مقالات
نيسان ميلاد البعث والنور -78 عاما من المنازلات الجسورة بقلم الاستاذ عبد الله رزق ابوسيمازة – السودان
بقلم الاستاذ عبد الله رزق ابوسيمازة - السودان

نيسان ميلاد البعث والنور -78 عاما من المنازلات الجسورة
الاستاذ عبد الله رزق ابوسيمازة – السودان
منذ تأسيسه قبل ثمانية وسبعين عاما، اصبح حزب البعث العربي الاشتراكي ، بمبادئه وأهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية، عنصراً فاعلاً في الحياة العربية، لاسيما في بلد منشئه، سوريا. ففي البدء، شارك مؤسسوه، بعد نحو عام من انعقاد مؤتمره الأول في ٧ ابريل/ نيسان ،عام١٩٤٧، في التطوع في الدفاع عن فلسطين عام ١٩٤٨، ليخرج من التجربة باطروحة هامة مفادها أن فلسطين لن تحررها الحكومات، وإنما يحررها الكفاح الشعبي المسلح. ولم تزل تلك الاطروحة، التي تراهن على فعل ونضال الشعب المسلح، اكثر من رهانها على الأنظمة العربية، تحافظ على صلاحيتها، لا لفلسطين وحسب، وانما في كل مكان محتل من الوطن العربي، في الأحواز كما في االعراق. وقد اكدها القائد المؤسس الاستاذ احمد ميشيل عفلق عليه رحمة الله، على نحو أوسع وأشمل بقوله “إن الأمة موجودة في كل مكان يحمل فيه أبناؤها السلاح “.
إن المشاركة في حرب فلسطين، في تلك المرحلة التأسيسية من عمر حزب البعث العربى الأشتراكى، مكنته من ملامسة الواقع العربي خارج بلد المنشأ، والتعرف على ما سيكون في ادبياته اللاحقة حول القضية المركزية للأمة العربية، ومن ثم انخراط العديد من كوادره القيادية في المنظمات الفلسطينية اثر بروزها في ساحة العمل الثوري التحرري، ومن ثم تأسيس جبهة التحرير
العربية، كتعبير عن اكتمال تراكم التجارب والخبرات والرؤية النضالية للحزب فيما يخص قضية الأمة المركزية، والتي ستكون اخر ما يتفوه به الرئيس الشهيد صدام حسين القائد والامين العام قبيل استشهاده، حيث هتف بحياة فلسطين والعراق والأمة .
إن الرهان على الكفاح المسلح، بشروطه الموضوعية، لم يمنع حزب البعث العربى الاشتراكى ، الذي نشأ في بيئة ليبرالية، من رؤية الممكنات التي يتيحها النضال السلمي الديموقراطي، وهو ما انعكس في الانتصارات التي حققها في الانتخابات التي جرت في سوريا، والتي مكنته من التقرير، من مستوى السلطة المنتخبة، بشأن إنجاز وحدة سوريا ومصر، تحت راية الجمهورية العربية المتحدة عام ١٩٥٨. وكان ذلك بالاستناد على رصيده الجماهيري، على خلفية نضاله الصلب ، لاسيما في مواجهة الانقلابات العسكرية في سوريا التي كانت اول بلد في الوطن العربي يشهد أول انقلاب عسكري بدء من انقلاب الزعيم، ثم الحناوي فالشيشكلي.
كان إنجاز وحدة سوريا ومصر عام ١٩٥٨، محصلة نضال الحزب، وتأكيد فعاليته، ودوره في صناعة التاريخ الماثل عامئذٍ، في أول وحدة عربية في التاريخ الحديث، اتساقاً مع الشعارات التي رفعها، والتي يتقدمها شعارالوحدة العربية.
غير أن الأمر لا يتعلق بسوريا وحدها، فالبعث ظل فاعلاً نشطاً في العديد من الاقطار العربية، واصبح تاريخ الحزب، منذ ذلك الحين، جزء من تاريخ سوريا والعراق، وتاريخ الوطن العربى بوجه عام. حيث تصاعد نضاله من أجل الوحدة بجانب نضاله من أجل تحرير فلسطين، ومحاربة الأحلاف الاجنبية والدعوة للاشتراكية العربية و للحياد الايجابي وعدم الانحياز للحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي السوفييتي والرأسمالي الغربي.هذه الشعارات التي أصبحت تياراً مؤثراً في السياسة الدولية، منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، لا سيما فى افريقيا وٱسيا وامريكا اللاتينية.
لقد كان مدهشاٍ ومثيراً للتساؤل، في نظر باتريك سيل، صاحب “الصراع على سوريا”، ان تنطلق الدعوة للحياد الايحابي التي نهضت عليها كتلة عدم الانحياز في مؤتمر باندونغ الشهير من هذا البلد الصغير،على حد تعبيره. غير أن صاحب ” الصراع على سوريا ” لم يتح له رؤية كيف توزعت سوريا بعد سبع عقود من باندونغ، بين القوى النافذة،دوليا واقليميا، إلى مناطق سيطرة ونفوذ واحتلال، وساحة لحروبها المتعددة الشعارات. واليوم تتزامن الذكرى الثامنة والسبعين لميلاد البعث، مع بداية تحرر سوريا، من الهيمنة الإقليمية والدولية، باسقاط حكم أسرة حافظ الاسد الطائفى،التي تسلطت على حكم البلاد أكثر من نصف قرن، ووفرت كافة الذرائع والمبررات والاغطية، وهى تنتحل اسم حزب البعث، لذلك الانتهاك الممنهج لاستقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها ودورها القومى التحررى.
إن تحرير سوريا هو مقدمة لتحرير العراق من الاحتلال الايراني -الامريكي، بعد أن واصل البعث في العراق، كما استعاد في سوريا، قدرته على الفعل التاريخي، وتجاوز في البلدين، كافة مخططات ومؤامرات الاجتثاث والانتحال والتشويه والارتداد، الطائفي منها والقطرى والامبريالي. فالبعث، كما يقول القائد المؤسس، حركة تعمل لمئات السنين.
وفي سياق مقاومة الانفصال من جهة، ومناهضة انحراف حكم عبدالكريم قاسم عن خط ثورة تموز/يوليو ١٩٥٨، من الجهة الأخرى ، قدر للبعث أن يتسلم الحكم في القطرين عام ١٩٦٣، وان يصعد بالتالي، كفاحه من أجل استعادة الوحدة، ثلاثية الأبعاد ، هذه المرة،بانضمام العراق الى سوريا ومصر، بالارتكاز إلى دروس التجربة السابقة. غير أن الردة في العراق، والصراعات التي مهدت للردة ، في سوريا لاحقا، أدت إلى إجهاض حلم الوحدة، والذي يمكن النظر إليه كمؤشر للتراجع المتسارع في الموقف العربي نحو هزيمة ٦ يونيو ١٩٦٧.
وقد استهل القائد المؤسس ابتدار نقد ونقد ذاتي شمل الحزب، ضمن الوضع العربي عامة، من أجل الخروج مما عرف بالنكسة، والتأسيس لنقطة بداية جديدة.
وقد كانت ثورة ١٧ تموز/يوليو ١٩٦٨ في العراق، هي تلك النقطة، للبداية المنشودة ، باعتبارها رداً مباشراً على هزيمة يونيو، سطره حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد أعادت الثورة التوازن في الوضع العربي، ومنعه من الانهيار،من خلال المثال الذي جسده عراق الصمود وقيادته وشعبه وجيشه. ومن خلال المبادرات العديدة، التي استهدفت تصحيح مسيرة النضال العربي، وتعيين أهدافه في كل مرحلة من المراحل. حيث لعب العراق دورا قياديا حرض عليه القوى المعادية التي حاولت،عبثا، إعاقة مسيرة الثورة في العراق ومشروعها الوطنى القومى التحررى. مما دفعها، في نهاية المطاف،إلى غزو العراق، واحتلاله في تحد مفضوح للقوانين والأعراف الدولية وللشعارات التى تتزين بها.
غير أن دور وتأثير البعث لم يقتصر على سوريا والعراق، فقد كان حزب البعث العربى الإشتراكى، ومازال فاعلاً في الاردن ولبنان واليمن، كما في السودان وارتريا و موريتانيا وتونس والجزائر والمغرب والأحواز وغيرها. وعبر علاقاته مع القوى التقدمية في مختلف بلدان العالم، مثلما كان له حضوره على مستوى دعم النضال العالمي التحرري، التقدمي والديموقراطي والتضامن الفعال في مواجهة قوى الهيمنة والاستعمارالجديد والامبريالية والصهيونية.
لقد كان وضع وصياغة مشروع الثورة ، التي يتمثلها البعث ويجسدها، هي اهم مساهمة ، كما قال القائد المؤسس، في وضع النضال العربي، موضعه وسياقه التاريخي الصحيح. من ثم أصبح البعث، جزء لا يتجزأ من النضال من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية، من المحيط الى الخليج، ومؤثرا في مجمل التطورات على صعيد المحيط الاقليمى والدولى.
وظل البعث، خلال الثمانية عقود الماضية، بمثابة ثيرموميتر التطورات السياسية والفكرية في الوطن العربي والمنطقة، فصعود البعث يقابله دائما صعود ثوري وتطور إيجابي في الوضع العربي، وبالعكس، فان أي انتكاسة، اوتراجع في مسيرة البعث يمثل حالة من التراجع في الموقف العربي في عمومه.
في هذا السياق، فان الغزو الأمريكي للعراق، واسقاط نظامه الوطني، ومن ثم رهن العراق للاحتلال المزدوج الايراني – الامريكي، ،مثل انتكاسة كبرى في الوضع العربي والاقليمى والدولى، وفر للقوى المعادية الاستعمارية والتوسعية الفرصة لتمرير مخططاتها خاصة المرتبطة بما يسمى بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالنزوع والاطماع التوسعية للقوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة تتقدمها الفارسية.
واذا كان البعث حركة تعمل لمئات السنين، فان ثلاثة ارباع القرن الاول من تاريخها، الذي يحفل بالانجازات التاريخية، فى مختلف المجالات، فان ما تبقى من هذا القرن، يمكن أن يكون حافلاً بالبشارات وبالأمال العريضة الواعدة بمستقبل افضل وبانطلاقة جديدة.
ان ذكرى تأسيس البعث، الثامنة والسبعين، تعني بداية مرحلة جديدة، تتطلب مستوى جديداً ومتقدماً من النضال ورفع رايات وحدة النضال ووحدة قواه، لمواجهة التحديات والمتغيرات، على مستوى العالم والاقليم وعلى مستوى كل قطر عربي،على حدة.
ففي المقدمة تنهض مهمة مواجهة الاحتلال، في فلسطين وفي العراق، ووقف الحرب فى السودان ، وتحريراليمن من ايران، ووقف الاقتتال فى ليبيا، وتعزيز استقلال وعروبة لبنان وسوريا ووحدتها، التي تقتضي، تحالفاً واسعا ًعلى المستوى القومي، يضع تلك المواجهة، بكل ما تستدعي من أدوات نضالية، في
صدارة المهام، لدعم نضال شعبنا في العراق وفلسطين، عبر أوسع جبهة للتضامن الشعبي، لمناهضة التطبيع، وفضح قواه المتحالفة مع الإمبريالية والصهيونية. واستكمال مهمة الأنتفاضة الشعبية العربية الثورية ، بالانتقال إلى الديموقراطية والتعددية المرتبطة بالتنمية وصيانة حقوق الانسان، ومناهضة الردة، بالتصدي الحازم ، عبر جبهة شعبية عريضة في كل قطر من أقطار العروبة .