أميركا جنّت

أميركا جنّت
يبدو أنه لم يبق لدى الإدارة الأميركية الجديدة بقية من العقل. لا يقتصر جنون دونالد ترامب وفريقه على الإجراءات الاقتصادية والمالية داخل الولايات المتحدة وخارجها، بل إن نظرة ترامب إلى استثمار القوة في العالم تقوده إلى خيارات تبعده نهائياً عما سوّق له في طروحاته السابقة عن كونه «رجل إطفاء الحروب». وبات جلياً أن ملاحظاته على إدارة الرئيس السابق جو بايدن لا تتعلق بموقفه من التورط في مشاكل العالم، بل في كيفية إدارة هذه النزاعات.
في منطقتنا، حيث النار تلفّ كل الدول، أجرت إدارة ترامب تقييماً للحرب الإسرائيلية المفتوحة منذ تشرين الأول 2023، وخرجت بنتيجة أن إسرائيل حقّقت نجاحات كبيرة، وعلى الولايات المتحدة حصد نتائجها السياسية. وتتطابق وجهة ترامب مع مبدأ بنيامين نتنياهو القائل إن ما لا يتحقق بالقوة، يمكن تحقيقه بمزيد من القوة، وهو ما عدّل فريق ترامب من صياغته للقول إن السلام يحصل عن طريق القوة.
وفق هذا المنطق، قرّرت إدارة ترامب تولّي الأمر بنفسها. وقد وجدت أن التورط في العدوان المباشر والواسع ضد اليمن طريق لتحييد صنعاء ليس عن الصراع مع إسرائيل فقط، بل منعها من فرض أي وقائع سياسية في جنوب الجزيرة العربية، والحدّ من انعكاس سياسة «أنصار الله» على دول حوض النيل العربية والأفريقية.
كما أن ترامب الذي يعرف أن السعودية صاحبة مصلحة في إعلان نهاية لحرب اليمن، قرّر ابتزازها مجدّداً، مستعيناً بالإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، ودفعها للعودة إلى الحرب المباشرة من خلال فصائل الجنوب، على أن تتولّى الولايات المتحدة توفير الدعم المباشر من خلال ضربات عسكرية ضد «أنصار الله».
الأمر نفسه في فلسطين، حيث قرّرت إدارة ترامب أن تتولى إدارة الملف عبر إدارة المفاوضات مباشرة مع حركة حماس، من دون حاجة إلى المرور عبر الوسيطين المصري والقطري، بل دفعتهما ليقفا بعيداً قليلاً، ومن ثم وفّرت غطاء لإسرائيل للعودة إلى الحرب في القطاع، استناداً إلى أن حماس رفضت المبادرة الأميركية وليس الإسرائيلية. وما يفعله ترامب هنا، ليس السماح لإسرائيل بشن الحرب من جديد، بل مدّها أيضاً بما تحتاج إليه من مال وسلاح.
أما في لبنان، وبدل أن تساعد الإدارة الأميركية فريقها الذي أوصلته إلى سدة الحكم في رئاستي الجمهورية والحكومة، عبر إلزام إسرائيل بالانسحاب من الجنوب وفتح الباب أمام المساعدات المالية، قرّرت تبني الوجهة الإسرائيلية التي تقول إن إسرائيل مستعدّة للخروج من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق الأسرى والسماح بإعادة إعمار القرى الحدودية، مقابل اتفاقية أمنية – سياسية.
وقد بادرت الولايات المتحدة إلى تعطيل عمل لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار في الجنوب، ومنعت أي اجتهاد أو وساطة فرنسية، كما عطّلت عمل القوات الدولية، ولم توفّر المساعدات المالية واللوجستية لتوسيع انتشار الجيش جنوباً، وهي تهدّد لبنان الآن، صراحة، بأنها تريد مفاوضات سياسية مباشرة فوراً، وإلّا على لبنان تحمّل المسؤولية، والتلويح بأن الولايات المتحدة لم تعد ضامناً لوقف إطلاق النار، وستطلق يد إسرائيل في متابعة الضربات الجارية حالياً وتكثيفها، مع إبلاغ لبنان بأنه لن يحصل على أي دعم مالي عربي أو غربي في حال لم ينخرط في هذا المشروع.
طبعاً، سيخرج في لبنان من يبرّر مسبقاً الضغوط الأميركية، سواء باتهام المقاومة بعدم الالتزام بتطبيق القرار 1701، أو عبر إطلاق نقاش جديد تحت عنوان «ما المانع من المفاوضات المباشرة». وهؤلاء، ليسوا إلا جوقة تعمل بإشراف السفارة الأميركية في بيروت، وبتمويل سعودي وإماراتي، وهدفهم خلق أجواء داخلية تقول إن على لبنان عدم تحدّي الإدارة الأميركية. ولا يعنيهم ما إذا كان ذلك قد يدفع البلاد نحو المجهول، وليس بينهم من تعلّم من دروس الماضي.
هذه المرة، الموقف ليس رهن مَن يرفض الإذعان للعدو فقط، بل رهن مَن يكون شريكاً في تمرير مشروع كهذا. هناك تقع المسؤولية مباشرة على الرئيسيْن جوزيف عون ونواف سلام… فلنراقبهما!
الاخبار اللبنانيه