كتب

ديفيد بترايوس وأندرو روبرتس في «الصراع»: انتقد أخطاء أمريكا في العراق وتغاضى عن حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة

ديفيد بترايوس وأندرو روبرتس في «الصراع»: انتقد أخطاء أمريكا في العراق وتغاضى عن حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة

سمير ناصيف

هناك عدد من الكتب التي يقترح مراجعوها على القرّاء قراءتها من دون أي تردد، وأخرى قد ينصح المراجعون باعتماد التحفظ لدى متابعة المعلومات والآراء والمواقف الواردة فيها والتركيز على عملية الاستفادة من متابعة الأحداث المغطاة فيها حتى ولو تمت تغطية بعضها بانحياز، وهناك كتب يتم تجاهلها بسبب سطحية المعلومات والتحليلات الواردة فيها أو الانحياز الكبير في توجهاتها فتُترك جانباً.
كتاب «الصراع، تطور أساليب الحروب من عام 1945 إلى حرب غزة» لمؤلفيه الجنرال ديفيد بترايوس والمؤرخ الأكاديمي المعروف في جامعات بريطانيا وأمريكا اللورد آندرو روبرتس، هو من النوع الذي يتطلب التحفظ لدى قراءة ما ورد فيه عن حرب غزة. علماً أن الكتاب يتطرق إلى حروب أمريكا والغرب في فيتنام وأفغانستان وأوكرانيا بالإضافة إلى العراق وفلسطين. الجنرال بترايوس، الذي قاد عمليات استقطاب القبائل في حرب العراق ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، ووصلَ إلى منصب قائد القوات الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط ومدير «وكالة الاستخبارات الأمريكية» (CIA) وعُين الزميل الأعلى في كرسي أكاديمي خصص لذكرى وزير خارجية أمريكا السابق هنري كيسنجر في كلية جاكسون في جامعة ييل الأمريكية، تشير مناصبه السابقة والحالية وممارساته فيها إلى تحفظه إزاء معالجة القضايا العربية والفلسطينية بموضوعية على الرغم من أنه اعتقد أنه في عام 2007 نجح في استمالة العرب السنّة المسلمين من قبائل العراق لتحسين أوضاع الاحتلال الأمريكي العسكري لذلك البلد ضد مقاومي الاحتلال الذين يصفهم بالـ»إرهابيين». علماً أن مجموعات من هؤلاء ارتكبوا مجازر بشعة بحق بعض الأقليات العراقية فيما كانت مجموعات أخرى بينهم تسعى لتحرير وطنها.
أما روبرتس الذي أصدر ما يزيد عن عشرين كتاباً في التاريخ العالمي المعاصر، معظمها عن شخصيات غربية قيادية كرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل والقائد الفرنسي نابليون وغيرهما، فيبدو أنه بدوره ليس من المتحمسين لتنفيذ العدالة السياسية الدولية فيما يرتبط بالقضية الفلسطينية وخصوصاً بعد تنفيذ حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى» في أكتوبر 2023 التي تطرق إليها الكاتبان في الفصول الأخيرة من الكتاب، ولم يكن الفصل العاشر عن فلسطين وغزة والآراء المنحازة فيه ضد «حماس» في المستوى الأكاديمي نسبياً بالمقارنة مع الفصول السابقة وخصوصاً الفصل عن حرب العراق في عام 2003.
يبدأ الفصل العاشر من هذا الكتاب وعنوانه «إسرائيل وغزة، بعد 7 أكتوبر عام 2023» بوصف حركة «حماس» الفلسطينية كـ«مجموعة إرهابية كانت تسيطر على قطاع غزة وقامت بتنفيذ عملية طوفان الأقصى، وهي عملية تم التحضير المنظم لها وتخطيطها قبل تنفيذها بسنتين في يوم عطلة يهودي». (ص 419).
ويضيف الكاتبان: «كان منظمو هذه العملية يعلمون مسبقاً إلى أي جهة عليهم التوجه للوصول إلى المجموعات السكانية العشرين التي خططوا لمهاجمتها. ومعلوماتهم هذه أتت من عدد من 15 ألفا من العمال الغزيين الذين كانوا يتوجهون للعمل في إسرائيل بموجب إجازات عمل اُعطيت لهم بالقيام بمثل ذلك العمل. وبالتالي استخدم المهاجمون الفلسطينيون خرائط ساهمت في توجههم نحو منازل ومقرات القادة الأمنيين في تلك المنطقة من إسرائيل لمهاجمتهم في منازلهم». (ص 421). واستناداً إلى ذلك يصف المؤلفان العملية بأنها «لم تكن فقط عملية إرهابية، بل شكلت هجوماً عسكرياً».
ويضيفان: «علينا أن ننتظر نتائج التحقيق الرسمي الشامل إزاء هذه العملية، ولماذا فشلت الاستخبارات الإسرائيلية وخصوصاً الاستخبارات العسكرية في كشفها مسبقاً وسبب فشل الاستخبارات الداخلية شن بيت، المطلوب منها تغطية الأمن المعلوماتي في غزة والضفة الغربية وكشفها مسبقاً، بالإضافة إلى لماذا تأخر الرد عليها»؟ (ص 421). أي أن الأمر الأهم بالنسبة لبترايوس وروبرتس في الكتاب بدا وكأنه ليس مرتبطاً بالمجازر التي ارتكبتها إسرائيل لاحقاً في ردها على عملية طوفان الأقصى والتي ذهب ضحاياها ما يوازي الخمسين ألف إنسان بينهم نساء وأطفال والتي ما زالت ترتكبها بشكل أو بآخر عبر تجويع وإبادة الغزاويين ومحاولة تهجير الفلسطينيين عموماً من بيوتهم في الضفة الغربية وغزة، بل الفشل الأمني الاستخباراتي للمؤسسات الأمنية الإسرائيلية الذي يحرصان عليه وما يزال برأيهما يجب تجنبه حتى الساعة. ذلك كان الأمر الأهم بالنسبة لهما، أما ما يتعرض إليه الشعب الغزاوي من تنكيل فهذا لا يعينهما.
ويأسف المؤلفان لكون «حماس» استخدمت هواتف يصعب اختراقها من جانب الاستخبارات الإسرائيلية للتخابر بين عناصرها، ربما كما فعلت إسرائيل في مجال اختراقها لأجهزة التواصل بين عناصر حزب الله اللبناني في مرحلة لاحقة، والتي أدت إلى تحقيق أهداف عسكرية مرحلية لإسرائيل (ص 422).
وفي الصفحة نفسها من الكتاب، وبرغم اعتراف الكاتبين بعدم وجود أجهزة مراقبة إسرائيلية كان يمكنها تسجيل الوقائع الفعلية لتلك العملية، نجدهما يوردان وقائع بحاجة للتوثيق عن عمليات غير إنسانية وحشية ارتكبت ضد العزل الإسرائيليين ونسائهم وأطفالهم وبينها عمليات اغتصاب جنسي، ويفسران حدوث مثل تلك «الوحشيات» بـ«الثقافة غير الإنسانية لدى مقاتلي حماس التي أتت بسبب عقود من التربية العنصرية بأن اليهود يشكلون جنساً آخر من البشر مستواه متدنٍ من الناحية الإنسانية عن البشر الآخرين». (ص 423). وهذا ما يرفضه الإسلام الذي تعتنقه حركة «حماس» وتؤمن بتعاليمه.
وبالتالي، يعود المؤلفان إلى استخدام المحرقة النازية لتبرير العمليات الإجرامية التي ارتكبتها إسرائيل في الأشهر الماضية والتي ما زالت ترتكبها في وصف عملية حماس في أكتوبر 2023 بـ«أسوأ عملية ضد اليهود منذ المحرقة النازية التي ارتكبها النظام النازي الألماني في عام 1945»، والتي يشبّهها الكاتبان بعملية 9/11 ـ 2001 التي ارتكبت ضد أمريكا بواسطة منظمة «القاعدة» آنذاك غير المتحالفة مع «حماس» ولا مع القيادات الفلسطينية عموماً.
ويؤكد الكاتبان أن منظمة حماس مصممة على إعادة تنفيذ عمليات مشابهة لعملية 7 أكتوبر في المستقبل. (ص 424). ويستطردان بقولهما إن «اعتداءات جنسية» تجري ضد الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزتهم حماس منذ وقوع هجوم عام 2023. وهنا أيضاً ترد الادعاءات والكتاب من دون أدلة دامغة على حدوث ممارسات تؤكد حدوثها. بل على عكس ذلك تؤكد تصاريح الرهائن المفرج عنهم معاملة مخالفة لتلك الادعاءات التحريضية.
وتصل مبالغة الكاتبين في سرد تلك الوقائع إلى تبرير القمع العسكري الذي تمارسه حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية ضد سكان غزة حيث يستشهدان بقول لخبير في هذه القضايا بأن الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية دُفعتا لاستمرار المعركة ضد «حماس» رغم مواقف عائلات الرهائن المحتجزين وتظاهراتهم المنددة بموقف إسرائيل وبرغم الرأي العام العالمي واستمرار العلاقة الدبلوماسية المتحفظة بين بعض الدول العربية وإسرائيل، (ص 425) ويتذرعان بانه لم تتواجد لقادة إسرائيل خيارات أخرى.
ولعله لم يكن ينقص الكتاب سوى الاستشهاد بمواقف أحد أكبر خصوم فلسطين في أوروبا وهو «المفكر الفرنسي» برنار هنري ليفي حيث يذكر الكتاب أن ليفي «أكد» أن «هذه الحرب ضد حماس يجب أن تحقق النصر لكونها حرباً عادلة». (ص 425). ويؤكد الكاتبان أنه حتى انهائهما الكتاب وفصله الأخير عن فلسطين في صيف عام 2024 كانت «الروح المعنوية عالية لدى الجيش الإسرائيلي». (ص 425). أما في ما يتعلق بما كتبه بترايوس في الكتاب من منطلق اختباراته في القيادة العسكرية الأمريكية في العراق بعد غزو أمريكا وحلفائها للنظام العراقي في عام 2003 ومحاولة تثبيت سيطرة الاحتلال فيه، فقد ورد في الفصل الثامن من الكتاب.
يقول بترايوس في هذا المجال: «لقد استندت القيادة الدفاعية الأمريكية تحت قيادة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى افتراضات مسبقة لا أساس لها تبين لاحقاً أنها لم تكن صحيحة وساهمت في فشل القدرة على النجاح في المهمة. وأهم تلك الافتراضات كان الاعتقاد بأن الشعب العراقي سيرحب بالقوات الأمريكية كقوات لتحرير للعراق وأنه سيستمر في رؤية الأمريكيين كمصدر تحرير له نظراً لكره أكثرية العراقيين لنظام صدام حسين. وهذا الأمر ربما حصل في الأشهر الأولى للعملية الأمريكية العسكرية في العراق لدى نسبة مئوية من الشعب العراقي. ولكن مجموعة لها وزنها في المناطق السنيّة العراقية خصوصاً شجبت التدخل الأمريكي في الشؤون العراقية وبالتحديد لإتاحته المجال أمام الأكثرية الشيعية في البلد تسلم زمام الأمور. كما أن بعض مؤيدي الغزو الأمريكي العسكري للعراق من مجمل العراقيين ظلوا مشككين في نوايا أمريكا المرتبطة بتلك المبادرة، فقليل جداً من العراقيين رغبوا باحتلال قوات أجنبية لبلادهم». (ص 281). ويضيف بترايوس قائلاً: «إن مخططي السياسة الأمريكية في العراق ارتكبوا ما ارتكبوه من أخطاء في أفغانستان، إذ تجاهلوا ثقافة وتاريخ العراق والقيم الحضارية للشعب ومفهومه للديمقراطية والعدالة والمشروعية الاقتصادية العراقية، وهذا الأمر تفاقم لدى إنشاء سلطة التحالف المؤقتة تحت قيادة أمريكية غير ضالعة في هذا الحيز». (ص 281 أيضا).
ويعتبر بترايوس أن أحد الأسئلة التي طرحها عليه صحافي مخضرم ظلت بدون إجابة منه على الرغم من السنوات السبع التي قضاها في المهمات العسكرية القيادية في العراق والسؤال كان: «كيف ستنتهي الأمور في تلك المهمة؟ وهل هناك جواب على ذلك؟ وهذا سؤال ينطبق على الدور الأمريكي في العراق وفي الشرق الأوسط عموما. (حسب قوله)». (ص 293).
وبالتالي، حاول بترايوس وفي دوره القيادي في العراق عام 2007 إنشاء نوع من الحكومة في البلد عن طريق استمالة مجموعات اجتماعية عراقية اعتبرت نفسها مهمشة في النظام السابق ومعظمها من القبائل السنيّة.
وبنظر بترايوس فقد كان قائد سلطة التحالف الأمريكي المؤقتة في العراق بول بريمر ربما ذكياً ولكنه: «افتقد إلى المعرفة الوافية بشؤون العراق والشرق الأوسط عموماً. وقد كان اختيار دونالد رامسفيلد له لقيادة المهمة في العراق في أيار/مايو عام 2003 اختيارا غير مثمر. وبالتالي اتخذ بريمر قرارات خاطئة من دون التشاور معنا في القيادة العسكرية التي كانت متواجدة على الأرض ومنها الاستئصال المبالغ فيه للدور البعثي المتجذر في المجتمع الذي كان منتشراً في العراق وظائفياً ومعيشياً اقتصادياً وليس فقط سياسياً. فبدلاً من التركيز على إزاحة القيادات العليا في البعث يعني حوالي ستة آلاف شخص إلى خارج السلطة فقد حرم ما يوازي مئة ألف عراقي انتسبوا إلى البعث كمقدمة لحصولهم على الوظائف والمعاشات في مهماتهم كأعضاء في الجيش والقوات المسلحة والأمنية والجامعات والمدارس والمستشفيات والمهن الحرة من موارد عيشهم. هؤلاء كانوا يشكلون ركيزة لامكان قبول العراقيين بالتعاون (معنا) وخصوصاً لكون حياتهم الإنسانية والشخصية مرتبطة بوظائفهم. وقد تم خداع بريمر ما دفعه لتطبيق نصائح سياسيين عراقيين معارضين لصدام ونظامه كانوا يعيشون في المهجر ولم يدركوا حقيقة الأمور اجتماعياً. (ص 295 و296). وبالتالي، فقد ساهم بريمر وآمروه في تدمير الدولة العراقية ووضع الأسس لنشوء معارضة ومقاومة شعبية للاحتلال الأمريكي من سائر الأطياف الإثنية والطائفية في الشعب العراقي بدلاً من إنشاء ديمقراطية فاعلة تشمل الجميع».
ويطرح بترايوس في الكتاب مشاريع طرحها في دوره القيادي للتعويض عن فشل بريمر ولكنها نجحت لفترة ثم فشلت وأزيحت بدورها لأسباب مختلفة، أحدها لكون الاحتلال الأجنبي يبقى احتلالاً أجنبياً مفروضاً ومصطنعاً، مهما اُجريت له من محاولات التعديل.

David Petraeus and Andrew Roberts: «Conflict»
William Collins, London 2024
586 Pages.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب