فلسطين

إسرائيل تستثمر في القهر الغزّي: تمرّدوا على «حماس»

إسرائيل تستثمر في القهر الغزّي: تمرّدوا على «حماس»

يوسف فارس

يوسف فارس

غزة | لم يتأخر الاحتلال في تصوير التظاهرات التي خرجت في مدينة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين، على أنها موجّهة ضد حركة «حماس»، علماً أنها في حقيقتها ليست كذلك، ولا تمثّل انتكاسة لنهج الحركة التي لا تعمل وفق أي أجندة خارج السعي إلى التحرير. على أن ما جرى يمكن وضعه في سياق تباين في القدرة على التحمّل تشهده كل حروب التحرير، خاصة متى ما كانت الفاتورة ثقيلة إلى هذا الحد، وهي في حالة غزة، لم يسبق للعالم أن شهد مثيلاً لها، في ظل احتلال يملك أكثر الآلات الحربية فتكاً، ولا يتورّع عن ارتكاب أشد الجرائم فظاعة، ويملك دعماً مفتوحاً من القوى المهيمنة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وخرج الآلاف من الغزيين في تظاهرات تركّزت في بيت لاهيا، طالبوا فيها بوقف الحرب وما سمّوه «نزع الذرائع التي تساهم في استمرارها». ورفع الشباب وكبار السن لافتات كتبوا عليها شعارات بخط اليد من بينها: «نرفض نحنا نموت»، و «دماء أطفالنا ليست رخيصة»، و»أوقفوا الحرب… كفى». وأسال هذا المشهد في المدينة التي دمّر جيش الاحتلال 90% من منازلها، وأنذر سكانها أخيراً بإخلاء المناطق التي ينصبون فيها خيامهم، لعاب الاحتلال ووسائل الإعلام العربية الحليفة، التي فتحت بثّها لموجة كرّرت فيها مشاهد مصوّرة بالهاتف المحمول تُظهر بضعة مواطنين غاضبين يطالبون حركة «حماس» بمغادرة المشهد «حفاظاً على ما تبقّى وحقناً لدماء الأبرياء».

والواقع أن تلك الأصوات، وإن كانت لا تمثّل نبض الشارع، فإنها جزء منه، بالنظر إلى أن هذا الأخير مزيج بشري متباين لجهة قدرته على تحمّل الضغوط والأعباء، خصوصاً أنه تعرّض أخيراً لأعلى مستويات الضغط، فيما تحرمه سياسة التهجير المستمرّ والحصار والتجويع من أي فرصة للاستقرار. كما أن عودة الحرب تسبّبت بانتكاسة نفسية ومعنوية للكثير من الغزيين، بعدما ظنّوا أنهم نجوا من أسوأ إبادة يمكن أن يتعرّض لها شعب في القرن الحادي والعشرين.

تسبّبت عودة الحرب في انتكاسة معنوية للكثير من الغزيين بعدما ظنّوا أنهم نجوا من أسوأ إبادة يمكن أن يتعرّض لها شعب

وفي ظروف كهذه، يُعذر الغزي حين يعبّر عن قهره بأي كلمات من اللغة، علماً أن جيش الاحتلال لم ييأس منذ بداية الحرب من محاولات الاستثمار في ذلك القهر، والذي عملت عليه أيضاً منظومة إعلامية متكاملة يتماهى محتواها مع نسق المجازر الجماعية والحصار الجائر والتهجير. ويضاف إلى ما تقدّم، أن إلقاء اللوم على «حماس» والمقاومة بدعوى أنها المتسبّب في خراب غزة الكبير، لم يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية وكتّاب الرأي الإسرائيليين وبيانات الساسة، بل تعمّد جنود العدو الذين يتحدّثون العربية أن يُسمِعوا الأهالي خلال موجات التهجير عبارات من مثل: «هيك بدو السنوار»، و»زعلانين على صار فيكم، لكن السنوار فرحان»، و»حماس نكبت غزة». كما لم يترك جنود الاحتلال منزلاً دخلوه من دون أن يخطّوا على جدرانه شعارات ضد «حماس» والمقاومة.

وليس الضغط الإعلامي ومحاولات تشويه الوعي الجمعي للسكان، الأداتين الوحيدتين في ذلك؛ إذ حرمت سلطات الاحتلال «حماس» وفصائل المقاومة من تحقيق أي خطوة تخفّف من معاناة الأهالي الخارجين لتوّهم من الحرب، بعدما لم يُسمح بإدخال معظم ما تمّ الاتفاق عليه في بروتوكول الإغاثة الإنسانية، من الكرفانات والخيام ومولّدات الكهرباء، بل أسهم الحصار المالي المضروب على القطاع في تقويض قدرة الفصائل على تنفيذ استجابة عاجلة تتناسب وحجم الكارثة. وهكذا، بدا في كيان الاحتلال وكأنّ الأخير حقّق حلماً طال انتظاره، حيث تحدّث رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ببهجة عن التظاهرات، وطالب وزير جيشه، يسرائيل كاتس، بقية أهالي غزة بأن يخرجوا في تظاهرات كما فعل أهالي بيت لاهيا.

لكن هل المشهد هو كما يجري تصديره فعلاً؟ آخر ما يقبل به أحد في غزة أن يوصم بأنه ينفّذ أجندات الاحتلال، أو أن يظهر وكأنه أداة من أدواته على الأرض. على أن الأهالي الذين خرجوا في بيت لاهيا، أمس وقبله، أحرقت الحرب قلوبهم؛ ومن بينهم رجل من عائلة البرواي قتل الاحتلال 100 من أبناء عائلته، وقال أمام الكاميرات: «إحنا مش منتمين لأي فصيل، ولا ضد المقاومة، إحنا كنا إذا بيموت واحد منا موتة ربه، نظل شهور في حداد عليه. اليوم نطلب من الكل يقدّموا تنازلات لوقف الحرب، حتى لو كانت خروج البعض من المشهد». أما أبو محمد المصري الذي التقته «الأخبار»، فقال موضحاً موقفه: «إحنا ثأرنا مع الاحتلال طويل، وحتى ما يتوهم أحد إننا ننقلب على أحد، ثأرنا مع الاحتلال فقط. لكن محتاجين قليل من الحياة، قليل من الهدوء، حتى نلملم جراحنا، هل هذا كثير علينا؟».

الاخبار اللبنانيه

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب