مراقبان إسرائيليان: خلافات داخل “حزب الله” حول مواجهة الهجمات.. ومصالح مشتركة بين الرئيس عون وتل أبيب لإضعاف الحزب

مراقبان إسرائيليان: خلافات داخل “حزب الله” حول مواجهة الهجمات.. ومصالح مشتركة بين الرئيس عون وتل أبيب لإضعاف الحزب
الناصرة- بعد إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية على مستوطنة المطلة، كُشف النقاب عن أن 10% فقط من النازحين الإسرائيليين قد عادوا حتى اليوم إلى مستوطناتهم الحدودية في الجليل الأعلى، بسبب فقدان الشعور بالأمان، وعدم إصلاح البنى التحتية التي تضررت خلال الحرب مع “حزب الله”.
ويحذر مراقبون إسرائيليون من أن الهدوء في الشمال غير مضمون، وأن هذا التوتر يثقل على سكان الشمال، ويردعهم عن العودة إلى بيوتهم.
مزراحي: تبدو القيادة الجديدة في “حزب الله” مهتمة بتوظيف كل مواردها في ترميم الحزب، لكن هناك خلافًا داخل الحزب بشأن إستراتيجية الاحتواء في مواجهة الهجمات الإسرائيلية
وتقول الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أورنا مزراحي، إن رد “حزب الله” على إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه المطلة (22 آذار/مارس)، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، يعكس اهتمامه الحالي بمنع تجدُّد القتال، زاعمة أن “حزب الله”، الذي سارع إلى التنصل من المسؤولية، يجد نفسه في وضع صعب بسبب الضغوط الناجمة عن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضده، والضرر الذي لحق بمكانته على الصعيد الداخلي، في ظل تغيُّر تعامل القيادة اللبنانية الجديدة معه، والانتقادات الداخلية التي تحمّله مسؤولية وضع لبنان الصعب وتقلص مصادر مداخيله، إضافة إلى المواجهات المستمرة بين عناصره وبين عناصر من الحكم الجديد في سوريا على طول الحدود المشتركة.
وتشير إلى أن البيان الصادر عن “حزب الله”، بعد إطلاق الصواريخ، يظهر تمسكه بموقفه الرسمي والتزامه بوقف النار، وطلب من الدولة اللبنانية معالجة التحدي الإسرائيلي وإنهاء “الاحتلال” بالوسائل الدبلوماسية.
وتضيف: “في هذه المرحلة، تبدو القيادة الجديدة في “حزب الله” مهتمة بتوظيف كل مواردها في ترميم الحزب، لكن هناك خلافًا داخل الحزب بشأن إستراتيجية الاحتواء في مواجهة الهجمات الإسرائيلية.
ومع ذلك، الظاهر أن المسؤولين عن إطلاق الصواريخ على المطلة ليسوا عناصر من الحزب، بل هناك مؤشرات تدل على أن المقصود عناصر فلسطينية و”غض نظر” من عناصر “حزب الله” في الميدان. في مثل هذه الحالة، من غير المستبعد وقوع حوادث متفرقة مشابهة لهذا النوع لاحقًا”.
وبرأي الباحثة الإسرائيلية، يكشف رد القيادة اللبنانية على حادثة إطلاق الصواريخ عن التغير الحاصل في المنظومة السياسية في لبنان، التي تعمل على القيام بإصلاحات في الدولة اللبنانية، وترفض تأثير “حزب الله”. لقد سارعت إلى الطلب من الجيش اللبناني فحص ظروف إطلاق الصواريخ، ونشطت دبلوماسيًا من أجل المحافظة على وقف إطلاق النار ومنع التصعيد؛ كذلك، أرسلت تحذيرًا إلى “حزب الله” بأن الدولة هي المسؤولة عن قرار الحرب والسلم. وتقول إنه يمكن الفهم من ذلك أن هناك “مصلحة” بين رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون وإسرائيل في مواصلة إضعاف “حزب الله” وتحييد تهديداته.
في المقابل، تزعم أن هناك صعوبة يواجهها عون جراء استمرار الوجود الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، والتي يستغلها “حزب الله”، فضلاً عن الضغط الأمريكي الذي يُمارس عليه من أجل المضي قدمًا في إقامة علاقات مع إسرائيل.
وتتفق مزراحي مع مراقبين إسرائيليين آخرين في القلق من تبعات الصواريخ، رغم تفجرها في الهواء، فتقول إنه بالنسبة إلى إسرائيل، فإن إطلاق الصواريخ يقوّض الإحساس بالأمان لدى سكان الشمال، وهذا الأمر يتطلب ردًا مدنيًا لتحسين وضع النازحين الذين عادوا إلى منازلهم.
وفي استنتاجاتها تضيف: “لكن المواجهات مع حزب الله، وما حدث مؤخراً، يشكلان فرصة لتأكيد ضرورة استمرار عمليات إسرائيل في فرض وقف إطلاق النار وتنفيذ هجمات واسعة النطاق لضرب قدرات الحزب وردعه. ومع هذا، يجب عليها أن تكون أكثر حساسية حيال الضغوط التي تواجهها القيادة اللبنانية الجديدة، سواء تلك التي تتعلق بالهجمات العسكرية، أو التصريحات العلنية السابقة لأوانها بشأن تطبيع محتمل مع لبنان. كما تدعو أيضًا إلى دراسة مدى حاجتنا إلى الاستمرار في الاحتفاظ بأراضٍ لبنانية، والتشديد على أن المقصود هو وجود مؤقت حتى تكتمل سيطرة الجيش اللبناني على الجنوب اللبناني”.
واقع أمني جديد في الشمال
ويعتبر الجنرال في الاحتياط كوبي ماروم، في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، أن إطلاق الصواريخ على المطلة حادثة خطرة، بعد أشهر من الهدوء، ومن شأنها خلق توتر وضغط بين سكان الشمال، وخصوصاً بين أولئك المترددين في العودة إلى منازلهم، أو غير المتأكدين مما إذا كانت إسرائيل على أعتاب تصعيد في الشمال. ويرجّح أن “الجماعة الإسلامية” الفلسطينية هي التي أطلقت الصواريخ كمحاولة للتعبير عن التضامن مع غزة. كما يرجّح أيضاً أن هناك غض نظر ومعرفة من “حزب الله”، الذي يستخدم “مقاولين” لتنفيذ المهمات، وهو نمط معروف من الماضي، بهدف إيصال رسالة رفض لبقاء الجيش في خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية، خلافاً للاتفاق.
ويرى ماروم أن “حزب الله” تلقّى ضربة قاسية، ويحاول الآن التعافي، لذا فهو غير معني بمعاودة القتال. ويرجّح أن الاختبار المهم لـ “حزب الله” يكمن في مدى الدعم والتأييد الذي يتلقاه من إيران. فبعد انهيار سوريا وتغيير الحكومة في لبنان، فشلت إيران فعلياً في دعمه، وسيكون هذا الاختبار ذا أهمية كبيرة بالنسبة إلى المستقبل.
ويقول ماروم إن الشعور بانعدام الثقة لدى بعض سكان الشمال مفهوم، وذلك في أعقاب سياسة الإهمال التي اتُّبعت على طول الحدود عشية الحرب. ومع ذلك، يشير إلى أن هناك واقعاً أمنياً جديداً وأكثر أماناً بكثير.
ويضيف: “يجب على الجيش مواصلة الرد بحزم وقوة على كل خرق، وبالتنسيق الكامل مع الأمريكيين. كذلك، يجب عليه أن يواصل التواجد، ليس فقط على الحدود، بل أيضاً داخل التجمعات السكنية نفسها، من أجل توفير شعور حقيقي بالأمان للسكان العائدين إلى منازلهم”.
جنرال إسرائيلي يرجّح أن “الجماعة الإسلامية” الفلسطينية هي التي أطلقت الصواريخ، كما يرجّح أن هناك غض نظر ومعرفة من “حزب الله”، الذي يستخدم “مقاولين” لتنفيذ المهمات
أطماع التطبيع
يوضح ماروم أن واشنطن أرغمت إسرائيل على بدء مفاوضات لتسوية الخلافات الحدودية مع لبنان، وبرأيه قد تُفضي إلى اتفاق يساهم فعلياً في خلق واقع جديد في لبنان: من جهة، إضعاف “حزب الله” وإيران داخل البلد، ومن جهة أخرى، تقوية الجيش اللبناني والحكومة في بيروت، التي لأول مرة، منذ أعوام طويلة، لا يسيطر عليها “حزب الله”.
داخلياً، يرى ماروم أن الحكومة الإسرائيلية تواصل الفشل والتلعثم حيال موضوع إعادة تأهيل الشمال. فلا يوجد حوار حقيقي مع القيادات المحلية، والحكومة ليست سخية بما فيه الكفاية في ما يتعلق بالحوافز والميزانيات المخصصة للشمال، في الوقت الذي صادقت على منح مليارات من الدولارات لقطاع الحريديم الذي يتهرب من الخدمة.
ويقول ماروم: “لا يمكن المقارنة بين إعادة التأهيل وعودة السكان إلى سديروت بعد خمسة أشهر، وبين العودة إلى المطلة بعد سنة ونصف”.
يشير ماروم إلى أنه لم يتم التعامل مع إعادة تأهيل الشمال كأولوية، ولا كمشروع طوارئ وطني ذي رؤية، وفيه دعوة للشباب إلى المشاركة في إعادة بناء الشمال.
ويأسف لأن الحكومة تواصل إهمال الشمال، بدلاً من تعزيز وترميم روح الاستيطان على الحدود كحاجة وطنية ملحة.
وحتى اليوم، عاد نحو نصف نازحي الشمال إلى منازلهم، ما يعني أن هذا التحدي الجوهري ما زال قائماً أمامنا.
“القدس العربي”: