إسرائيل تواصل حرب الإبادة وقطر تندد وتنفي أي تورط مع الاحتلال

إسرائيل تواصل حرب الإبادة وقطر تندد وتنفي أي تورط مع الاحتلال
سليمان حاج إبراهيم
الدوحة ـ يهتز العالم ويصدم بالصور القاسية ومشاهد القتل والدمار وصرخات سكان غزة الذين يتعرضون لأبشع حرب إبادة يسجلها العصر الحديث، مع عجز النظام الدولي عن وقف هذا العدوان، رغم كل محاولات الوسطاء، وعلى رأسهم قطر، التي تتعرض بالرغم من جهودها لإنهاء الحرب، لحملة تشويه واسعة من أرباب استمرار العنف المسلط على أشقائها الفلسطينيين.
وتواصلت مجازر الاحتلال في القطاع، التي يستيقظ العالم على تفاصيلها المروعة، ومنها ما حدث في مدرسة «دار الأرقم» التي تؤوي نازحين في حي التفاح بمدينة غزة، وخلفت عشرات الشهداء والجرحى.
وتتزامن تلك الأنباء مع استمرار وعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتصعيد الإبادة الجماعية بقطاع غزة وتنفيذ مخطط الرئيس الأمريكي لتهجير الفلسطينيين. ومنذ استئناف عدوانها على غزة في 18 آذار/مارس الماضي، قتلت إسرائيل أكثر من ألف فلسطيني وأصابت آلافا آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة بالقطاع. وترتكب تل أبيب وبدعم أمريكي مطلق، منذ السابع من أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود. ولا تعلن تل أبيب عن الهدف الإستراتيجي لجيش الاحتلال لإعادة السيطرة على قطاع غزة وفرض واقع جديد في ظل الحصار والتجويع والقتل البطيء.
ومن واشنطن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إدارته ستعمل على «حل أزمة غزة المستمرة منذ عقود»، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يزور البيت الأبيض قريباً.
ومن النادر أن أقر ترامب بأن غزة تعرضت للحصار منذ سنوات طويلة وبأن كثيرين يقتلون هناك، مؤكدا أن واشنطن «تسعى للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الرهائن المحتجزين هناك».
حملة تشويه قطر
تواجه قطر التي قادت منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، حملة تشويه واسعة من قبل عدة أطراف، لثنيها عن استكمال تحركاتها الرامية لوقف الحرب، والتوصل لحلول عبر الدبلوماسية التي برعت فيها منذ عقود طويلة، وانتهت بنجاحات كانت محل تقدير المجتمع الدولي.
وخرجت الدوحة عن صمتها، وأصدر مكتب الإعلام الدولي في دولة قطر بياناً للرد على تقارير إعلامية وصفها بـ«الكاذبة» بشأن عملية الوساطة بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإسرائيل.
وتشدد الدوحة أنه في وقت تضطلع فيه بدور الوسيط الرئيسي في المفاوضات الجارية لتبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وإنهاء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكتوبر 2023، يتعرض الدور القطري لتشويه متواصل في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويُستخدم مادةً للتجاذبات السياسية بين القوى والأحزاب المتصارعة، خصوصًا بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخصومه في المعارضة، وتستخدمه أيضًا قوى يمينية تدور في فلك اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية. واستنكرت قطر بشدة، التصريحات الإعلامية من قبل بعض الإعلاميين والوسائل الإعلامية التي تزعم قيام الدوحة، بدفع أموال للتقليل من جهود مصر، أو أي من الوسطاء في عملية الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل.
ويحاول أصحاب نظريات تشويه دور الدوحة، التركيز تحديدًا على دور قطر في دعم قطاع غزة خلال السنوات التي تلت سيطرة حماس على السلطة في حزيران/يونيو 2007، فضلًا عن استضافتها أعضاءً من القيادة السياسية للحركة، وكونها المانح الأكبر للمساعدات الموجهة إلى القطاع، وكل ذلك في مسعى إسرائيلي للتهرب من تبعات سياسات الاحتلال والتغطية على المماطلة الإسرائيلية في التوصل إلى اتفاق تبادل، ولتشويه صورة قطر والضغط عليها من أجل التخلي عن التمسك بالحل العادل لقضية فلسطين، والانخراط في التطبيع. وتنفي قطر في العديد من المناسبات دعمها الجانب العسكري في غزة، واقتصار مساعداتها على المجال الإنساني، ضمن خطط إعادة الإعمار بعدما دمرت تل أبيب مقومات الحياة في القطاع المحاصر. وتنفي قطر على لسان المسؤولين، الادعاءات التي تروج لها بعض الأطراف، وتعتبرها محاولات لخدمة أجندات تهدف إلى إفساد جهود الوساطة وتقويض العلاقات بين الشعوب الشقيقة، كما أنها تمثل حلقة جديدة في مسلسل التضليل وتشتيت الانتباه عن المعاناة الإنسانية والتسييس المستمر للحرب.
وتحذر قطر من انزلاق هؤلاء الأشخاص نحو خدمة مشاريع ليس لها من هدف إلا إفشال الوساطة وزيادة معاناة الأشقاء في فلسطين. ومؤخراً أكد بيان مكتب الإعلام الدولي أن قطر ملتزمة بدورها «الإنساني والدبلوماسي في التوسط بين الأطراف المعنية لإنهاء هذه الحرب الكارثية، وتعمل بشكل وثيق ومستمر مع الأشقاء في جمهورية مصر العربية لتعزيز فرص تحقيق تهدئة دائمة وحماية أرواح المدنيين».
وأشادت قطر، بالدور «المصري المحوري في هذه القضية الهامة، حيث يجري التعاون والتنسيق اليومي بين الجانبين لضمان نجاح مساعي الوساطة المشتركة الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة».
وتشدد قطر على أن تكون جهود الوساطة بمنأى عن أي محاولات للتسييس أو التشويه، وأن الأولوية تظل التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني وحماية المدنيين وتحقيق تسوية عادلة ومستدامة وفق حل الدولتين. وتقود قطر إلى جانب مصر والولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023 جهود وساطة مكثفة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة «حماس» وإسرائيل.
استمرار جهود الوساطة
وبالرغم من حملات التشويه التي تتعرض لها، تواصل قطر جهودها للتوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وتتعاون الدوحة مع واشنطن والقاهرة، لتحقيق اختراق في مسار المفاوضات الذي نسفته تل أبيب التي لم تستكمل المحادثات للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه من الدوحة مطلع العام الجاري. ويأتي إصرار الدوحة على استكمال جهود الوساطة رغم حملات التشويه لكون التحدي لم يكن الأول ولا الأخير، وسبق أن تعرضت في مناسبات أخرى لحملات مشابهة. وفي وقت سابق، دانت قطر بشدة استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكدة موقفها الثابت من عدالة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف. ومؤخراً عبّرت وزارة الخارجية القطرية عن إدانتها «بأشد العبارات» استئناف قوات الاحتلال الإسرائيلي غاراتها على قطاع غزة، وأكدت أن العدوان الإسرائيلي يعد «تحديا سافرا للإرادة الدولية الداعمة للسلام». وحذرت الوزارة من أن سياسات الاحتلال التصعيدية «ستقود في النهاية إلى إشعال المنطقة والعبث بأمنها واستقرارها». وأكدت الحاجة الماسة إلى استئناف الحوار من أجل تنفيذ مراحل اتفاق وقف إطلاق النار وصولا إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة. وقالت إن الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة بلغت درجة غير مسبوقة في التاريخ، ما يستوجب تحرك المجتمع الدولي عاجلا لتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني.
استمرار إسرائيل في حرب الإبادة
تواصل سلطات الاحتلال حرب الإبادة على غزة، رغم أن الجميع كان يسعى ويعمل على إنجاح مسار الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق مطلع آذار/مارس الماضي، بعدما انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 كانون الثاني/يناير 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي. وفي حين التزمت حماس ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام عبري. وكشفت مصادر عبرية أن إسرائيل قدمت مقترحا جديدا يقضي بإطلاق سراح نصف الأسرى الأحياء والأموات مقابل وقف إطلاق النار لمدة 50 يوما في غزة.
وقدمت حكومة بنيامين نتنياهو المقترح الجديد «بعدما رفضت تل أبيب مقترح الوسطاء بشأن الإفراج عن 5 أسرى فقط، بينهم عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية».
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل مستعدة للحديث عن المرحلة النهائية في الحرب، لكنه اشترط أن تشمل تلك المفاوضات إلقاءَ حركة حماس سلاحها والسماح لقادتها بالخروج من القطاع. كما اشترط رئيس الوزراء الإسرائيلي، للعودة إلى المفاوضات بدء ما سماها «هجرة طوعية» للفلسطينيين من غزة تنفيذا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتريد تل أبيب ضمانات بسيطرة أمنية على قطاع غزة. ويزعم نتنياهو أن الضغط العسكري في قطاع غزة يسهم في تدمير قدرات حركة حماس وتهيئة الظروف لإعادة الأسرى الإسرائيليين، لكن الوقائع الميدانية أثبت فشل تلك المزاعم.
ومقابل رغبة تل أبيب استمرار حرب الإبادة، تبدي حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مرونة واستجابة لجهود الوسطاء، وتطالب بضمانات دولية بعدم تجديد الحرب على غزة.
وتطالب حماس بإطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين والانسحاب التام لجيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة كجزء من الصفقة، وهي المطالب التي ترفضها تل أبيب.
ومؤخراً كشف عضو المكتب السياسي لحركة حماس باسم نعيم أن «الحركة متمسكة باتفاق وقف إطلاق النار والعرض الأخير الذي قدمه الوسطاء لتجاوز الأزمة. وبالمقابل تصر حماس أن المقاومة وسلاحها مسألة وجودية لنا كشعب تحت الاحتلال».
تصدير نتنياهو أزماته
يدرك الجميع بحسب المراقبين المتابعين لتطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، أن مصدر التوتر ومفشل جهود الوساطة، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزراء حكومته المتطرفين.
ومؤخراً تظاهر أهالي الأسرى الإسرائيليين في القدس المحتلة، وطالبوا بصفقة تبادل وإعادة أبنائهم من غزة. وصبت عائلات الأسرى جام غضبها على حكومة نتنياهو، قائلين في بيانهم «نشعر بأننا منسيون في الظلام، والمفاوضات لا تتقدم، ووقت المختطفين ينفد»، وفق تعبيرهم.
وقالت العائلات في رسالة إلى وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر «لدى تعيينك تلقينا تأكيدا بأن ذلك سيحقق تقدما نحو اتفاق لكن مر شهر ولا يوجد أي تقدم، ويبدو أنه يتم الدفع بقضية المختطفين إلى أسفل سلم الأولويات». وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9 آلاف و500 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا أودى بحياة العديد منهم.
«القدس العربي»: