الأردن: مرحلة الاحتماء بـ«التحديث» لا تبعد سيناريو التعديل

الأردن: مرحلة الاحتماء بـ«التحديث» لا تبعد سيناريو التعديل
بسام البدارين
طاقم الرئيس حسان بدأ يفقد جاذبيته والشارع غير معني بالحكومة، والقوى الوسطية في البرلمان تطارد الوزراء، ومجسات الرعاية والعناية عن بعد أقل نشاطا أو منشغلة بأولويات أهم.
عمان ـبعض المستجدات والعديد من المؤشرات بدأت ترجح بأن وزارة الرئيس الدكتور جعفر حسان في الأردن قد تجد في الأسابيع القليلة المقبلة صعوبة أكبر وأكثر في الاختباء وراء سيناريو التمكين الاقتصادي لتبرير التعاطي مع الواقع الموضوعي، ولتمرير ضعف الاستجابة السياسية من جهة الحكومة التي لم تعد جديدة أو لم يعد بامكانها أن تحظى بالدلال المؤسسي والمرجعي أكثر في الأيام المقبلة.
الاحتماء بالرؤية الاقتصادية مهمة نبيلة سياسيا في كل حال.ولكن مع الانتقال من مرحلة 6 أشهر بعد التأسيس وأقل بقليل بعد ثقة البرلمان وعبور الميزانية المالية بات واضحا أن الحديث عن التحديث الاقتصادي حصرا لم يعد كافيا كورقة ثبات تتصلب فيها الحكومة ليس من حيث البقاء فلا أحد ينازع الوزارة الحالية جزئيا ولكن من حيث الاحتفاظ بالتركيبة والتقنية والأسلوب.
حتى أصدقاء هم فاعلون في القطاع الاقتصادي الخاص لحكومة حسان وأولوياتها يصرون على أن الحديث عن الشراكة بين القطاعين لا يزال حبرا على الورق أو مجرد مقولات رومانسية سياسيا وإعلاميا لم تنتقل بعد إلى المستوى البرامجي.
ملاحظون أقوياء ومناصرون للحكومة لاحظوا مؤخرا بأن رئيس الوزراء بدأ يخفف من جولاته الميدانية بعدما أعلن بأن جولات العمل في الميدان هي الأساس، علما بأن هذا الأساس قد يصلح لتسويق حكومة وليدة في الأسابيع الأولى من عمرها لكنه بات لا يصلح بالتأكيد لإدامة علاقة مستقرة سياسيا ودستوريا مع مجلس نواب أغلبيته حزبية.
في كل حال ورثت حكومة حسان تركة ثقيلة اقتصاديا، واتخذت مع بدايات تشكيلها مسارا لافتا للنظر في اتخاذ قرارات إدارية واقتصادية جريئة، لكنها قالت وبكل اللهجات مبكرا حتى قبل رصد أي إنجاز حقيقي في المسار بأنها حكومة أولويات اقتصادية، والوزراء فيها مبكرا يشتكون من انغماسهم في عملية إصلاح إدارية الطابع لسلسلة من القرارات المربكة التي أعقبت بعض المفاصل إداريا واتخذتها حكومات الماضي.
إصلاح أخطاء حكومات سابقة في ظل أزمة اقتصادية ومالية وإقليمية عموما مهمة صعبة وشاقة على طاقم وزاري وتكنوقراطي انتهى بوراثة ملفات معقدة، فيما الأهم التذكير بما قاله البرلماني صالح العرموطي سابقا بعنوان «الشعب والمرحلة يتطلبان حكومة أجندة وطنية سياسية بامتياز والاحتياج ملح لما هو أبعد وأعمق من حكومة تكنوقراط اقتصادي في مرحلة مصالح الوطن الجذرية العميقة فيها مهددة».
لا يريد الدكتور حسان الالتفات كثيرا إلى هذا الاجتهاد، ولا يهتم بأي التفاتة تجاه النصائح التي تقترح عليه مخاطبة الأردنيين في أولوياتهم السياسية الملحة وعلى رأسها مشاعر الإحساس العام بالخطر من أطماع المشروع الإسرائيلي علما بأن رموز الحكومة في الأغلب أقرب إلى منطق التكيف السياسي مع التداعيات الإقليمية الحرجة.
عمليا الستار المرتبط بانقاذ ما يمكن انقاذه اقتصاديا لم يعد كافيا لتوفير الغطاء، ومع مرور الأسابيع بدأت المساءلات تنهش الحكومة في البرامج والأداء اليومي، وفكرة استبعاد التعديل الوزاري ستصبح غير منتجة تماما بعد وقت قصير لأن ميكانيزمات التعديل أصلها تجديد الثقة والروح والأداء في الحكومات.
في المربع الاقتصادي الانغماس في التركيز على أزمة المديونية صنع قيودا على الإنفاق وصعد منطق الجباية. بالتالي الإنتاجية ليست بالمنسوب المطلوب والكافي لبقاء الحكومة في مستوى الجاذبية الشعبية والمرجعية، والعلاقة مع مجلس النواب لا تبدو مريحة كما كانت منذ أسابيع.
عدد أكبر من أعضاء البرلمان يستفسر يوما بعد الآخر عن أسباب غياب رئيس الوزراء عن الجلسات الهامة، وبعض قيادات المجلس نهشت علنا وزراء في الحكومة والانطباع الشعبي العام لا يزال قائما بأن الحكومة القائمة لا تفضل التحدث مع الشارع في القضايا السياسية الكبيرة مثل انعكاسات وتداعيات تطورات القضية الفلسطينية على الساحة الأردنية .
الرمال فيما يبدو متحركة أكثر تحت أرجل وزارة الرئيس حسان، والشاشات التي تبث الدعم والإسناد توقفت فيما يبدو، ومرحلة الدلال العام تحت عنوان فرصة العمل والتغيير تلامس نهايتها والكيمياء غائبة عن العلاقة بين الرؤساء في السلطتين التشريعية والتنفيذية وغائبة في التوازي عن علاقة رئيس الحكومة ببعض الوزراء.
إغواء الانفراد بملف التحديث الاقتصادي لم يعد ممرا وحيدا يغري الرأي العام بدعم الحكومة، وكلاسيكيات العمل البيروقراطي بدأت تغلق نوافذ الجاذبية السياسية التي مررت الحكومة ورئيسها مع بداية تشكيلها، والانطباع يزيد بان الحكومة تتقادم ورغم قراراتها الجريئة، هامش الإنجاز في المسألتين الاقتصادية والمالية محدود للغاية والمشكلات أكثر تعقيدا والوقت إداريا يهدر بصورة أسرع.
الخلاصة هنا واضحة، طاقم الرئيس حسان بدأ يفقد جاذبيته والشارع غير معني بالحكومة، والقوى الوسطية في البرلمان تطارد الوزراء ومجسات الرعاية والعناية عن بعد أقل نشاطا أو منشغلة بأولويات أهم.
تلك عناصر تتكدس فيما سحر الجولات الميدانية أخف والتعديل قد يطرق الأبواب قسرا.
«القدس العربي»: