مقالات

ترشح بايدن وتداعيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية -د. رياض العيسمي

د. رياض العيسمي

ترشح بايدن وتداعيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية
د. رياض العيسمي
قبل أن يعلن الرئيس السابق دونالد ترامب مطلع هذا العام عن ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في العام المقبل، ٢٠٢٤، لم يكن هناك أي اعتقاد بإمكانية وقوع منازلة رئاسية ثانية بينه وبين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن. هذا بالرغم من أنه لا يوجد ثوابت مطلقة في السياسة. وكل ما هو ممكن، يمكن حصوله، وحتى إذا كان غير اعتيادي. ولعل حصول أكثر ما هو غير اعتيادي هو وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد انتخابات عام ٢.١٦. وذلك عندما هزم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والتي كان ترشحها هو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تنازل نائب الرئيس جو بايدن في حينها عن أحقيته في الترشح. فالترشح للرئاسة الأمريكية يحتاج إلى جمع مبالغ طائلة عبر حملات تبرع منظمة ومخطط لها بدقة عبر ماكنة إعلامية متخصصة في هذا المجال. ولم يكن في حينها أقوى وأبرع من ماكنة الرئيس الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري، مضافا إليها ماكنة الرئيس أوباما التي اثبتت براعتها، وتفوقها على الجميع. وكان أوباما في حينها يفضل ترشح هيلاري على ترشح نائبه بايدن. وذلك لقناعته بعدم امكانية نجاح بايدن أمام أي مرشح جمهوري محتمل في ذلك الوقت. وكذلك لأن هيلاري، لو نجحت كما كان متوقعا، كانت دورتها الرئاسية الأولى ستكون بمثابة دورة ثالثة لأوباما. وذلك لقربها من سياساته أكثر من جو بايدن. لكنه حصل ما حصل. واستطاع المرشح دونالد ترامب ان يتفوق على ١٧ مرشح جمهوري، وأن ينتزع ترشيح الحزب الجمهوري له، بالرغم من شعبية وعراقة منافسيه بمن فيهم جب بوش ابن الرئيس بوش الأب وأخو الرئيس بوش الابن. وكان حاكما لولاية فلوريدا، التي أصبحت تعتبر بيضة القبان في أية انتخابات رئاسية. كما واستطاع ترامب لاحقا أن يربح الانتخابات العامة أمام هيلاري ويدحض كل التوقعات. هذا بالرغم من تفوق كلينون عليه بأكثر من ثلاثة ملايين صوت من الأصوات الشعبية. وفي حينها كتبت مقالة جاء فيها: “أن يرشح الحزب الجمهوري ترامب، هذه حالة مستجدة لدى الحزب الجمهوري تحتاج الى مراجعة دقيقة حول واقع ومستقبل الحزب. وأما أن تنتخب الولايات المتحدة ترامب رئيسا لها، فهذه ظاهرة غير مسبوقة في تاريخها. وهي تحتاج إلى دراسات متخصصة ومعمقة حول مستقبل النظام السياسي والديمقراطي الأمريكي بشكل عام”.
لم يكن جو بايدن يعتزم خوض انتخابات عام ٢٠٢٠ وذلك بحكم عمره ووضعه الشخصي بسب موت ولده بو بالسرطان. لكن مروحة المرشحين الديمقراطيين فيها حينها أقنعته، ومعه مؤسسة الحزب الديمقراطي، بأنه لا أحد من المرشحين يمكن أن يهزم دونالد ترامب. وبهذا سيكون إعادة انتخاب ترامب خطرا كبيرا على وضع الحزب الديمقراطي وعلى مستقبل الولايات المتحدة. ولهذا كان هو المرشح الذي كان من المحتمل ان يربح الانتخابات ضد ترامب بسبب عمره المتقارب مع عمر ترامب وخبرته التي تفوق خبرة ترامب السياسية بأكثر من أربعين عاما. وهذا ما حصل، وفاز بايدن بالرغم من اعتراض ترامب وعدم تقبله النتيجة. والذى ادى الى الهجوم على مبنى الكونغرس في ٦ يناير ٢٠٢١ من قبل أنصار ترامب. محدثا بذلك انقساما جديدا في السياسة الأمريكية، وشرخا عميقا في المجتمع الأمريكي.
كنت أحد الذين راهنوا على عقلانية بايدن وعدم ترشحه لدورة انتخابية ثانية وفسح المجال أمام جيل جديد في الحزب. واعتبرت تلميحه بالترشح قبل الانتخابات النصفية في العام الماضي، كان مجرد تكتيك سياسي كي يؤكد على وحدة الحزب الديمقراطي لتعزيز فرص نجاحه في انتخابات التجديد للكونغرس. وهذا ما حصل. ولكنه بعد ترشح ترامب رسميا، بدأت أميل إلى الاعتقاد بأن ترشح بايدن بات أيضا ضرورة لقطع الطريق على ترامب ومحاولة حرمانه من العودة إلى البيت الأبيض كما حصل في الانتخابات الماضية. وهذا ما حصل بالفعل. لقد اختار بايدن هذا اليوم، ٢٥ نيسان، وهو نفس اليوم الذي أطلق فيه حملته الانتخابية الأولى قبل أربع سنوات، ٢٠١٩، ليطلق حملته الثانية. وذلك للاعتقاد القوي عند المتخصصين بأن ترامب سيكون هو المرشح صاحب أكبر فرصة للنجاح في ترشيح الحزب الجمهوري في العام القادم. وهذا الافتراض نابع من أن ترامب مازال يسيطر على ثلث قاعدة الحزب الجمهوري. وهذا ما سيخوله في الحصول على الترشيح في حال نافسه عليه من أربعة إلى خمسة مرشحين الذين سيتقاسمون الثلثين في أحسن الأحوال. وذلك لأنه حسب الأعراف الانتخابية للحزب الجمهوري بأن الحاصل على أعلى الأصوات في أية ولاية يحصل على العدد الكامل لمندوبها في المؤتمر الذي سيبت في الترشيح. وهذه بعكس أعراف الحزب الديمقراطي التي تنص على حصول المرشح على نسبة من عدد المندوبين تتناسب مع نسبة حصوله على الاصوات الشعبية للولاية. ففي الوقت الذي لا يتوقع فيه منافسة أي مرشح جدي لبايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي، يجري الاعتقاد بأن عدد منافسي ترامب سيكون كبيرا، وقد يفوق العشرة منافسين. ومنهم من الذين كانوا معه نائبه مايك بينس، ووزير الخارجية بومبييو ونيكي هيلي مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة. ولكن استطلاعات الرأي تضع في مقدمتهم رون ديسانتوس حاكم ولاية فلوريدا. وهو شاب، ٤٤ عام، ضابط سابق ومن أصول إيطالية، جده كان مهاجر للولايات المتحدة من جنوب إيطاليا. وهو يعتبر تلميذ ترامب النجيب ويجسد سياساته ويحمل أفكاره، وليس شخصيته. وبعد اعادة انتخابه لدورة ثانية كحاكم لولاية فلوريدا تمرد على سلطة ترامب. وهذا ما يمكن أن يعطيه أرجحية الفوز في الانتخابات العامة، والتي هي ستكون مشكلة أي مرشح جمهوري ينتمي لمعسكر ترامب. هذا في الوقت الذي لا يستطيع أي مرشح غير ترامب أو من على شاكلته ان يحصل على ترشيح الحزب.
بغض النظر عن المرشح الجمهوري الذي سينافس بايدن، ستكون الانتخابات متقاربة في عدد الكليات الانتخابية للولايات والمطلوبة للفوز وبغض النظر عن توقعات زيادة الاصوات الشعبية للديمقراطيين عن الانتخابات السابقة التي فاز بها بايدن على ترامب بزيادة أكثر من خمسة ملايين صوت. على كل الاحوال، ما زال أمام الانتخابات حوالي عام ونصف. وهذه فترة كافية جدا لحصول المتغيرات أو المفاجآت، التي يمكن أن تغير من المعادلة وتقلب النتائج الانتخابية. كموت أحد المرشحين. وهذا أيضا ممكن بسبب العمر والوضع الصحي لكل من بايدن وترامب. بايدن سيكون في العام القادم قد بلغ الثانية والثمانين وترامب الثامنة والسبعين. وبالرغم من أن استطلاعات الرأي الأولية تظهر تفوق بايدن على ترامب بثلاثة نقاط، إلا أن ٦٢٪؜ يفضلون عدم ترشح أي منهما. وهذا وضع غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة منذ تأسيسها قبل أكثر من ٢٤٠ عام. وفي انتخابات يتم الاستعداد لها لأكثر من عامين وبتكلفة تفوق ملياري دولار. وستكون الانتخابات الرئاسية القادمة الأسوأ في التاريخ الأمريكي. وهذا الوضع يؤكد على ضرورة اصلاح النظام السياسي الذي يعتمد على نظام الحزبين. والذي من المفترض أن يحافظ على التوازن ويحكم من الوسط. وهذا قد اختل اليوم. فكلا الحزبين اصبح يسير بالاتجاه المعاكس في اليمين واليسار وبعيدا عن الوسط. وكذلك لا بد من اصلاح النظام الانتخابي الأطول والأكثر تكلفة في العالم وبما يسمح بسيطرة راس المال على انتخابات من المفترض أن تكون شعبية. ولقد آن الأوان كي يوافق الكونغرس على إلغاء قانون الكليات الانتخابية التي تكرس سلطة كل ولاية على حدة وتقلل من قرار الشعب في كل الولايات في دولة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب