تحقيقات وتقارير

بلا حسم في غزّة وبتفاقم أزمته الداخليّة: نتنياهو قد يوسّع الحرب

بلا حسم في غزّة وبتفاقم أزمته الداخليّة: نتنياهو قد يوسّع الحرب

إسرائيل لم تنفذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وادعاءاتها ضد حزب الله شبيهة بادعاءاتها ضد حماس قبل استئناف الحرب على غزة. وحكومة نتنياهو متماسكة والمؤسسة العسكرية والأمنية ستدعمه، إذا قرر تحويل الحرب إلى حرب إقليمية

تمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، طوال العام الماضي من منع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى مع حماس، ثم وافق على ذلك، بداية العام الحالي، ودخل اتفاق كهذا حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير، وبموجبه يتم تبادل الأسرى على مراحل وصولا إلى وقف إطلاق نار دائم.

كان واضحاً أن نتنياهو اضطر إلى الموافقة على هذا الاتفاق. ليس لأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مارسا ضغوطا شديدة عليه، وإنما لأن نتنياهو أراد تخفيف الضغوط التي يواجهها، وخاصة الداخلية التي طالبت بإعادة الأسرى من غزة، لكنه كان يخطط لعدة خطوات إلى الأمام، بدأ بتنفيذها ليلة الإثنين – الثلاثاء الماضي، عندما استأنف الحرب على غزة.

وتبين أن نتنياهو توصل إلى تفاهمات مع ترامب حول خططه لاستئناف الحرب، وضمن هذه التفاهمات أن “نتنياهو دفع الأميركيين إلى طرح سلسلة مقترحات جديدة (التي قدمها ويتكوف في المفاوضات) في محاولة للالتفاف على التعهد المركزي الذي وافقت حماس عليه في الصفقة الأصلية (خلال ولاية بايدن)، وهو موافقة إسرائيلية على وقف إطلاق نار دائم”، وفق ما ذكر الصحافي باراك رافيد في موقع “واللا” الإلكتروني.

لنتنياهو مبرراته الشخصية لاستئناف الحرب واستمرارها، وأولها استمرار حكمه ثم محاولة التهرب من محاكمته بتهم فساد خطيرة. ومنذ بداية الحرب، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، وضع نتنياهو هدفين لها، هما القضاء على حماس وإعادة الأسرى الإسرائيليين. وبدا بذلك أنه وضع سقفا عاليا لإنهاء الحرب، إذ حذر خبراء ومحللون عسكريون، في حينه، أن هذان الهدفان متناقضين، وليس بالإمكان تحقيقهما، وتبين أن هذا التحذير كان صحيحا حتى وقف إطلاق النار، قبل شهرين. وباستثناء استشهاد عشرات آلاف الغزيين والدمار الهائل في قطاع غزة، فإن إسرائيل لم تقضِ على حماس ولم تستعد جميع أسراها، طوال سنة ونصف السنة من الحرب.

نتنياهو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، (مكتب الصحافة الحكومي)

وتدعي إسرائيل أن استئناف الحرب يهدف إلى تليين مواقف حماس في المفاوضات، ليظهر نتنياهو بذلك كأنه يريد وقف الحرب واستعادة الأسرى، وأن حماس هي التي ترفض ذلك. لكن تبين أن نتنياهو يضع شرطا تعجيزيا لا يمكن أن توافق عليه حماس، وهو أن تنزع سلاحها، وأن توافق على نفي عناصرها إلى الخارج.

وباستئناف الحرب، عادت إسرائيل تكرر الهدفين ذاتهما – القضاء على حماس واستعادة الأسرى – وأن يتم ذلك من خلال “ضغط عسكري”، وكأن الحرب لمدة سنة ونصف السنة لم تكن ضغطا عسكريا. وقال نتنياهو أيضا أن المفاوضات ستجري منذ الآن تحت إطلاق النار، وكأنها لم تجر بهذا الشكل قبل 19 كانون الثاني/يناير.

هدفا إسرائيل في الحرب هما ذاتهما منذ بداية هذه الحرب، ولم تحققهما منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر العام 2023. ويؤكد خبراء ومحللون عسكريون إسرائيليون الآن أيضا أنهما هدفان متناقضان.

ماذا بعد؟

استمرار الحرب يعني أن الحرب هي هدف بحد ذاته، من أجل قتل المزيد من الفلسطينيين وإلحاق المزيد من الدمار في القطاع. وسيؤدي أيضا إلى مقتل المزيد من الإسرائيليين، وخاصة الجنود، بينما تبرز حاليا صعوبات في تجنيد قوات الاحتياط، حسب وسائل إعلام إسرائيلية. كما برزت حالات، وإن كانت معدودة حتى الآن، لرفض الخدمة العسكرية من جانب ضباط احتجاجا على استئناف الحرب من دون استعادة الأسرى من غزة.

والتوقعات في إسرائيل هي أن الشرخ والانقسام الاجتماعي سيتسع ويتعمق، وبدأ هذا يظهر في المظاهرات الحاشدة في الأيام الماضية، التي طالبت بإعادة الأسرى، الذي يعني وقف إطلاق النار. كما أن “مكانة إسرائيل الدولية” ستتراجع أكثر بعد أن دعا زعماء دول أوروبية مؤيدة وداعمة لإسرائيل، مثل ألمانيا، إلى وقف الحرب.

دبابة إسرائيل مقابل قرية في جنوب لبنان، الأسبوع الحالي (Getty Images)

لكن لا يبدو أن نتنياهو يكترث بدعوات كهذه، وما يهمه هو الموقف الأميركي، وبشكل خاص موقف ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض، وفي جعبته توجد خطط، أعلن عنها وبينها أنه يريد إنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا، وصفقة كبيرة مع السعودية، تشمل تطبيع علاقات بين الأخيرة وإسرائيل، وكذلك اتفاق نووي جديد مع إيران. ويبدو الآن أن نتنياهو سيعرقل خطط ترامب هذه.

في هذه الأثناء، ينجح نتنياهو في الحفاظ على حكومته، التي عاد إليها حزب “عوتسما يهوديت” برئاسة إيتمار بن غفير، هذا الأسبوع. ويتوقع أن يعزز استقرار حكومته أكثر بسن قانون يعفي الحريديين من التجنيد للجيش، لكن هذا سيؤدي إلى تعميق الانقسام أكثر في المجتمع الإسرائيلي.

في ظل هذا الوضع، حيث لا حسم في غزة وأزمة إسرائيلية داخلية متفاقمة، وفي محاولة لرأب التصدعات في المجتمع الإسرائيلي، قد يتجه نتنياهو إلى إخراج تصريحات وتلميحات أطلقها في الأشهر الأخيرة إلى حيز التنفيذ، وتوسيع الحرب. ربما باستئناف الحرب على لبنان، لكن قد ينفذ تهديده/حلمه بمهاجمة المنشآت النووية في إيران. ويرجح أن يترك موضوع الحوثيين في اليمن لأميركا وبريطانيا.

في لبنان انتهت الحرب على شكل قتال بين طرفين. حزب الله يتمسك باتفاق وقف إطلاق النار وسحب قواته إلى شمال نهر الليطاني، والجيش اللبناني ينشر قواته في جنوب لبنان. لكن إسرائيل تخرق الاتفاق، وتواصل غاراتها في لبنان بذريعة منع إعادة بناء قوة حزب الله العسكرية، وطيرانها ينتهك الأجواء اللبنانية بشكل متواصل، وهي ترفض الانسحاب من خمسة مواقع في الأراضي اللبنانية بادعاء أن استمرار احتلالها يعزز أمنها.

وادعاءات إسرائيل ضد حزب الله مشابهة نوعا ما لادعاءاتها ضد حماس. ورغم أن إسرائيل هي الطرف الذي يشن الهجمات والغارات، إلا أنها تطالب المقاومة في لبنان وغزة بنزع سلاحها. يضاف إلى ذلك أن إسرائيل ترفض إعادة الإعمار في المناطق التي دمرتها في جنوب لبنان، والتي يريد سكانها العودة إليها.

لقد سعى نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن، بداية الشهر الماضي، إلى إقناع ترامب بمهاجمة إيران. ويبدو حاليا أن ترامب يفضل التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، ويظهر كمن يريد الابتعاد عن حروب. لكن نتنياهو قد يعتقد أن بإمكان إسرائيل أن تهاجم وحدها المنشآت النووية الإيرانية إذا زودتها الولايات المتحدة بالذخيرة الملائمة، مثلما يقول البعض في إسرائيل.

سيناريو التصعيد هذا ليس مستبعدا في إسرائيل، التي تروّج إلى أن “محور المقاومة” بقيادة إيران أصبح ضعيفا، وسورية خرجت منه. وهجوم إسرائيلي واسع ضد منشآت إيران النووية قد يلقى تأييدا، وربما تمويلا أيضا، من جانب دول عربية، التي لم تحرك ساكن طوال حرب الإبادة على غزة.

وفي حال قرر نتنياهو التوجه إلى تصعيد كبير كهذا، مدعوما من اليمين الإسرائيلي – وليس اليمين في حكومته فقط وإنما في المعارضة أيضا – وكذلك من المؤسسة العسكرية والأمنية مثلما هو حاصل في استئناف الحرب على غزة، فإنه لن تكون هناك معارضة إسرائيلية ذات تأثير على القرار. فالحرب أو “التهديدات الخارجية” بالنسبة للإسرائيليين هي الصمغ الذي يجمّعهم.

عرب 48

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب