حملة ترامب ضد المتضامنين مع فلسطين تبدأ مع تفكيك وزارة التعليم الأمريكية واعتقال الناشط محمود خليل

حملة ترامب ضد المتضامنين مع فلسطين تبدأ مع تفكيك وزارة التعليم الأمريكية واعتقال الناشط محمود خليل
رائد صالحة
واشنطن ـ في خطوة مثيرة للجدل، أصدرت وزيرة التعليم الأمريكية، ليندا ماكماهون، تحذيرًا لـ 60 جامعة تخضع حاليًا للتحقيق بشأن مزاعم تتعلق بمعاداة السامية، مهددة بفرض عقوبات عليها.
جاء هذا التحذير بعد أيام فقط من قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب بسحب 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية المخصصة لجامعة كولومبيا، في ظل محاولات الإدارة ترحيل الناشط الفلسطيني محمود خليل بسبب مشاركته في احتجاجات مناهضة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة داخل الحرم الجامعي.
وفي سياق متصل، أعلنت إدارة ترامب خططًا لإلغاء وزارة التعليم بالكامل، حيث كشف البيت الأبيض هذا الأسبوع عن نية الإدارة لتسريح 1.300 موظف إضافي، ما يؤدي إلى تقليص عدد العاملين في الوزارة إلى النصف تقريبًا منذ تولي ترامب منصبه.
وقال طارق حبش، المستشار السابق في وزارة التعليم الذي استقال احتجاجًا على دعم إدارة بايدن لإسرائيل في حربها على غزة، إن هذه الإجراءات لا تتعلق بمكافحة معاداة السامية بقدر ما تهدف إلى تعزيز سلطة ترامب.
وأكد حبش، الذي كان الموظف الفلسطيني الأمريكي الوحيد في الوزارة، أن الإدارة تستغل قوانين الحقوق المدنية والمؤسسات الحكومية لقمع أي معارضة سياسية.
وأضاف «ما يجري هو استغلال ممنهج للمؤسسات الحكومية من أجل قمع الاحتجاجات الطلابية، وخاصة تلك الداعمة للحقوق الفلسطينية. من المثير للقلق أن يتم تصوير المتظاهرين المناهضين للحرب على أنهم متطرفون، في حين أن العديد منهم من الطلاب اليهود أنفسهم.»
ويأتي هذا التصعيد في وقت تتعرض فيه وزارة التعليم نفسها لتخفيضات كبيرة، حيث تستهدف عمليات التسريح الأخيرة مكتب الحقوق المدنية، المسؤول عن التحقيق في الشكاوى المتعلقة بالتمييز في الجامعات. ويشير حبش إلى أن هذه التحقيقات ليست سوى «حيلة سياسية» تهدف إلى ترهيب المؤسسات الأكاديمية وإخماد أصوات المعارضة.
وتتماشى إجراءات تخفيض العمالة مع خطة ترامب المعلنة في مشروع «2025»، والتي تهدف إلى تقليص دور الحكومة الفيدرالية. وتروّج الإدارة لفكرة تحويل ميزانية التعليم مباشرة إلى الولايات بدلًا من إدارتها مركزيًا.
لكن حبش يرى أن هذه الخطوة خطيرة، موضحًا أن الوزارة مسؤولة عن ضمان الامتثال للقوانين، وحماية خصوصية بيانات الطلاب، وضمان عدم إساءة استخدام التمويل الفيدرالي. وأضاف: «وزارة التعليم هي أصغر وكالة وزارية، ويعمل فيها أقل من 4.200 موظف. هذه ليست مؤسسة مترهلة كما يزعمون، بل هي الجهة المسؤولة عن حماية الطلاب، وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا مثل ذوي الاحتياجات الخاصة والطلاب الدوليين.»
ويؤكد حبش أن الإدارة تسعى إلى تحويل الوزارة إلى «أداة دعائية»، بدلًا من التركيز على تحسين جودة التعليم.
وتواجه الجامعات الأمريكية الآن تحديًا غير مسبوق، حيث تجد نفسها وسط صراع سياسي حاد. وبينما تزداد الضغوط على المؤسسات التعليمية بسبب التحقيقات الحكومية، تتصاعد المخاوف بشأن التأثير طويل المدى لهذه السياسات على حرية التعبير وجودة التعليم في البلاد.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الجامعات من مقاومة هذه الضغوط السياسية، أم أنها ستخضع للإجراءات العقابية المفروضة عليها؟
وعلى أي حال، مهمة ترامب ضد الحراك الطلابي الأمريكي المتضامن مع فلسطين لن تكون سهلة على الإطلاق، حيث انطلقت حركة التضامن للمطالبة بالإفراج عن الناشط الطلابي محمود خليل، الذي احتجزته إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية «ICE» بشكل غير قانوني الأسبوع الماضي لدوره في مخيم التضامن مع فلسطين في جامعة كولومبيا. ورغم أن خليل مقيم في نيويورك، فقد نُقل إلى مركز احتجاز في جينا، لويزيانا، على بُعد أربع ساعات من مدينة نيو أورلينز.
وسارع الناشطون إلى تنظيم مؤتمرات صحافية، وإجراء مكالمات هاتفية، وتنظيم مظاهرات، ليوضحوا لإدارة ترامب ودائرة الهجرة والجمارك أن الحركة في لويزيانا ستناضل من أجل إطلاق سراح خليل.
وعقدت ست منظمات مؤتمرًا صحافيًا طارئًا أمام مكتب النائب تروي كارتر، عضو مجلس النواب عن ولاية لويزيانا، في وسط المدينة، مطالبةً إياه بالضغط من أجل إطلاق سراح خليل وإعادة منحه الإقامة الدائمة. ونظم ائتلاف نيو أورلينز من أجل فلسطين حملة تواصل هاتفي استمرت يومًا كاملًا للاتصال بمكتبه.
وأكد مجدي جابر، من فرع حركة الشباب الفلسطيني في نيو أورلينز، على مطالبة الائتلاف لتروي كارتر «بمواءمة أفعاله مع أقواله والاجتماع مع الشباب الفلسطيني وشيوخنا وشركائنا في الائتلاف، وكذلك الانضمام إلى عضوة الكونغرس رشيدة طليب و13 زميلاً آخرين في مجلس النواب في التوقيع على رسالة تدعو رسميًا إلى إطلاق سراح محمود خليل».
وتحدث روري ماكدونالد، وهو طالبٌ مُفصولٌ من جامعة تولين لمشاركته في مخيمٍ جامعيٍّ لدعم غزة، نيابةً عن حركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي «SDS» وقال إن ترامب وإدارته «يعتقدون أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب في لويزيانا، بينما لا يستطيعون الإفلات منه في نيويورك. نحن هنا لنُخبرهم أنهم مخطئون تمامًا. الناس والطلاب في نيو أورلينز ولويزيانا يراقبون، وسنُثير الفوضى في هذه المدينة حتى يُطلق سراح محمود خليل».
وأصدر مكتب تروي كارتر منذ ذلك الحين بيانًا يدين هجمات ترامب على الطلاب، جاء فيه: «أقف بحزم ضد إساءة استخدام السلطة الفيدرالية لقمع حرية التعبير. أنا ملتزم بحماية حقوق جميع الأفراد، وسأواصل التصدي لأي جهد يقوض الدستور».
وفي وقت لاحق، تظاهر المئات ونزلوا إلى الشوارع مطالبين بالإفراج عن خليل، وبإعلان جامعتي تولين ولويولا نفسيهما حرمين جامعيين آمنين، ورفضهما الامتثال لقوانين إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية. وبدأت المظاهرة بهتافات مثل: «لا تستسلموا للمخاوف العنصرية، المهاجرون مرحب بهم هنا» و«نريد العدالة، كيف تقولون: أطلقوا سراح محمود خليل الآن».
وقد أثار اعتقال خليل غضبًا واسعًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ووقّع 14 عضوًا من أعضاء الكونغرس رسالةً إلى وزارة الأمن الداخلي يطالبون فيها بالإفراج عنه، وعلّق قاضٍ فيدرالي عملية ترحيله مؤقتًا.
«القدس العربي»: