الغارديان: تَغيُّر الرواية الإسرائيلية بشأن قتل المسعفين بغزة جزء من تاريخ طويل من الإنكار والتشويش

الغارديان: تَغيُّر الرواية الإسرائيلية بشأن قتل المسعفين بغزة جزء من تاريخ طويل من الإنكار والتشويش
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرًا أعده بيتر بيومنت، قال فيه إن تغيير إسرائيل روايتها بشأن مقتل 15 مسعفًا، في الشهر الماضي، هو جزء من تاريخ طويل في تغيير الجيش الإسرائيلي الرواية عن مقتل المدنيين الفلسطينيين.
وقال بيومنت إن هذا نهج عادي يتبعه الجيش الإسرائيلي في الحالات الكبرى التي يُقتل فيها مدنيون. وعادة ما ينكر الجيش في البداية، وفي بعض الأحيان، أثناء حرب غزة يتنصل أنه المسؤول ويحمّل “حماس” مسؤولية القتل، وأن الصواريخ التي تطلقها سقطت قبل أن تصيب الهدف في داخل إسرائيل.
وإن لم يقنع هذا التبرير أحدًا، فإنه يقترح أن معظم القتلى كانوا من المقاتلين، أو أنهم ضحايا جانبيون بسبب استهداف المقاتلين.
وعليه فحالة مسعفي غزة، هي آخر الأحداث التي غيرت فيها إسرائيل روايتها.
وأشار الكاتب إلى مقتل الصحافية الفلسطينية-الأمريكية المعروفة شيرين أبو عاقلة، التي كانت تغطي أحداثًا لقناة “الجزيرة” في جنين عام 2022، حيث تراجعت إسرائيل أمام الأدلة عن الرواية الأولى، والتي ألقت مقتلها على مقاتلين في المنطقة التي كانت تغطي التوغل الإسرائيلي فيها لمخيم جنين.
ففي البداية، اقترح رئيس الوزراء، في حينه نفتالي بينيت، أن أبو عاقلة قتلت “على الأرجح” برصاص من المقاتلين الفلسطينيين. وبعد يوم من تصريحاته، أصدرت الحكومة بيانًا شجبت فيه الاتهامات “المتسرعة” وأن المسؤول عن القتل هو واحد من جنودها ووصفتها بـ”المضللة وغير المسؤولة”.
ولكن الأدلة وشهادات الشهود أجبرت الجيش على الاعتراف بأن الصحافية المعروفة قتلت برصاص جندي من جنوده. لكنه، قال إنها لم تُستهدف بل أصيبت بالخطأ.
وعندما ظهرت أدلة تطعن في رواية الجيش الإسرائيلي، غير روايته ليشير إلى أن القتل لم يحصل نتيجة أوامر عسكرية أو مشكلات نظامية، بل “خطأ نادر، وجاء بسبب مسؤولية فردية وليست تنظيمية”.
وفي حالة المسعفين الذين قتلوا في 23 آذار/مارس، كان التفسير الأولي للجيش الإسرائيلي، عند اكتشاف جثثهم في مقبرة جماعية، هو أن سياراتهم كانت “تتقدم بشكل مثير للريبة نحو قوات الجيش الإسرائيلي، وبدون مصابيح أمامية أو إشارات طوارئ”. ومع ظهور إفادات شهود عيان، وفيديو من هاتف أحد المسعفين القتلى، أظهر عدم صحة هذه الرواية، وأن سيارات الإسعاف كانت تسير بأضوائها الأمامية، وكان المسعفون يرتدون سترات عاكسة، زعمت إسرائيل، دون تقديم أدلة، أن ستة من القتلى كانوا مرتبطين بطريقة ما بـ “حماس”، حتى لو كانوا عزلًا من السلاح.
وركزت كل الإحاطات الإعلامية المقدمة من الجيش لوسائل الإعلام الإسرائيلية على واحد من أكثر مزاعم الجيش الإسرائيلي شيوعًا على مر السنين، وهو التأكيد على أن الجنود شعروا بأنهم تحت تهديد، وأن “حماس” استخدمت سيارات الإسعاف لنقل الرجال والأسلحة.
وغالبًا ما تدعم رواية الجيش الإسرائيلي المتغيرة في مثل هذه الحالات ادعاءات تطرحها حسابات مؤيدة لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد نُشر مقطع فيديو على منصة إكس، نشره حساب مؤيد لإسرائيل، ويظهر بطريقة غامضة وضبابية أن أحد المسعفين كان يحمل بيده سلاحًا.
مع أن القناة الألمانية “دوتشيه فيليه” (دي دبليو) فحصت الفيديو، وخلصت إلى أن ما كان ظاهرًا هو ظل ألقته الأضواء المشعة.
ويرى بيومنت أن هدف التعتيم والتشكيك في الروايات هو تعكير صفو التحقيقات من بدايتها. وعندما يعلن الجيش الإسرائيلي عن تحقيق يكلف فيه المدعي العام العسكري، غالبًا ما تكون النتائج غامضة ونادرًا ما تقود إلى توجيه اتهامات خطيرة.
وبحسب تحقيق أجرته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “يش دين”، ونُشر العام الماضي، فإن الآلية التي أنشأتها هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي من أجل التحقيق في جرائم الحرب المحتملة مصممة للتهرب من المسؤولية، مع إعطاء انطباع بوجود عملية تحقيق قانونية جارية. وفي دراسة أجرتها منظمة “يش دين” لـ”جميع الشكاوى المحالة إلى الجيش” خلال الحملات العسكرية الإسرائيلية الكبرى على مدى العقد الماضي، “أُحيلت 664 شكوى على الأقل… للمراجعة”. ومن بين هذه الشكاوى، تقول المنظمة إن “542 حادثة (81.6%) أُغلقت دون تحقيق جنائي، بينما أدت 41 حادثة فقط (6%)” إلى تحقيق جنائي. وهو ما دفع منظمة “يش دين” إلى الاستنتاج بأن “نتائج عمل آلية إنفاذ القانون الإسرائيلية، على مدى العقد الماضي، تكشف أنها نادرًا ما تفتح تحقيقات ضد جنود من رتب صغيرة، وتمتنع تمامًا عن التحقيق مع صناع القرار على أعلى مستويات القيادة”.
وقد أثار كل هذا تساؤلات ملحة حول رواية إسرائيل، ليس فقط في الأوساط المعروفة بدفاعها عن إسرائيل، ولكن هذه المرة في ألمانيا، التي تعد واحدة من أقوى الدول الداعمة لإسرائيل في أوروبا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، كريستيان فاغنر، يوم الإثنين، بعد ظهور تسجيل فيديو للحادثة المتعلقة بالمسعفين: “هناك تساؤلات جوهرية حول تصرفات الجيش الإسرائيلي الآن”.
وأضاف: “هناك حاجة ماسة للتحقيق ومحاسبة الجناة”، مشيرًا إلى أن التحقيق الكامل في الحادثة “مسألة تؤثر في نهاية المطاف على مصداقية الدولة الدستورية الإسرائيلية”.
وكما أشار عاموس هاريل في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في وقت سابق من هذا الأسبوع، فإن كل هذه المناورات التصويرية حول الحادثة قد تحجب حقيقة أكثر قسوة: وهي أن جميع الفلسطينيين في غزة، بمن فيهم المدنيون، ينظر إليهم على أنهم تهديد يجب مواجهته بالقوة المميتة. وقبل أيام، تم عرض فيديو يظهر قائد كتيبة يتحدث إلى جنوده عشية عودتهم إلى القطاع قائلًا: “أي شخص تقابله هناك هو عدو، إذا حددته هو عدو، وإذا حددته فتخلص منه”.
– “القدس العربي”: