مقترح أميركي جديد لـ«استباحة» أوكرانيا: الأوروبيون يشاكسون ترامب

مقترح أميركي جديد لـ«استباحة» أوكرانيا: الأوروبيون يشاكسون ترامب
لندن | أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن ما يسمّى «قوّة الضمانات» الأوروبية، والتي يعمل على تشكيلها «تحالف الراغبين»، تمهيداً لنشرها في أوكرانيا في حال التوصّل إلى تسوية للحرب هناك، ستتبلور خلال الشهر المقبل، بعد إرسال كل من فرنسا وبريطانيا ضباطاً عسكريين إلى كييف لوضع خطط محدّدة. وقال ماكرون، على هامش قمّة عُقدت في باريس، وحضرها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وقادة ومسؤولون من 30 دولة، بما فيها بريطانيا: «أعتقد بأنه في غضون ثلاثة إلى أربعة أسابيع، سنسوّي هاتين المسألتَين: كيفية رفد هيكلية الجيش الأوكراني وبنية (قوّة الضمانات)، وبالتالي إنجاز خطّة عمل دقيقة إلى حدّ ما، بعد تحديد الاحتياجات، وكذلك أدوار الفرقاء المساهمين». وأضاف: «إن مسؤولين عسكريين فرنسيين وبريطانيين سيذهبون إلى هناك حتى يتمكّن الأوكرانيون من إخبارنا بالضبط بما يحتاجون إليه، والمواقع التي يريدون نشر القوات فيها «، مؤكداً أنه «لا شيء خارج الطاولة، لذلك يتمّ النظر في القدرات البحرية والجوية والبرية».
من جهته، لفت رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الذي حضر القمّة، إلى أن «أعضاء تحالف الراغبين تقدّموا بعروض لمساهمات في كل الجوانب، من الخدمات اللوجستية والقيادة والسيطرة إلى عمليات الانتشار في البر والجو والبحر». وقال للصحافيين: «هذه أوروبا تحشد معاً وراء عملية السلام على نطاق لم نشهده منذ عقود». أمّا زيلينسكي الذي ظهر في باريس منتشياً بفضل تجدّد الدعم له، بعد إذلاله العلني في البيت الأبيض، الشهر الماضي، فقال إن «قوّة الجيش الأوكراني وحجمه سيكونان دائماً الضامن الرئيسي لأمننا»، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى بناء كل شيء آخر حول ذلك: قواتنا الدفاعية ومعداتها وتقنيتها وفعاليتها. هذا يظلّ الأساس». وأجابته رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، بأن الاتحاد الأوروبي سيدفع حصته من قرض بقيمة 50 مليار يورو لأوكرانيا يتم العمل بين القوى الأوروبية على توفيره لمنح نظام كييف أموالاً تشتدّ الحاجة إليها لشراء المزيد من الأسلحة.
وتنسّق فرنسا وبريطانيا مبادرة أطلقتا عليها اسم «تحالف الراغبين» بغرض نشر قوات أوروبية في أوكرانيا لتأمين المواقع الأكثر حساسية، من مثل المدن والموانئ والمباني الرسمية، عند نضوج التسوية هناك، ولتكون بمثابة رادع ضدّ أيّ «عدوان» روسي مستقبلي. لكنّ التحالف اضطر إلى تقليص طموحه، بعد اجتماع تقني عُقد في لندن، الأسبوع الماضي، وبدأ يتحدّث أكثر عن تعزيز قدرات الجيش الأوكراني، والاقتصار على تقديم دعم جوي ولوجستي له، وذلك وسط انقسامات تفاقمت بين أعضائه بسبب استمرار رفض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الالتزام بتوفير الحماية لقوات أوروبية على الأرض، أو دعمها استخبارياً ولوجستياً.
وبينما وافقت بعض الدول مثل الدنمارك ودول البلطيق (أستونيا، ليتوانيا ولاتفيا) على مبدأ إرسال جنود إلى جانب فرنسا وبريطانيا، فإن دولاً أخرى، مثل بولندا واليونان، قالت إنها لن تشارك بقوات لا يتوفّر لها غطاء أميركي، وستكتفي بتقديم المعدات والدعم اللوجستي، فيما رفضت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، فكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، تجنّباً للظهور في موقع المعطّل لجهود التسوية التي تقودها الولايات المتحدة، واعتبرت أن النقاش برمّته «سابق لأوانه».
وجّهت واشنطن رسالةً صارمة إلى كييف في شأن صفقة شاملة أكثر تطلُّباً للسيطرة على المعادن الثمينة وأصول الطاقة
وينبّه خبراء عسكريون إلى أن أيّ قوّة أوروبية برية، لن تتمكّن عملياً من الانتشار في أيّ موقع في أوكرانيا من دون حماية أميركية، مقلّلين من قيمة ادّعاء ماكرون (الأربعاء الماضي) بأن قوّة «تحالف الراغبين» ستردّ، في حال تعرّضت لهجمات روسية، لأن ذلك قد يعني فتح حرب مع «حلف شمال الأطلسي»، وهو أمر يتعارض كلّياً مع أهداف الإدارة الأميركية الجديدة في شأن أوكرانيا.
ويبدو أن الفرنسيين والبريطانيين – أهمّ منتجي السلاح الأوروبيين -، لديهم مصالح تتعلّق ببيع المزيد من أدوات القتل، سواء للجيش الأوكراني أو لتسليح قوة «ضمانات» أوروبية، ما يدفعهم إلى رفع سقف خطابهم، فيما تتمهّل بقية القوى الأوروبية التي لا تبدي أيّ رغبة في التشويش على المسار الذي أطلقه الأميركيون، بغرض التوصّل إلى تسوية تنهي الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات. واستخدم الفرنسيون، القمّة، منصّة لمشاكسة خطط ترامب، عبر الإعلان عن رفض المطالب الروسية برفع العقوبات الغربية على قطاعات الأسمدة والمحاصيل الزراعية لأجل تحييد البحر الأسود عن الأعمال القتالية.
وقال ماكرون: «على العكس تماماً. إن ما ناقشناه (في قمّة باريس) هو كيف يمكننا زيادة العقوبات وفرض مزيد من الضغوط لجلب روسيا إلى طاولة المفاوضات». ووفقاً لبيان الناطقة باسم إدارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فإن أحد «الشروط المسبقة الرئيسية لرفع أو تعديل العقوبات المفروضة على روسيا، هو إنهاء عدوانها غير المبرّر على أوكرانيا، والانسحاب غير المشروط لجميع القوات العسكرية الروسية من كامل الأراضي الأوكرانية».
على أن الأميركيين تجنّبوا، إلى الآن، التعليق على خطط الأوروبيين، ووجّهوا في المقابل رسالةً صارمة إلى أوكرانيا في شأن صفقة شاملة أكثر تطلُّباً للسيطرة على المعادن الثمينة وأصول الطاقة في البلاد، ومن دون تقديم أيّ ضمانات أمنية مستقبلية، فيما استغلّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، زيارته إلى غواصة نووية من طراز جديد، للدعوة إلى وضع أوكرانيا تحت شكل من أشكال الإدارة المؤقتة للإشراف على انتخابات جديدة.
وقال بوتين: «هذا من شأنه أن يمهّد الطريق للسلام»، مؤكداً رغبة بلاده في التوصّل إلى «حلّ سلمي للحرب، لكن ليس على حسابنا». ونقل الإعلام الروسي عن الرئيس، قوله: «يمكن إدخال إدارة مؤقتة إلى أوكرانيا تحت رعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الأوروبية وشركائنا، من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة تتمتّع بثقة الشعب، ومن ثم بدء محادثات مباشرة معها حول معاهدة سلام دائم»، وهو ما سارع ناطق باسم البيت الأبيض إلى رفضه.
وكانت صحيفة بريطانية كشفت أن مسوّدة اتفاق جديد أرسلتها واشنطن إلى كييف، الأحد الماضي، تتضمّن سيطرة أميركية شاملة على جميع الموارد المعدنية – بما في ذلك النفط والغاز وأصول الطاقة الرئيسية – في جميع أنحاء الأراضي الأوكرانية وبأوسع ممّا كان يدور النقاش حوله سابقاً. ووفق المسوّدة الجديدة، تريد الولايات المتحدة تشكيل مجلس أميركي – أوكراني للإشراف على صندوق استثمار مشترك لتقسيم الدخل من مشاريع النفط والغاز والمعادن بين البلدين، تعيّن واشنطن ثلاثة من أعضاء مجلس إدارته الخمسة، ما يمنحها حقّ النقض الكامل ضد قرارات الصندوق. ولا تذكر المسوّدة ملكية الولايات المتحدة لمحطات الطاقة النووية الأوكرانية، كما اقترح ترامب سابقاً، ما يشير إلى أن الروس رفضوا ذلك بشكل قاطع.
وقال وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسينت، إنه يعتقد بأن الصفقة يمكن توقيعها في وقت قريب خلال الأسبوع المقبل، ما عدّه مراقبون دليلاً على ثقة متزايدة لدى الإدارة الأميركية بفرص نجاح مفاوضاتها مع روسيا لإنهاء الصراع، وإطلاق صيغة تعاون بين الدولتين العظميَين لاقتسام الكعكة الأوكرانية. وعلى رغم حذر الرئيس الأوكراني في شأن إعلان موقفه حول المسوّدة الجديدة، واكتفائه بالشكوى من استمرار الأميركيين في تغيير مواد الصفقة العتيدة، إلا أن عدداً من المسؤولين الأوكرانيين الكبار قالوا إن المقترح الأميركي الجديد «غير عادل»، ويقوّض سيادة بلادهم، ويوجّه الأرباح من مواردها إلى الخارج، ويعمّق اعتمادها على واشنطن، فيما شبّهه أحدهم بـ»السرقة في وضح النهار».