منوعات

جاري البحث عن المؤسسات المعنية بتطوير الدراما والإعلام!

جاري البحث عن المؤسسات المعنية بتطوير الدراما والإعلام!

سليم عزوز

«من دقنه وافتله»، هكذا يُنطق المثل الدارج، لمن يقدم العون لأحد على حساب طالب العون نفسه، ويُكتب «من ذقنه وافتل له»، أي اصنع له من لحيته الحبل الذي يريد، وهكذا تتعامل السلطة المصرية مع الشعب في المسألة الإعلامية!
فقد كنت أعتقد أن السلطة عندما وضعت يدها على وسائل الإعلام، بواسطة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، استغلت المال الخاص بأحد الأجهزة السيادية للقيام بهذه المهمة، وهو مال غير منظور، ولا يخضع لرقابة الأجهزة المعنية، وعندما قامت ثورة يناير المجيدة، كان الحديث عن ضرورة خضوع جميع الأجهزة والوزارات للرقابة، وهناك وزارات معفاة من ذلك بدون نص قانوني، كوزارة الداخلية مثلا، وعندما خرجت مجموعة ممن سموا أنفسهم ثوار الجهاز المركزي للمحاسبات (لا نعرف أين هم الآن؟) وهاجموا رئيس الجهاز جودت الملط، لأنه منعهم من الرقابة والتفتيش على حسابات الوزارة، وتعرضت في مقال لي لذلك، تلقيت اتصالا هاتفياً منه حيث سألني ومن كان يجرؤ على ذلك؟!
وأوضح لي ما لم يكن يحتاج لتوضيح، فميزانية وزارة الداخلية وإن كانت تخضع لرقابة الجهاز بنص القانون، إلا أنهم لا يمكنهم ذلك، فمع مثل هذه المؤسسات فإن الأمر يحتاج لتوجيه رئاسي، أكثر من الحاجة لنص قانوني، والرئيس مبارك كان يعلم أن يدهم مغلولة ولم يطلب من الجهاز ممارسة دوره الرقابي.
وقد أثيرت قضية الرقابة على ميزانية الجيش، وسط استنكار بأن هذا يمثل افشاء للأسرار العسكرية، وكان الرد فلتكن الرقابة على الأنشطة المدنية لا العسكرية، وقد دفع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة ثمن حرصه على تطبيق القانون، وحديثه بعد ذلك عن حجم الفساد، حيث تعرض للاعتداء البدني بواسطة شبيحة والشمس ساطعة، وتم الزج به في السجن ظلماً وعدواناً!

نشر الميزانيات وتفكيك المنظومة

وليس هذا موضوعنا، فلم يعد سراً أن الشركة المتحدة مملوكة لأحد الأجهزة السيادية، وفيها 8 آلاف و700 موظف، وتضم 40 شركة، و10 منصات رقمية، و17 قناة تلفزيونية، بجانب عدد من المحطات الإذاعية، وهي التي تحتكر الإنتاج الدرامي، الذي تم الاعتراف مؤخراً بفشله، وها هو شهر رمضان يوشك على الانتهاء، دون أن تظهر كرامة لمسلسل من (22) مسلسلاً من انتاج الشركة لهذا الشهر، هذا ناهيك عن أعمال أخرى كثيرة!
وقد طالبت من قبل بتطبيق القانون ونشر ميزانية وسائل الإعلام هذه، لكن هذا النص القانوني تم قتله عمداً، للتستر على خسائر بالمليارات، وهي إحدى ملامح فشل المنظومة، إذ اعتقدت أن المتحدة ستعجز عن اثبات مصدر أموالها، لدراسة تفكيك هذه المنظومة، إذا جدت في الأمور أموراً.
ومع أن قناعتي الشخصية أنه لا ثورة الآن على الأبواب، رغم تأكيد مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف باحتمالية سقوط النظام المصري، إلا أنني أتصرف كالفقهاء القدامى عندما كانوا يبحثون في مسائل مستحيلة لاستنباط الحكم الشرعي فيها، لذا فإن كتب الفقه زاخرة بمثل هذه المسائل التي تدهش العامة، لاستحالة حدوثها!
فالإنفاق على الشركة المتحدة هو وفق قاعدة «من دقنه وافتله»، وقد تراكمت ديونها على مدينة الإنتاج الإعلامي لتصل لغاية عام 2024 إلى 222 مليون جنيه نظير تأجير الأستوديوهات ونحو ذلك، ويدهشك هذا الارتفاع المهول في الديون من 34 مليون جنيه في سنة 2020، لتصل لهذا الرقم الكبير بعد عامين فقط!
وإذا كانت الحصة الأكبر في أسهم الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي تعود الى شركات حكومية مملوكة للدولة (79) في المئة، والحصة الأقل هي للبنوك (17.8) في المئة، فإن اللافت هنا أن حصة اتحاد الإذاعة والتلفزيون (الهيئة الوطنية للإعلام حاليا)، في مدينة الإنتاج الإعلامي (43) في المئة من رأس مالها، وجحا أولى بلحم ثوره، لاسيما وأن ماسبيرو يشكو الفقر المدقع والشح المطاع لدرجة عجزه عن الإيفاء بما عليه حيال الذين يحالون للتقاعد، فقد توقف منذ سنوات عن دفع مكافأة نهاية الخدمة لمن يتقاعدون!
وهذه المديونية ليست كل المشكلة، فلا نعرف حجم الديون للبنوك على الشركة المتحدة، ولا نظن أن صفحتها بيضاء في هذا الصدد، هذا بجانب أن قنوات تلفزيونية أطلقت بتمويل خارجي، عندما تم دغدغة المشاعر الجياشة للعرب العاربة والمستعربة على السواء، باتجاه مصر لسحب الريادة من قناة الجزيرة، من خلال أحدث أستوديو، وأكبر كاميرا، فكانت قناة «دي أم سي»، ثم «القاهرة الإخبارية»!
والذي يفتش في الملفات قد لا يجد أن ميزانية الجهة السيادية المالكة للشركة المتحدة، قد تحملت شيئا من عملية الانفاق على هذه المؤسسات العملاقة شكلاً، لا موضوعاً، ومن فاتورة الفشل المعترف به من جانب رأس السلطة، ومن هنا فمن فشل لا يتحمل تبعات فشله، فغيره من يتحمل ذلك، وهو الشعب!
«من دقنه وافتله».

مولد وصاحبه غائب

ولا تزال أصداء الاعتراف الرئاسي بفشل الدراما والإعلام تنتج كل ما هو مثير!
فقد سئل حجا: «ودنك منين؟»، وبالنحوي «أين أذنك؟»، وبدلاً من أن يشير بيده اليمنى على أذنه المقابلة، أو باليسرى على الأذن اليسرى، إن كان أعسراً، كلف نفسه من أمرها رهقاً، بأن مرر يده اليمنى خلف عنقه ليمسك بأذنه اليسرى، وهتف: «ها هي»، وكأنه اكتشف قانون الجاذبية، فغنى: إني أغرق تحت الماء!
التحرك الأكاديمي، لم يعد قاصراً على جامعة القاهرة، التي ما أن فرغ الجنرال من اعترافه بفشل الدراما والإعلام، حتى تحركت لتشكيل لجنة للبحث في أسباب المشكلة ووضع تصور حلها، فالمجلس الأعلى للجامعات بجلال قدره، وعظيم شأنه، وبدلا من أن يبحث أزمة التعليم الجامعي وتحدياته، قرر تشكيل لجنة من أساتذة الجامعات المصرية (عامة) لوضع خطة لتطوير الإعلام والدراما لتقديم خبراتها للمؤسسات المعنية!
ولن نقول في أي شيء فلح القوم؟ وحتى ما تحصلوا عليه بفضل الثورة، وهو انتخاب عمداء الكليات، سحبه الانقلاب العسكري منهم بحسبانهم «قُصر» تحت الوصاية لا يحسنون الاختيار، ولن نقول ولماذا لم نسمع لهم صوتاً عندما جرى معادلة شهادات الكليات العسكرية بالشهادة الجامعية الممنوحة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بدون إشراك المجلس الأعلى للجامعات في الأمر، فما نقوله ما هي المؤسسات المعنية بتطوير الإعلام والدراما، التي قال بيان القوم إنهم سيرفعون التوصيات إليها؟!
ولأنه مولد وصاحبه غائب، فلجنة الثقافة والإعلام في حزب السلطة الجديد اجتمعت وأوصت ورفعت توصياتها للمؤسسات المعنية، وإن ألمحت هذه التوصيات دون أن تصرح بأن الشركة المتحدة هي المسؤولة عن الفشل، فضرورة عودة الدولة ممثلة في قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري إلى انتاج الأعمال التاريخية والوطنية التي لا تنتجها الشركات الخاصة، ورفض سيطرة وتحكم الممثل النجم في عناصر الإنتاج، وتفعيل دور الرقابة.
وفي التعريف القانوني فإن الشركة المتحدة هي شركة خاصة، فكيف يقال إنها لا تنتج الأعمال الوطنية والتاريخية، وبما يصنفون مسلسل «الاختيار» أليس عملاً وطنياً؟ وبماذا يصنفون مسلسل «الحشاشون»؟ أليس عملاً تاريخياً؟ ومن مكن الممثل النجم من التحكم والسيطرة؟ أليست الشركة المتحدة من خلال النفخ في الكومبارس السابق محمد رمضان؟!
أما الحديث عن تفعيل دور الرقابة، فهل يعني هذا أن ما يشكو منه المشاهدون وتتسم به دراما المرحلة من استخدام ألفاظ نابية يعني أن الرقابة توقفت عن ممارسة دورها القانوني حيال أعمال الشركة المتحدة بحسبانها من أعمال السيادة؟!
لقد أوصت لجنة الحزب إياه بعقد مؤتمر عام لتطوير الدراما والإعلام يدعو إليه المنتجين المنسحبين، ليثير هذا سؤالاً هل انحسبوا فعلا، أم أن المتحدة احتكرت الدراما والإعلام، وعندما فشلت باعتراف رأس السلطة نفسه، وبدون دفاع من أحد، كان هذا اللف والدوران، والكلام الصحيح هو حل الشركة المتحدة وتفكيك منظومتها والعودة لحدود ما قبل يونيو/حزيران 2013؟!
وكما قرر المجلس الأعلى للجامعات رفع توصيات لجنته الكبرى للمؤسسات المعنية بتطوير الدراما والإعلام، فقد قالت لجنة الحزب إياه إنها رفعت توصياتها إلى المؤسسات المعنية بتطوير الدراما والإعلام، فما هي هذه المؤسسات؟ هل هي رئاسة الجمهورية، أم الشركة المتحدة؟!
جاري البحث عن المؤسسات المعنية بتطوير الدراما والإعلام!

 صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب