جمال البدري

ونفخ في الصور
ألم.. كهيعص.. حم:
مــا أنزلنــا عليك الحـــقّ لتشقـــى..
إنما نار ونور لتضيء:
الأديم والسّماء العُـلى.
فكانت شعلة أزليــّـة
عبقريّة ملوّنة عظمى..
توّقدت من خليج السندباد
إلى قبة المسجد الأقصى..
فمن تلك الجذوة الأبديّة..
ولـدت فجأة مثل حــــوا..
رضعت كبرت سافرت
إلى غيوم صفراء صحرا:
قاحلة كرمال ذات غبــرة..
تطوّت حول محاقٍ غاسق:
مـدّاً وجزراً ذي وَقــبٍ قمرا
بلغت جسد الوطن المترامي…
هناك وجدت الصقـر الأجدل
مسبّـقا جناحه عن نهضـة
قال: أنا القادم من غــزّة…
قالت: وأنا من نارها الأروى
قال: أحرقي قيـدي يا حُـــرّة؟
قالت: ناري برداً وسلاماً يا غزّة
انتفضّ المخلب وانقضّ شهاباً…
تبعه صاروخ كالنــّـار ظُـلّــة
حتى بلغا منتهى تلك السدرة…
طور الكوثر حيث زمزم مكة..
ثمة وجدا شيخاً بيده درّة..
وفي كـفّه مخلاة من كتان
بيضاء قد ملئت سكينة..
وحكما صوفيّة خضــــرة.
رفــع الشيــــخ ملاك عقيرتــــه:
ها أنا ذا بركـــة لهذي الجَبلــة..
ضرب الشيـخ سحاب هارون (*).
ونفخ في الصور قيامة حمــــــرة
زلازل ذات أمـواج مسجــورة..
تمور موراً حتى مخاض الموجة
فخرج هيولي من المستور غضبى:
كزئير هواس بذي حناء مُغــــرة..
والخيل مسروجة عند النّخلـــة..
فبانـت نبـــــوءة الله بُشـــــرى
كتنورنوح وطوفان ألواح دُسرة.
فدمدم حيزوم كالقيّـــوم حُمّــة.
وقال لذي أفلاك الكون العشـرة:
أمزجتها فكانت سلافـاً ؟ نعم:
ووجــدت الجمـــرمنها بـــرداً…
والعشــق أضحى عنها غريـــبا
والنــّـار تموج كالبحار الزرقــا…
لتكون أنـوار قناديــل حمــــرا
وبريق أهلّـــة لمنائـرالحضـرة.
صوفيّة كدراويش أولياء سَفرة..
فلو أنّي ألقيت سريّ في الزورا
لغارت قدّوساً في خمر سكـرى.
ثــمّ نفــــخ ثانيـّـة في الصـــور
حتى بطل السّحر الأصفـر فجـأة..
ووثب الصقر الأجــدل زمـرة..
فتطوّى موج الطيــــن الأسمـر…
ليلامس شعاع الشّمس جمـــرة
كأعــــراف في نهـــــر دجلـــة..
جـنــّاً وإنسـاً نبتــوا من شجرة.
فما أنزلنا عليك الحــــقّ لتشقـى
إنما أنت سيد في ثورة نار كبرى..
لتكون إنساناً كريماً أبداً حُـــرّاً
أو شهيداً حيّاً في سماء الله العُليا…
(*) هارون: معناه الجبل.منه قوله مخاطبًا السّيدة مريم: «يا أخت هارون» (مريم28) أي يا صنو الجبل لأنّ معنى اسم مريم: الربوة والهضبة العالية المقام كسمو الجبل الشامخ القمم.

 شاعر عراقي