منوعات

حاكم دمشق يفضّل الـ influencers

حاكم دمشق يفضّل الـ influencers

مروة جردي

أحدث وصول المعارضة المسلحة إلى رأس الحكم في سوريا تحولات في المشهد الإعلامي المحلي لم يتوقف عند إغلاق مؤسسات وفتح مكاتب لوسائل جديدة أو مصادرة وتجميد مؤسسات أخرى.

مع الضعف الذي كانت تعانيه مؤسسات الإعلام في مناطق النظام السابق على مستوى الحريات، وفي الجوانب المادية والتقنية، كانت البيئة مهيأة وخصبة لنمو خطاب جديد، ولكن هذه المرة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

خطاب مهيمن على الصحافة المهنية يمثّل صورة النظام الجديد. لا شكّ في أن الجمهور السوري يستقي معلومات تخصّ يومياته وأنشطة نظامه وبرامجه اليوم بشكل أساسي من فايسبوك، وربما يليها بعض الحسابات الرسمية للإدارة السورية الجديدة في تلغرام، التي تحاول كل مدة التذكير بالمنصات الإلكترونية الناطقة باسمها.

لكن هل يمكن لإعلام السوشال ميديا أن يحل بديلاً عن الإعلام المهني التقليدي؟ وهل القائمون على الإعلام السوري اليوم قادرون على إحداث التحول المأمول من صحافة المواطن إلى صحافة المحترفين مع الاحتفاظ بميزات تلك والتخلص من سلبيات الأخرى؟

موسى نجم السوشال ميديا المدافع عن النظام

ليس المقدم موسى الناجي الذي يؤدي دوره النجم السوري تيم حسن في مسلسل «تحت سابع أرض» المقصود من الكلام، إنما الإعلامي موسى العمر المقرب من الإدارة السورية الجديدة، والرئيس السوري أحمد الشرع.

قدّم نفسه بوصفه الوجه الإعلامي ونجم السوشال ميديا المدافع عن السلطة السورية، فدأب المدة الماضية على تبييض أفعال النظام الجديد والدفاع عنه والحديث باسمه.

في هذا السياق، خرج العمر من داخل استوديوهات التلفزيون السوري في فيديو بثه عبر حسابه على فايسبوك، مشيراً إلى اقتراب موعد انطلاق القناة الإخبارية، تلاه لاحقاً تصريح صحافي لمدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية يؤيد السردية التي بدأها العمر عبر السوشال ميديا بعدما كانت الشكوك تثار حول أسباب إغلاق التلفزيون الرسمي حتى اليوم.

يتوقَّع إطلاق أول تلفزيون رسمي سيكون ذا طابع
«إخباري» وأكثر شمولاً
لناحية تمثيل المجتمع

وفي مقابلة سابقة مع الإعلامية زينة يازجي، أشار موسى العمر إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد النظام الساقط من أسباب تأخير إطلاق التلفزيون الرسمي، نافياً أن يكون عمل التلفزيون سابقاً بعقد مباشر مع إدارة قمر «نايلسات»، مشيراً إلى أن البث كان عبر قمر صناعي روسي «تمكّن من وضع القنوات السورية على تردد نايلسات»، إضافة إلى مشكلات «تقنية» تتعلّق بالمعدات والأجهزة المتوافرة في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون التي لا تسمح بالخروج بصورة ذات جودة وتقنية عاليتين.

كلام الموسى الذي يتحدث دائماً باسم السلطة من دون صفة رسمية، يتعارض مع المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصدر داخل «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون»، والذي أشار بوضوح إلى وجود عقد سابق بين إدارة قمر «نايلسات» والنظام السوري البائد، ولكن تم إيقاف العمل به مع نهاية العام بسبب عدم الوصول إلى تفاهم جديد مع السلطة الحالية، فيما أشارت مصادر أخرى إلى وجود مشكلات حول مستحقات مالية على الطرف السوري لإدارة «نايلسات».

وهذا ما يبرر استمرار عمل الفضائية السورية بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وبث البيان رقم واحد من داخل استديو الأخبار، ثم توقفت كل البرامج واستُبدلت بصور تحت شعار «سوريا حرة» قبل أن يصار إلى توقف بثها لاحقاً مع نهاية العام.

هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها العمر ما يسميها معلومات خاصة ووعوداً، ويتبين لاحقاً عدم صحتها أو عدم القدرة على الإيفاء بها.

ولا يبدو أنه يجد حرجاً في ذلك، فيما يواصل ظهوره في الأماكن والأحداث المهمة داخل سوريا بما يوحي بأن الإدارة السورية غير مزعوجة من الدور الذي يقوم به، فالتنصل من مسؤولية الدولة من هذا النوع من الخطاب والتصريحات غير الرسمية أسهل بكثير من تبرير أسباب التخلف بالوعود كزيادة الرواتب سابقاً وغيرها الكثير.

الوسيط «الإدلبي» حل مؤقت للوصول إلى المعلومات

كان التواصل مع الصحافيين العاملين في إدلب خلال الحرب كفيلاً بتعرضك للمساءلة القانونية بتهمة «التعامل مع جهات أجنبية أو إرهابية» بحسب أبجديات النظام السابق.

أما اليوم، فصارت لزاماً ليكون لك «صلة وصل» بينك وبين الإدارة السورية الجديدة وممثليها. وهذا النوع من العلاقات سهّل الوصول إلى المعلومات خلال الأسابيع الأولى التي تلت السقوط، فصار الصحافي «الإدلبي» بالولادة أو الإقامة «وسيطاً» للصحافيين الآخرين للوصول إلى المصادر في الإدارة السورية الجديدة.

النموذج الفردي السابق سرعان ما شجّع باتجاه إيجاد نماذج أكثر عمومية وفعالية، تسهم في تنظيم وردم بعض الفجوات في المعلومات وجهات الاتصال عبر إنشاء الصحافيين مجموعات عمل في واتساب وتلغرام يضاف إليها معظم العاملين في سوريا ممن يمثلون توجهات سياسية ومناطق عمل مختلفة، لمساعدة بعضهم في التواصل والتشبيك ومعرفة مواعيد التغطيات الإخبارية الخاصة بأنشطة الحكومة واللجان المرتبطة بها، أو حتى الوصول إلى مصادر وأرقام تواصل للعاملين فيها، والتحقق من الأخبار والمحتويات التي تنشر على منصات التواصل الاجتماعي، ويسهم الصحافيون في المجموعة في تأكيدها أو نفيها بحسب مكان الإقامة.

في المقابل، أسهمت هذه الحلول التي أوجدها الصحافيون في ما بينهم ــ بشكل غير مقصود ــ إلى تكريس ممارسة رسمية غير عادلة لعدم وجود قناة تواصل مباشرة وفعالة بين وزارة الإعلام والصحافيين العاملين في سوريا، فصار من الصعوبة وصول جميع الصحافيين إلى مصادر معلومات رسمية ومهمة للقصص التي يقومون بإنتاجها، أو الحصول على موافقات وتصريحات بشكل سريع ومباشر من دون وسيط، خصوصاً مع زيادة ضغط الأخبار وتسارع الأحداث وتضارب المصالح والتنافسية، التي ستجعل الوسيط غير قادر أو جاهز دائماً لتقديم المساعدة. كما يمكن أن يؤثر ذلك على احتمالات حصول الصحافيين «المستقلين» على فرص عمل جديدة.

صحافيون أم صنّاع محتوى… مَن تفضل الإدارة الجديدة؟

خلال ندوة لرابطة الصحافيين داخل كلية الإعلام في دمشق، حدث جدال واسع بين الطلاب والحضور بعد مطالبة أحد المشاركين بضرورة وجود ضوابط وقواعد يخضع لها كل صحافي كي تحدّد من يحق له العمل أم لا، وما إذا يمكن اعتبار المواطن الصحافي وصانع المحتوى كالصحافي المحترف، ما اعتبره بعضهم هجوماً على صحافيي «الثورة» الذين عملوا بصفتهم مؤثرين عبر منصاتهم، ولم يتمكنوا من الحصول على شهادات أكاديمية بسبب الحرب، وهذه واحدة من سمات وإشكاليات المشهد الإعلامي الجديد في سوريا الذي يرى في صنّاع المحتوى والمواطنين بديلاً عن الإعلام المهني بسبب غياب الأخير عن مناطقهم سابقاً.

العلاقة المباشرة التي نمت بين بعض المؤثرين والمواطنين الصحافيين مع النظام الجديد بفعل الانتماء إلى تنظيم واحد أو الانحدار من منطقة جغرافية واحدة، منح بعضهم امتيازات في الوصول إلى معلومات غير متوافرة لدى صحافيين محترفين، خصوصاً في ما يتعلق باللقاءات والاتصالات المباشرة مع احتفاظ معظم العاملين في النظام الجديد بمختلف مؤسساته بأرقام أجنبية تجعل من الصعب على الصحافيين المحليين التواصل معهم إلا عبر تطبيقي تلغرام وواتساب، وغالباً ما يأتي الرد عليها بالتريث أو التأجيل.

وفي هذه البيئة التي تعكس تفضيلاً غير معلن لصحافة السوشال ميديا، يتمكن بعض الناشطين والمؤثرين من التحرك بحرية، والحصول على معلومات حصرية من دون الحاجة إلى أي إجراءات أو موافقات، بوصفهم يتمتعون بـ «ثقة القيادة الجديدة» وليس بالكفاءة بالضرورة، فكان طبيعياً أن نرى «الأخ أبو محمد» في مقابلة مع صانع المحتوى العربي جو حطاب، وفقاً لما ناداه أحد صنّاع المحتوى، قبل أن يعين كرئيس لسوريا، أو نقل تصريحات عن لسانه عبر موسى العمر أو صانع المحتوى جميل الحسن الذي حصل على أذون تصوير وتغطيات لم تتح لصحافيين ووسائل إعلام محترفة كتصويره وهو يحمل سلاحاً داخل «حي التضامن» في دمشق، أو حتى وصوله إلى الساحل وتصويره مقابلات مع الناجين من المجازر، في وقت كان ذلك يشكل تحدياً أمنياً ولوجستياً لباقي الصحافيين.

أخيراً… لا يمكن تحديد ملامح نهائية لصورة المشهد الإعلامي الجديد في سوريا، إذ يمكن اعتباره لا يزال قيد الإنتاج، وربما عملية تنظيم العمل وقوانينه ستأخذ وقتاً طويلاً، وقد تظهر ملامحه الأولى مع إطلاق أول تلفزيون رسمي ناطق باسم السلطة الجديدة، خاصة بعد تعيين حمزة المصطفى مدير «تلفزيون سوريا» وزيراً للإعلام، التي يتوقع أن تحمل طابعاً «إخبارياً» وأكثر شمولاً لناحية تمثيل المجتمع. لكنّ المؤكد أنّ الإدارة السورية التي تعتبر أنّها تمثل «الثورة» تواجه مجموعة تحديات خلال محاولتها بناء مؤسسات وخطاب إعلامي خاص بها، أهمها الخروج من منصات التواصل الاجتماعي إلى المؤسسات الصحافية المهنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب