تحقيقات وتقارير

حملة ترامب وماسك لتقليص الحكومة الفدرالية متواصلة: فوضى عارمة وأرقام وهمية ومئات البرامج تحت المقصلة

حملة ترامب وماسك لتقليص الحكومة الفدرالية متواصلة: فوضى عارمة وأرقام وهمية ومئات البرامج تحت المقصلة

محمد العزير

شهران على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، ولا تزال واشنطن وعواصم الولايات تعيش فوضى إدارية عارمة في ظل الإعصار الشامل الذي أطلقه الملياردير الجنوب أفريقي الأصل ايلون ماسك، الذي انفق قرابة ثلاثمئة مليون دولار لدعم حملة ترامب الذي كافأه بإنشاء وزارة خاصة به أطلق عليها اسم «وزارة الكفاءة الإدارية»، مهمتها الإشراف المباشر على كل الوزارات والمؤسسات والبرامج الفدرالية والكشف على ميزانياتها ومصاريفها لـ«خفض الإنفاق الفدرالي ووقف الهدر والاحتيال!»، ليصبح فعليًا بمثابة رئيس الحكومة وشريكًا في قمة السلطة التنفيذية بصلاحيات مطلقة.
تم تشكيل الوزارة الجديدة بموجب أول مرسوم تنفيذي أصدره ترامب في اليوم الأول لعودته، وسط كرنفال إعلامي في صحف ومنصات ومحطات اليمين المحافظ الذي قدم مؤسس شركة «تسلا» كمنقذ لأمريكا من «البيروقراطية الفاسدة»، التي صارت منذ عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان في ثمانينات القرن الماضي، الهدف الأثير للحزب الجمهوري في خطابه وأدبياته وحملاته الانتخابية التي صوبت بدون هوادة على البرامج والمبادرات التي نشأت عقب إقرار الحقوق المدنية والدستورية في الستينات والسبعينات وخصوصًا سياسة «العمل الإيجابي» (Affirmative Action) الهادفة إلى انصاف السود والملونين والنساء والسكان الأصليين والمهاجرين والفئات المهمشة أو التي تعرضت للتمييز والغبن لعقود طويلة، وكذلك شبكات الأمان الاجتماعي التي وفرت العناية الصحية والخدمات التربوية والرعاية الاجتماعية وضمان الشيخوخة للملايين من سكان الأرياف الذين عانوا من التحولات الاقتصادية بعيدًا عن الزراعة، وسكان المدن التي نزح منها الميسورون البيض إلى الضواحي الأنيقة التي أصبحت قبلة الطبقة المتوسطة وموئلها.
لكن استهداف شبكات الأمان الاجتماعي الذي قاده ريغان بعدما «فبرك» قصة «ملكة الولفير» ومفادها أنه كان يتسوق في سوبرماركت ورأى سيدة سوداء تسدد حسابها بواسطة قسائم الغذاء «Food Stamps»، التي يستفيد منها محدودو الدخل والفقراء، ليُفاجأ بها بعدما خرجت من المتجر وهي تقود سيارة فخمة من نوع « كاديلاك». كانت تلك القصة الخيالية كافية لتحفيز خيال الأمريكيين البيض ذوي الأصول الأوروبية، خصوصًا في الولايات الجنوبية التي لم تتخلص حتى الآن من صدمة خسارة الحرب الأهلية وتحرير العبيد، والذين يرى معظمهم في أي فرصة أو تمكين للملونين والمهمشين انتقاصًا من امتيازاتهم المكتسبة. لكن النسخة الترامبية من التحامل على الأمان الاجتماعي اتخذت أشكالًا أوسع وأعمق بعد ترجمة التحولات الديموغرافية في ولايات عدة، خصوصًا كاليفورنيا، كولورادو، واشنطن، نيفادا، وأريزونا، التي وضعتها في خانة الحزب الديمقراطي، وتعملقت بعد انتخاب باراك أوباما كأول رئيس أسود 2008، وخلعت قفازات الليبرالية والحداثة واستنسخت النزعات القومية التي عمت أوروبا قبل قرن كامل من الزمن مستعيدة المشاعر العنصرية الفجة التي تجلت في انتخابات 2016، وتجددت في الـ 2024، إلّا أن معضلتها الراهنة تكمن في عدم وجود «ملكة ولفير» تخدم حملة ترامب وماسك.

التعددية والمساواة أولى
أهداف ترامب وماسك

وفّر فوز الجمهوريين في انتخابات الرئاسة والكونغرس وضمانهم لأكثرية وازنة في المحكمة الدستورية العليا منصة آمنة لترامب وماسك للشروع في تهشيم الحكومة الفدرالية، التي صارت ككل مصدرًا لتوجس المحافظين، لأنها تعتمد إلى حد كبير المساواة في المواطنة بدل منطق الامتيازات البيضاء، لذلك حظيت الحملة التي يقودها الأخير بدعم كامل من المحافظين، ولذلك كانت برامج التعددية والمساواة والإدماج «Diversity, Equity, and Inclusion» أولى أهداف إدارة ترامب ووزارة ماسك، ففي اليوم الأول أصدر ترامب مرسومًا تنفيذيًا يقضي بفصل وإنهاء خدمات جميع الموظفين العموميين والمتعاقدين وإلغاء جميع الإدارات والمكاتب التي تعمل في هذه البرامج وحظر برامج العدالة البيئية المخصصة لخفض التلوث وتنقية مياه الشفة ومراقبة الإنبعاثات الكربونية، بالتزامن مع قرار الانسحاب من معاهدة باريس المناخية، وتبع ذلك في اليوم نفسه قرار وقف التعيينات في كل الوزارات، ووقف تعيين المثليين والمتحولين جنسيًا، وفصل وإنهاء خدمات جميع المعنيين بحماية حقوقهم.
لقيت مراسيم اليوم الأول ترحيبًا وابتهاجًا في صفوف اليمين الديني المتزمت، إلّا أن رمزيتها بدأت في التلاشي في اليوم التالي، عندما انتقل التركيز من الأمور «الأخلاقية» التي تحتل مساحة مهمة إعلاميًا إلى الأمور الحيوية التي تهم عشرات الملايين من المواطنين المستفيدين من المعاشات والتقديمات الحكومية المستحقة، ومئات الآلاف من الموظفين العموميين والمتعاقدين في مئات الوكالات الحكومية الذين أفاقوا على واقع جديد عنوانه الاضطراب وعدم اليقين. فجأة وجدت أمريكا، التي طالما تباهت باستقرارها ووضوحها وحكم القانون، أنها في بحر هائج يتراوح بين التجريب والتخريب، يعصف بها ويعرّفها إلى أشكال من الحكم المزاجي الذي كانت تظن أنها منيعة عليه، أو أنه حكر على الديكتاتوريات و«العالم الثالث». للمرة الأولى في تاريخها صارت وزارات وإدارات كانت حتى الأمس القريب جدًا، مثال المؤسسات الراسخة والنماذج الرائدة في الأداء والكفاءة مستباحة لمراهقين وشبّان من خريجي هندسة الكمبيوتر والبرمجيات العاملين في الشركات الخاصة التي يملكها ماسك، وكان على كوادر ومدراء أكفاء أمضوا سنوات طويلة في الخدمة العامة أن يجيبوا على أسئلتهم ويطلعونهم على ملفات إداراتهم والتفاصيل الشخصية لموظفيهم.

مقص ماسك

تقدر صحيفة «نيويورك تايمز» عدد البرامج التي ينوي ماسك تخفيضها أو إلغاءها بـ 2600، ويبدو أن تلك البرامج تطال الوزارات الأساسية والوكالات الحيوية في جميع المجالات. ففي وزارة الخارجية التي تعتبر ثانية في الأهمية بعد البيت الأبيض، (موازنتها السنوية 50 مليار دولار) وكانت منذ الحرب العالمية الثانية «القوة الناعمة» لأمريكا عبر مقراتها الدبلوماسية والقنصلية وبرامج التنمية الاقتصادية والإدارية وتشجيع المجتمع المدني وحرية التعبير (وفق المفهوم الأمريكي)، لم يتأخر مقص ماسك فبدأ بإلغاء برامج التعددية والمساواة والإدماج والخدمات المتعلقة بحقوق الإنسان والتواصل الثقافي والأبحاث العلمية وتقليص عديد السلك الدبلوماسي البالغ أكثر من 14300 شخص، والموظفين الإداريين وعددهم حوالي 13000، وصرف أكثرية الموظفين المحليين (في الدول التي تتواجد فيها السفارات والقنصليات) وهم حوالي 50000 عامل ومتعاقد. وأطلقت وزارة ماسك استبيانًا لتصنيف السفارات والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في العالم وهي حوالي 200 وفق معيار الفعالية الذي قسمها إلى 25 في المئة دون مستوى إثنين من عشرة (وستكون قابلة للإلغاء) و25 في المئة يتراوح مستواها بين إثنين وخمسة من عشرة (وهي موضع تقليص كبير دبلوماسيًا وإداريًا) والنصف الباقي مستواه بين خمس وعشر نقاط (وستكون عرضة للتشحيل الذي سيسري على كل الوزارات).
أما وزارة الدفاع وهي الأكبر والأقدم في الحكومة الفدرالية وتتكون من مليون وثلاثمئة ألف ضابط وجندي في القوات البرية والجوية والبحرية ينتشرون في الولايات المتحدة وفي 128 قاعدة عسكرية وعشرات النقاط خارجها، وسبعمئة وستين ألفًا من الحرس الوطني، ونحو ثمانمئة ألف موظف إداري بموازنة سنوية قدرها 800 مليار دولار، فقد بدأ التخفيض فيها من الشريحة الأكثر هشاشة أي المثليين والمستفيدين من برامج التعددية والمساواة، بعد فصل رئيس هيئة الأركان (الأسود) تشارلز بروان، واستبداله بضابط متقاعد أقل رتبة منه هو دان كاين، وقائدة العمليات البحرية الأدميرال ليسا فرانشيتي، ونائب قائد القوات الجوية الجنرال جيم سليف، في سابقة لم تعرفها القوات المسلحة، كما جرى تسريح الموظفين الجدد الذين لم يمض على تنسيبهم أكثر من سنة، كما حصل في الوزارات الباقية.

الترابط بين الحكومة الفدرالية
ومصالح الناس

وفي واحدة من الحالات التي تظهر الترابط بين الحكومة الفدرالية ومصالح الناس من مختلف الفئات وتشعب آثار البرامج الحيوية في الحياة اليومية لملايين الأمريكيين ألغت وزارة ماسك برامج التغذية في وزارة الزراعة وهي برامج يستفيد منها ملايين التلامذة والطلاب في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية الذين يتناولون وجبات غداء صحية تستخدم فيها الخضروات واللحوم والفواكه الطازجة التي تؤمنها للمدارس مزارع وبساتين وشركات محلية، وكذلك مئات بنوك الغذاء التي تخدم عشرات الآلاف من الفقراء والمشردين، ومع أن كلفتها لا تتجاوز المليار دولار سنويًا، الا أنها تلعب دورا هامًا في توفير مصادر طعام جيدة فيما تنعش الاقتصادات المحلية والشركات الصغيرة التي لا يمكنها منافسة كارتيلات الزراعة والمزارع الضخمة التي تهيمن على السوق، ويعني وقف هذه البرامج حرمان آلاف الموظفين من عملهم وحرمان الأسواق المحلية وعمالها من موارد هامة. ولم يكتف ماسك بذلك بل أوعز بإقفال نصف المراكز الإقليمية والمحلية وتسريح ستة آلاف موظف وتقليص موازنات وملاك المركز البحثية مثل خدمات البحث الزراعي، ووكالة خدمات المزارع، وخدمات الحفاظ على الموارد الطبيعية، والمركز الذي يعنى بمواجهة الأمراض الزراعية المعدية الذي كان منشغلًا بالانتشار الراهن لإنفلونزا الطيور.
وفيما تطلق وزارة ماسك غزواتها «التطهيرية» على باقي الوزارات، خصوصًا وزارة العدل التي شهدت تسريحات تعسفية لمئات المدعين العامين وضباط مكتب التحقيق الفدرالي «إف. بي. آي» الذين شاركوا في التحقيقات مع المشاركين في المحاولة الانقلابية الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في السادس من كانون الثاني/يناير 2021، لمنع التصديق على فوز الرئيس السابق جو بايدن، وتقديمهم إلى العدالة، ووزارة الطاقة المشرفة على سلامة المفاعلات النووية وعمل مصافي تكرير النفط وتطوير مصادر الطاقة الخضراء كطواحين الهواء والألواح الشمسية وغيرها من الابتكارات الحديثة، ووزارة الأمن الوطني، يبدو أن وزارة التربية ستكون الهدف الأسهل، حيث تم تسريح نصف موظفيها البالغ عددهم 4200، وتعمل الوزيرة ليندا مكماهون التي جلبها ترامب من عالم المصارعة الحرة على إلغاء الوزارة كليًا في المستقبل القريب، فيما تشهد وزارات الصحة والخدمات الإنسانية، وشؤون المتقاعدين، والمال والوكالات الفدرالية أزمات أعمق وأبعد أثرًا لتماسها المباشر مع حياة الملايين من الأمريكيين الذين يعوّلون عليها من أجل حياة تتمتع بالحد الأدنى من شروط العيش بكرامة وأمان.
وإلى جانب الوزارات لم يوفر فأس ماسك الوكالات الفدرالية المستقلة مثل مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تأسست عام 1935، في عهد الرئيس الأسبق فرانكلين د. روزفلت بعد أزمة الكساد الكبير 1929، التي خلفت ملايين المشردين والفقراء والجياع، لتوفير الخدمات الضرورية للشرائح الأكثر احتياجًا عبر 1200 مركز إقليمي ومكتب فرعي تقدم الدعم المالي والصحي لأكثر من 73 مليون أمريكي من المتقاعدين والمسنين والمعوقين والأرامل من الجنسين، لكن موازنتها السنوية البالغة حوالي 1.3 تريليون دولار ليست ضمن الموازنة العامة نظريًا، لأن إيراداتها تأتي عبر ضريبة خاصة منفصلة عن ضريبة الدخل، وهي بنسبة 6.2 في المئة من راتب المكلف في القطاعين الخاص والعام، تقابلها نسبة مماثلة يدفعها رب العمل، لتمويل الصندوق السيادي الذي يديره ويعمل فيه حوالي ستين ألف موظف. عارض المحافظون الضمان الاجتماعي منذ نشأته واعتبروه نوعًا من «الاشتراكية» ودأبوا على المطالبة بدمجه مع الميزانية العامة أو تسليمه للقطاع الخاص، لكن حرص المسنين وهم أكبر كتلة ناخبة عليه وتمسكهم بتقديماته منعت الجمهوريين من طلب إلغائه صراحة، رغم كل حملات التشويه التي شنّوها ضده لعقود طويلة.

وقف المساعدات
عن آلاف المستفيدين

الآن يحلو لترامب وضع المؤسسة تحت الفأس اليميني، وكانت أولى غزوات ماسك عليها، حيث أجبر إدارة المؤسسة على إعلان فصل 7000 موظف، وإغلاق ستة مراكز إقليمية من أصل عشرة، ووقف المساعدات مبدئيًا عن آلاف المستفيدين خصوصًا من أطفال المهاجرين غير النظاميين (مع أن الأطفال أمريكيون بالولادة)، وعدم البت في آلاف الطلبات الجديدة التي كانت تستغرق حوالي السنة للنظر فيها، وفوق ذلك قررت وزارة ماسك تحويل جميع المراجعات إلى خدمات الإنترنت ولم يعد بمقدور المستفيدين الاتصال هاتفيًا لمتابعة معاملاتهم، ما يعني حرمان الكثيرين من المحتاجين من معرفة مصير مساعداتهم التي تعتبر المصدر الأول لدخلهم المحدود أصلًا. وتبقى المفارقة الكبيرة في مقاربة إدارة ترامب للضمان الاجتماعي أن مؤسسات بحثية مرموقة تضع حجم الخطأ والهدر في هذا البرنامج الحيوي أقل بكثير من واحد في المئة، ويعود معظمه إلى عدم تسجيل وفاة المستفيدين من المسنين بالسرعة المناسبة.
على خط موازٍ تعاني مصلحة الضرائب التي تتولى جباية ضريبة الدخل من الأفراد والشركات والتي توفر الجزء الأكبر من الموازنة الفدرالية من غزوات ماسك، خصوصًا وأن هذه المصلحة شأنها شأن الضمان الاجتماعي من الأهداف الرئيسية لتصويب الجمهوريين الذين يريدون التخلص منها نهائيًا ولا يخفون سعيهم إلى شطبها كليًا لتخليص الميسورين وأصحاب المليارات والملايين من عبئها واستبدالها بالواردات الجمركية التي تنتمي إلى القرن التاسع عشر، من دون الانتباه إلى أن المتطلبات الحكومية الراهنة تفوق بعشرات المرات ما يمكن للرسوم الجمركية مهما كانت نسبتها أن توفر للخزينة. ففي الغزوات المبكرة لوزارة ايلون ماسك كانت مصلحة الضرائب في طليعة الأهداف ما أثار غضبًا عارمًا لكنه تركز هذه المرة في أوساط المستثمرين والشركات الكبرى التي توجست خيفة من حصول منافسها ماسك على ملفاتها الضريبية، بعدما أشارت التقارير الأولية إلى أن فريقه يريد استباحة جميع المعلومات السرية بلا رقيب.
وطالت فأس ماسك وكالات أخرى لا تقل أهمية، مثل المعهد الوطني للصحة «National Institutes of Health» الذي شن عليه ترامب في ولايته الأولى حملات شعواء في عز شيوع وباء «كوفيد 19» لأنه لم يوافق على تعليماته وإجراءاته الوقائية، وكذلك مراكز الرعاية والخدمات الطبية للأطفال والمسنين، وإدارة الملاحة الجوية والفضاء «ناسا» التي تتعاقد معها شركة ماسك «سبيس إكس» بمبالغ تصل إلى حوالي 15 مليار دولار، وإدارة الطيران المدني المشرفة على سلامة الرحلات الجوية، ووكالة الطوارئ التي تعنى بالكوارث الطبيعية من أعاصير وزلازل وحرائق وهي كثيرة، وإدارة المناخ والمحيطات، ومكتب حماية المستهلك، فضلًا عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي كانت هدفًا أسهل لأن تقديماتها البالغة حوالي 50 مليار دولار تذهب في معظمها إلى دول العالم الثالث، مع أن معظم انفاقها بموجب القانون الأمريكي يتم عبر شركات أمريكية توظف آلاف المواطنين في الولايات المتحدة. أما النهفة الأكثر إثارة فكانت استيلاء ترامب على إدارة مركز كينيدي للفنون الجميلة والذي تأسس عام 1971 في نيويورك للاحتفاء بذكرى أكثر رئيس ليبرالية حتى ذلك الحين.
أعلن ترامب بعد ثلاثة أسابيع على ولايته الثانية تسريح مجلس إدارة المركز، الذي يعنى بتشجيع المواهب الفنية الجديدة والأفكار غير التقليدية، وعين نفسه رئيسًا للمركز، ليكون أقل رئيس تعليمًا وثقافة، يتسلم دفة أكثر المؤسسات تنويرًا وحداثة لا لشيء إلا لأسباب كيدية تعود إلى رفض الأطياف الثقافية والفنية… وحتى المالية للاعتراف به كإبن شرعي للمدينة التي تتباهى بمكانتها العالمية كعاصمة للفنون والثقافة والإعلام والمال في العالم. وهذا ليس غريبًا على شعبوية ترامب الذي حوّل الأرقام إلى وجهة نظر، حين يدعي أنه سيوفر على الخزينة 2 ترليون دولار سنويًا، في موازنة لا تتعدى فيها النفقات غير الملزمة (بلا الضمان الاجتماعي) 800 مئة مليار، وحين جعل الحقائق مجرد آراء، واستبدل الاستقرار الذي طالما تباهت به أمريكا بعشوائية تقوم على إنهاك الناس بصدمات متتالية مثل احتلال بنما وضم كندا وشراء غرينلاند وتحويل غزة إلى ريفيرا الشرق بلا سكان وارتجال الرسوم الجمركية، ولكن هذه المرة بمعاونة ماسك الذي صار شعاره منشارًا كهربائيًا يهدد به أول ديمقراطية دستورية في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب