفصائل الكردية المسلحة السلاح الذي حملته ضد الدولة منذ ثمانينيات القرن المنصرم. والمثير للانتباه في هذه الدعوة إنها ليست موجهة إلى عناصر حزب عبدالله أوجلان وحسب، بل أيضا هي تعني أكراد الإقليم جميعا، الموزعين على دول أربع هي تركيا والعراق وسوريا وإيران. وبذلك يمكن القول، إن هذه الدعوة إذا ما كُتب لها النجاح، فإنها ستسدل الستار على حقبة طويلة من الصراع الداخلي في المنطقة، وتفتح آفاقا جديدة ذات ملامح سياسية وأمنية واقتصادية مختلفة تماما عما سبق.
ولعل من أهم العوامل التي ساعدت في صُنع مضامين رسالة أوجلان هو التحوّل السياسي الحقيقي، الذي ظهر في الداخل التركي باتجاه الملف الكردي، وما واكب ذلك من اتصالات مباشرة مع عبدالله أوجلان، على خلاف قول البعض، إن دعوة أوجلان، أربكت الحسابات التركية. فالدعوة جاءت وفق اتفاق بين الدولة التركية والزعيم عبدالله أوجلان، حيث إن بعض المعلومات تشير إلى أن الحليفين السياسيين في السلطة رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية، ودولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية، قاما بزيارة أوجلان عدة مرات، وتم الاتفاق في ما بينهم على الخطوات اللاحقة ومنها، الدعوة التي صدرت عن أوجلان.
المراهنة على النجاح السريع في ملفات ذات قضايا مُركّبة ضرب من الخيال. وملف القضية الكردية معقد ويتطلب مشاركة واسعة من أطراف محلية وإقليمية ودولية للوصول إلى صيغة حل سياسي
وقد يتساءل البعض عن سبب صدور هذه الدعوة الآن. والحقيقة التي لا يستطيع أحد نكرانها هي، أن الشرق الأوسط دخل في مرحلة توقيتها مختلف عما سبق. وهذا التوقيت بدأ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والحرب التي شُنت على غزة، وهو فرض سلطته على ملفات كثيرة في المنطقة ومنها الملف الكردي التركي. وقد ولّد ذلك رغبة واضحة لدى الأتراك والأكراد في إيجاد قراءة جديدة وفق المتطلبات الجديدة الداخلية والإقليمية. وفي هذا الصدد يقول أوجلان في رسالته الحالية إن (لغة عصر السلام والمجتمع الديمقراطي تغيرت، وبحاجة إلى التطوير). لكن هذه الدعوة ليست يتيمة فقد سبقتها دعوتان من عبدالله أوجلان نفسه، كانت الأخيرة منها في عام 2013، حين كان أردوغان بمنصب رئيس الوزراء. كما صدرت عن الحزب أكثر من 13 مبادرة لوقف إطلاق النار من جانب واحد، لإفساح المجال لقيام مفاوضات لكنها فشلت جميعها.
إن البيان الصادر عن أوجلان يشير إلى نقاط واقعية ومهمة، وهي أن الأكراد والأتراك يجب عليهم أن يجتهدوا معا من أجل وضع علاقة جيدة في ما بينهم وعلى أسس رصينة، وأن تشبث حزب العمال الكردستاني بمرحلة النشأة ووسائلها وأساليبها يجعله يعيش في واقع مضى، كان فيه الشعب الكردي محروما من حقوقه ومضطهدا ويعيش في حالة من الإنكار لواقعه وهويته، بل عليه الوعي بالواقع الحالي الذي ظروفه مختلفة تماما عن ذلك الظرف. كما أن هناك اعترافا صريحا وواضحا بأن أيديولوجية الحزب قد تغيرت، فهو يقول (إن انهيار الاشتراكية العالمية سبب آخر لضرورة إلقاء السلاح). بمعنى أن هذا الفكر الذي طُرح في مطلع الثمانينيات قد انتهى مفعوله اليوم، وعليه لا بد من مراجعة المواقف السياسية والشعارات والوسائل والأساليب.
السؤالان المهمان الآن هما، هل سيُكتب لهذه الدعوة النجاح؟ وهل ستستجيب عناصر حزب العمال وغيرها من الفصائل الكردية المسلحة لهذه الدعوة؟
إن المراهنة على النجاح السريع في الملفات التي تحوي قضايا مُركّبة ضرب من الخيال. وملف القضية الكردية شائك ومعقد ويتطلب مشاركة واسعة من أطراف محلية وإقليمية ودولية من أجل الوصول إلى صيغة حل سياسي. صحيح أن الزعامات الكردية في الإقليم كانت ردود فعلها إيجابية تجاه دعوة الزعيم أوجلان. كما أن الدعوة لقيت ترحيبا دوليا من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والأمم المتحدة. لكن العمل على إنجاح الدعوة يتطلب الكثير من الحوارات والنقاشات، والأهم من ذلك كله يتطلب خطوات سياسية مهمة من قبل الدولة التركية، ومنها تعديلات الدستور التركي، بما يلائم بيان أوجلان وهذه عقبة كبيرة. فالتكتل الحاكم في تركيا اليوم لا يملك القوة البرلمانية التي تؤهله للقيام بذلك. وبذلك فهو بحاجة إلى دعم المعارضة، ما يعني أنه لا بد أن تكون هناك نقاشات على مستوى الأحزاب السياسية التركية حول ما الذي يمكن أن يُطرح. أما في ما يخص استجابة الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني وباقي التنظيمات الكردية المسلحة لمبادرة أوجلان، فقد ظهرت أصوات من هذه الأطراف تقول إن ما طُرح في هذه الدعوة كان عبارة عن عناوين عريضة، وإنه يجب أن تحصل لقاءات عدة ومكثفة على صعيد البُنية الداخلية لهذه الجماعات قبل الموافقة. كما أنهم يطالبون بأن تكون هناك تفاصيل دقيقة أكثر لتصريحات أوجلان، ومراقبة عملية للتطورات والاتفاقيات التي حدثت بين الجانبين التركي والزعيم الكردي. على اعتبار أن القضية الكردية لا يمكن إنهاؤها بتصريح أو بيان، فهي قضية شعب وأرض وهي مسألة سياسية معقدة.
إن البيئة الحالية على مستوى الداخل التركي وعلى مستوى الإقليم، قد تكون عاملا مساعدا في الحوار التركي الكردي، وإن رسالة أوجلان بحد ذاتها ستسهم في تحقيق هدف أنقرة في سحب ورقة التلاعب أو التأثير في الملف الكردي من قبل قوى إقليمية، خاصة أن إسرائيل بدأت تتحدث على لسان نتنياهو في أن تكون جزءا من الملف السوري عبر الورقة الكردية في سوريا. كما يبدو أن أنقرة لا تعلم ماذا يريد ترامب من الوضع السوري بالذات، وهي لا تريد تأزيم الأوضاع، ووضعها الاقتصادي هو الآخر في حالة صعبة. لذلك هنالك أمل في أن تلقى هذه الدعوة التجاوب من جميع الأطراف خاصة الدولة العميقة في تركيا، وكذلك بعض الأطراف الكردية التي لديها أستقلالية معينة مثل قوات سوريا الديمقراطية.
كاتب عراقي